أظهر تقرير حديث صدر عن معهد التمويل الدولي، ارتفاع حجم الديون العالمية إلى مستويات غير مسبوقة بلغت نحو 300 تريليون دولار، وذلك على الرغم من التراجع في نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ بداية الجائحة، وذلك على خلفية ارتداد الاقتصاد العالمي إلى النمو. وبحسب التقرير، شهد إجمالي الدين- الذي يمثل جميع مديونيات الحكومات والأُسر والشركات والبنوك- زيادة بلغت 4.8 تريليون دولار، ليصل إلى 296 تريليون دولار بنهاية الربع الثاني من عام 2021، بزيادة قدرها 36 تريليون دولار مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. وانخفضت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 353 في المئة بنهاية يونيو (حزيران) الماضي، مع تزايد وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي بعدما سجلت مستوى قياسياً عند 362 في المئة في الربع الأول.
من ناحية أخرى، ارتفع حجم ديون الأسواق الناشئة بأسرع وتيرة له، إذ زادت تلك الديون بمقدار 3.5 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2021 لتصل إلى حوالى 92 تريليون دولار، في حين بلغ حجم ديون الأسواق الناشئة، ما عدا الصين، مستوى قياسياً عند 36 تريليون دولار مع ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي في تلك الأسواق.
لا بديل عن الاقتراض لتمويل العجوزات الضخمة
ويرى أستاذ الاقتصاد الكلي، الدكتور حسني إبراهيم، إن “كل دول العالم لم تكن على استعداد لاستقبال جائحة كورونا التي عصفت بكل المؤشرات والبيانات، وتسببت بانكماش اقتصادي عنيف في غالبية الاقتصادات المتقدمة، كما أنهكت الاقتصادات الناشئة”.
وأوضح أن “عام 2019 أشار إلى اقتراب العالم من أزمات اقتصادية، بخاصة مع زيادة حجم الإنفاق العالمي بنسب كبيرة خلال فترة ما قبل الوباء، إضافة إلى ظهور بوادر لارتفاع معدلات التضخم، وأيضاً ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، وهذه المؤشرات كانت تؤكد اقتراب حدوث أزمة، بخاصة وأن الأسواق كانت بحاجة لعمليات تصحيح، سواء كانت أسواق الأسهم أو العقارات على مستوى العالم”. وأضاف “لكن جائحة كورونا وما تبعها من تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد العالمي، دفعت كل الحكومات إلى الإعلان عن خطط تحفيز ضخمة كلفتها مبالغ ضخمة، وكل الاقتصادات لم تكن مستعدة لتوفير هذه المخصصات إلا من خلال الاقتراض والديون”، مشيراً إلى أن “المبالغ التي أعلنت عنها المؤسسات الدولية في إطار خطط دعم الاقتصادات، لم تكن كافية للخروج من الأزمة التي تسببت بتضاعف حجم الإنفاق العام بخاصة في القطاع الصحي الذي استنزف مبالغ ضخمة خلال العامين الحالي والماضي”.
ولفت إبراهيم إلى أن “أزمة الديون ليست وليدة اليوم، ولكن هناك تراكمات سابقة في ظل اعتماد عدد كبير من الدول على الاستدانة والاقتراض لتمويل العجوزات”. وأضاف “إذا كان الاقتصاد الأميركي وهو أكبر اقتصاد في العالم مثقلاً بالديون حتى من قبل ظهور جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة، فكيف سيكون الحال في الاقتصادات الناشئة والدول الفقيرة. أعتقد أن الوضع أصعب بكثير مما يتخيله البعض”.
ارتفاع قياسي في ديون الأسر والأفراد
وفي تقرير سابق، قدر معهد التمويل الدولي أن الحكومات والشركات والأسر اقترضوا نحو 24 تريليون دولار خلال العام الماضي، لتخفيف آثار الدمار الاقتصادي الناتج عن الوباء، ما رفع إجمالي الديون العالمية إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 281 تريليون دولار مع نهاية 2020 أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 355 في المئة.
وأشار التقرير إلى زيادة الحكومات صاحبة العجوزات الكبيرة في الموازنات، الديون بحوالى 10 تريليونات دولار إضافية خلال العام الحالي، نظراً إلى أن الضغوط السياسية والاجتماعية تجعل من الصعب خفض الإنفاق، ما سيدفع عبء الديون لهذه الفئة إلى ما يزيد على 92 تريليون دولار مع نهاية عام 2021.
ويُتوقع أن تبحث الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء عن توازن مثالي، وفي حين قد يساعد التعافي الاقتصادي بعض الحكومات على وضع استراتيجيات لخفض المحفزات، فإن القيام بذلك في وقت مبكر للغاية يمكن أن يفاقم حالات التعثر والإفلاس، كما أن الانتظار طويلاً جداً يمكن أن يقود إلى أعباء ديون خارجة عن السيطرة.
وشهدت الشركات المالية أكبر قفزة في مستويات الديون منذ أكثر من عشر سنوات. وفي الأسواق الناشئة، شهدت جنوب أفريقيا والهند أكبر زيادات في نسب الدين الحكومي العام الماضي، وكان اقتراض الشركات هو الأكبر في البيرو وروسيا. كما وقفت ديون العالم النامي المقومة بالعملات الأجنبية قرب 8.6 تريليون دولار في 2020، نتيجة تسبب “الخسائر الحادة في عملات الأسواق الناشئة” بإحباط رغبة الشركات في الاقتراض بالعملات الأجنبية، وفق معهد التمويل الدولي.
خسائر تتجاوز 15 تريليون دولار
في المقابل، قدر صندوق النقد الدولي، خسائر الناتج الإجمالي العالمي المتوقعة جراء جائحة كورونا، بنحو 15 تريليون دولار، خلال الفترة بين عامي 2020 و2024، بما يعادل نحو 2.8 في المئة من قيمة الناتج العالمي. وتوقعت دراسة أُعدت لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، أن يخسر الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 4 تريليونات دولار خلال عامي 2020 و2021، جراء انهيار السياحة الدولية، الناتج عن تداعيات جائحة فيروس كورونا.
ووفق وكالة “بلومبيرغ”، فإنه خلال الفترة من 2022 وحتى 2025، ستخسر دول جنوب أفريقيا بسبب بطء حملات التطعيم فيها 2.9 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي مقارنة بالتوقعات السابقة، مقابل خسارة قدرها 0.1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي التي ستتكبدها دول أوروبا الشرقية. وتوقعت أن تكون منطقة آسيا والمحيط الهادي الأكثر تضرراً من بطء حملات التطعيم، لأنها ستخسر 1.7 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة الممتدة بين 2022 و2025.
من جهة أخرى، توقع البنك الدولي، أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.6 في المئة خلال عام 2021، مقابل انكماش في عام 2020 بنسبة 3.5 في المئة، وهو أعلى معدل للنمو في فترات ما بعد الركود منذ 80 عاماً، وكذلك في فترة ما بعد الجائحة. ورجح التقرير ألا يكون الانتعاش في معظم مناطق الأسواق الناشئة والبلدان النامية كافياً للتغلب على الضرر الناجم عن الجائحة.
وأوضح البنك الدولي أنه “بحلول عام 2022، يُتوقع أن يظل الناتج في كل المناطق دون توقعات ما قبل الجائحة، بسبب استمرارها وتبعاتها، التي من بينها ارتفاع أعباء الديون، والأضرار التي لحقت بكثير من العوامل المحركة للناتج المحتمل”. ويضيف التقرير، “من المتوقع أن يكون الانتعاش في الاقتصادات الصغيرة التي تعتمد على السياحة ضعيفاً، ما دامت القيود المفروضة على السفر قائمة”.
اندبندنت