نجحت مجموعة البنك الدولي على مدى 70 عاما في جمع موارد تمويلية من أسواق رأس المال كي تستثمرها في مشروعات إنمائية. وقامت المجموعة، من خلال ذراعها المخصصة للبلدان المتوسطة الدخل – البنك الدولي للإنشاء والتعمير، بتمويل مشاريع القطاع العام كالطرق أو الطاقة الخضراء أو الأنظمة الصحية والتعليمية؛ ومن خلال مؤسسة التمويل الدولية، أتاحت رأس المال للقطاع الخاص في البلدان النامية لمساعدة الشركات على النمو وتهيئة فرص العمل وسداد الضرائب وغير ذلك من الفوائد المجتمعية الأوسع نطاقًا.
ولطالما حظيت إصدارات السندات من مؤسسات مجموعة البنك الدولي بشعبية كبيرة بين المستثمرين الباحثين عن فرص استثمار آمنة وثابتة الدخل، ومؤخرًا لأغراض التنمية أيضًا.
وقام كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية بجمع أكثر مما يعادل 900 مليار دولار أمريكي منذ عام 1947، وذلك بفضل موقفهما المحافظ إزاء المخاطر وعوائدهما المالية التي يمكن التنبؤ بها.
ومنذ عام 1960، قامت مؤسسة ثالثة تابعة لمجموعة البنك الدولي – المؤسسة الدولية للتنمية – بتنفيذ تفويض مختلف. فقد نشأت المؤسسة الدولية للتنمية لتقديم المنح والتمويل الميسر والمساعدة الفنية للبلدان المنخفضة الدخل، وذلك بالأموال التي يتبرع بها المساهمون. وتلتقي الجهات المانحة مرة كل ثلاث سنوات لتجديد موارد المؤسسة واستعراض إطار سياساتها.
بعد اعتماد أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، تنامى الإدراك بأن آليات التمويل الحالية للتنمية لن تكفي لإنجاز الأجندة الطموحة.
وفي اجتماع لبنوك التنمية متعددة الأطراف، تم الاتفاق على ضرورة أن تزيد بلدان العالم الموارد التمويلية المخصصة للتنمية زيادة ضخمة – “من مليارات الدولارات إلى تريليونات الدولارات”. وهذا يعني التفكير خارج نطاق المساعدات والانتقال إلى التمويل الخاص وإطلاق العنان لموارد البلدان النامية. علاوة على ذلك، أدرك المجتمع الدولي أن هذا الأمر أكثر إلحاحا لأشد البلدان فقرًا والتي غالباً ما يكون لديها أكبر الاحتياجات للتنمية.
كان من المتوقع أن تلعب المؤسسة الدولية للتنمية دورها وتزيد من مستوى المساعدات التي تقدمها. ومع وجود إطار زمني قصير لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تظهر حاجة ماسة إلى مصادر تمويل إضافية.
وعلى الرغم من أن المؤسسة لم تجمع في السابق أموالاً من الأسواق، فإنها تحتل وضعًا ملائمًا للقيام بذلك بناءً على عدة عوامل. أولاً، لديها قاعدة قوية لحقوق الملكية تبلغ 163 مليار دولار، أي أكثر من بنوك التنمية المتعددة الأطراف الأخرى مجتمعة. ثانياً، تتمتع عادةً بوضع الدائن المفضل، ولديها سجل ممتاز في سداد قروضها الميسرة. ثالثًا، تتمتع بدعم قوي للغاية من المساهمين، كما يتضح من عمليات تجديد الموارد السابقة التي يستمر كل منها ثلاث سنوات والتي جُمع خلالها ما يزيد عن 270 مليار دولار منذ عام 1961. رابعاً، لا تتحمل المؤسسة الدولية للتنمية أي ديون.
أخيرًا، تتيح المؤسسة للمستثمرين فرصة فريدة لدعم مشاريع التنمية في بعض البلدان المنخفضة الدخل حول العالم، وخاصة في إفريقيا التي ستحصل على حوالي 45 مليار دولار من أموال المؤسسة خلال السنوات المالية الثلاث بين عامي 2017 و 2020.
ونظرًا لأن عددًا متزايدًا من المستثمرين يتطلعون إلى توجيه رأس المال إلى منتجات تفي بمتطلباتهم المالية وتخدم غرضًا اجتماعيًا إيجابيًا، فإن المؤسسة الدولية للتنمية تمثل قصة مقنعة.
وحين اُتخذ القرار بالتوجه إلى أسواق رأس المال للحصول على رؤوس أموال إضافية لتكملة الموارد التمويلية من المانحين، تم وضع برنامج مقنع. حصلت المؤسسة الدولية للتنمية على تصنيف AAA / Aaa (ستاندرد آند بورز / موديز) وطُرح أول إصدار لها من السندات في شهر أبريل نيسان 2018، وقد تجاوز الاكتتاب فيه قيمة الطرح أربع مرات، وتم جمع 1.5 مليار دولار لمعالجة بعض مشاكل التنمية الأكثر إلحاحًا.
يمكن النظر للنتيجة الناجحة لهذا الإصدار من عدة زوايا. أولاً، رفع موارد المانحين بحيث يولد كل دولار واحد من مساهمات الشركاء حوالي 3 دولارات من سلطة الإنفاق. ثانياً، ساعد المستثمرين على إضافة أصول إلى محافظهم الاستثمارية تزيد بشكل ملحوظ من مساندتهم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمساهمة في التنمية العالمية. والأهم من ذلك، أن هذا الطرح يعني أن ملايين البشر سيستفيدون من برامج المؤسسة الدولية للتنمية التي تبني مرافق البنية التحتية وتقدم الخدمات العامة مثل المدارس والعيادات الصحية في بعض أشد الأماكن فقرًا حول العالم.
منذ الإصدار الأول، عززت المؤسسة الدولية للتنمية برنامج الاقتراض بأدوات قصيرة الأجل، ووصل رصيد الديون القائمة إلى 1.9 مليار دولار حتى 30 يونيو حزيران 2019. وهذه الإصدارات ليست سوى بداية. فالإصدارات الإضافية المقررة للسنوات القادمة يصل حجمها إلى عشرات المليارات من الدولارات، وهو تقدير متحفظ يتماشى مع قاعدة رأس المال الضخمة للمؤسسة والدعم القوي لها من المساهمين.
من الواضح أن هذا النجاح هو تكريم لسجل المؤسسة القوي في تحقيق نتائج فعالة قابلة للقياس في البلدان المنخفضة الدخل. ونعتقد أيضًا أن نجاحنا يرجع إلى نهجنا في الاستثمار المستدام وتحقيق أثر إيجابي.
فالناس في كل مكان مهتمون حقًا بمجموعة واسعة من قضايا التنمية، مما يجعل المؤسسة الدولية للتنمية استثمارًا مهمًا. وتسعى المؤسسة إلى تحسين مستويات المعيشة في البلدان المنخفضة الدخل من خلال مجموعة شاملة من الإجراءات التدخلية التي تشمل إصلاح السياسات التي تحفز النمو وتنمية القطاع الخاص، وبناء مرافق البنية التحتية لمساعدة المزارعين على نقل منتجاتهم إلى الأسواق، وبناء شبكات الطاقة التي تزيد من إمكانية حصول الأسر والشركات الصغيرة على الكهرباء. تتصدى الإجراءات التدخلية أيضًا لاحتياجات التنمية البشرية الأساسية التي تتراوح من مساندة التعليم الابتدائي والثانوي والعالي إلى تدعيم الأنظمة الصحية وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي للمحتاجين. وتقف المؤسسة الدولية للتنمية في الخطوط الأمامية لدعم البلدان التي تمر بأزمات، سواء أكانت ناجمة عن كوارث طبيعية أم حروب وأعمال عنف، كما أن دعمها موجه نحو بناء القدرة على الصمود ومعالجة أسباب الهشاشة والصراع. باختصار، إنها الاستثمارات التي تعزز الأمل في مستقبل أفضل.
إن أجندة التنمية الواسعة هذه، وقدرة المؤسسة الدولية للتنمية على لمس حياة الكثير من الناس الذين يسعون إلى حياة أفضل في البلدان المنخفضة الدخل، تمكّن المستثمرين من تحقيق عوائد مالية مع الانضمام في الوقت نفسه إلى التحالف العالمي الذي يهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذه نقطة لطيفة تسعى المؤسسة الدولية للتنمية إلى شغلها وتوسيع نطاقها.
ونحن، في مجموعة البنك الدولي، لدينا تاريخ طويل من العمل مع أسواق رأس المال لجمع الموارد التمويلية لمشاريع التنمية. تصدّر البنك الدولي للإنشاء والتعمير هذا النهج، ثم انضمت إليه مؤسسة التمويل الدولية في وقت لاحق. ومع انضمام المؤسسة الدولية للتنمية إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية كمؤسسات مُصدرة رئيسية، يمكن للمستثمرين أن يحققوا أداءً جيدًا وصالحًا، بمعرفتهم أن رؤوس أموالهم تعمل في البلدان المنخفضة الدخل التي ربما لا تتاح لهم الفرصة للاستثمار فيها.
أكسيل فان تروتسنبيرغ- المدير المنتدب لشؤون العمليات بالبنك الدولي