نظم المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل” منارات ” الحلقة الثالثة من موسمه الفكري( المرأة اليمنية ودورهاةفي صناعة السلام الدائم والشامل ) الذي انطلقت أعماله في ٢٩ من مايو الجاري ،وفي الحلقة الثالثة قدمت الباحثة سوسن الكامل ورقة عمل تحت عنوان( دور ومكانة المراة اليمنية في المجتمع بصفة عامة وفي بناء السلام بصفة خاصة وأبرز المشكلات والعوائق التي تواجهها ( التميز الإجتماعي _ الزواج المبكر _ العنوسة )
حيث استهلت حديثها بالقول ” أن العالم يتطور من حولنا لحظة بعد الأخرى، بينما لا تزال بعض القناعات اليمنية خاصة والعريية عامة راسخة في نفوس أهلها، فهل لا يزال وصف “العنوسة” بهذه المجتمعات يعد وصمة، أم أن تغيُر مفهومه لدى الشباب أثر بشكل أو بآخر في أعراف المجتمع وسط المتغيرات المتلاحقة التي تصيب كل شيء.
مهما يكن الأمر، فإن ثمة إجماعاً لدى الجميع أن الظروف الاقتصادية والبطالة سبب رئيس في هذه الظاهرة، إضافة إلى تغير الأولويات لدى الجنسين وسط ارتفاع معدلات الطلاق عربياً. “منارات ” يناقش الظاهرة في المجتمع اليمني، ويرصد طبيعتها وأسبابها.
مظيفةً ؛ بأن انفتاح الجيل الجديد من الشباب وإعادة ترتيب أولوياتهم لا يجعلهم في منأى عن نظرة المجتمع التي تجلد النساء اللواتي فاق سنهن الـ 30 ولم يتزوجن. فالانتقادات تلاحقهن من كل مكان، ويتعرضن للعنف اللفظي والمعنوي والسبب أنهن عوانس، أو كما يفضل المجتمع تسميتهم .
حيث تمارس بعض العائلات ضغوطاً رهيبة على بناتهن بسبب نظرات محيطهن الحارقة، التي ترى في المرأة غير المتزوجة كأنها ناقصة بحاجة إلى رجل حتى تحظى بالتقدير. ويتسبب هذا الواقع المرير في عزلة فتيات عن أسرهن، فتقررن عدم حضور الحفلات واللقاءات العائلية تجنباً للسؤال المتكرر “ماذا تنتظرين للزواج؟”،
شرّع الإسلام الزواج لمقاصد سامية، منها أنه وسيلة من وسائل العفاف والإحصان والعفَّة؛ لقول النبي ﷺ: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء”.
كما أن الزواج سببٌ لبقاء النوع البشري، ووسيلة إيجابية لتحقيق الأمومة والأبوَّة، وإقامة مجتمع مسلم، ولمواجهة العنوسة دعا الإسلام إلى تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور، فالرسولﷺ يقول: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ فإن لم تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير”.
وحضَّ القرآن الكريم على الزواج؛ لما فيه من مودَّة وسكن ورحمة؛ في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
ويرى البعض تعدُّد الزوجات حلاً لمواجهة العنوسة، وينادي بها، وظهرت أصوات دينية وأكاديمية من وقت لآخر تتبنى تعدد الزوجات.
مؤكدة أنه لا بد من الإشارة أولاً أن انعكاس تأخر الزواج أو العنوسة على الأفراد سيختلف بطبيعة الحال من شخص لآخر، فبعض الفتيات قد يجدن في العنوسة كابوساً حقيقياً يؤرّق حياتهن، فيما تستطيع أخريات التعامل مع العنوسة كخيار شخصي أو كظرفٍ لا بد من التأقلم معه.
فالفتيات اللواتي كنّ يحلمن بالزواج ويعشن في مجتمعات تقدّس الحياة الزوجية وتعتبرها منتهى أهداف الأفراد فيها؛ قد تسبب العنوسة الحزن والاكتئاب والشعور بالغربة والإحساس بالدونية والفراغ النفسي، وتدفع السيدة العانس إلى الابتعاد عن الناس والمناسبات الاجتماعية خشية السخرية والتلميح الجارح إلى أن تنعزل كلياً عن الحياة الاجتماعية، كما تعاني من الحرمان العاطفي أو الجنسي أو كليهما.
وتُحدث العنوسة آثاراً سيئةً على أسرة العانس، حيث يشعر أفرادها بالهم والغم، ومنهم من يشعر بالخزي والخوف من نظرات الناس وتفسيرها بغير معناها، مما يؤثر بصورة سلبية على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وتُسهم العنوسة بانتشار ظواهر اجتماعية قد تكون خطيرة، كانتشار الزواج العرفي، وزواج المسيار والعلاقات خارج الزواج، وحتى لجوء البعض إلى السحر والشعوذة لحل عقدة الزواج وجذب العريس، فضلاً عن الشعور الخانق بالحسد وانعكاسه على العلاقات الاجتماعية وحتى على الأداء المهني ما قد يقود بعض من فاتهم القطار من الرجال والنساء إلى أفعال انتقامية ممن ركبوا القطار!.
مشددةً على أنه وللقضاء على ظاهرة العنوسة يجب أن تتضافر جهود المجتمع بأطيافه كلها إلى جانب الحكومات والجهات المختصة وتالياً بعض الأفكار والحلول لمشكلة العنوسة:
• تيسير الزواج وتسهيل شروطه: قال النبيﷺ “أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة” فعلى الأسر الابتعاد عن المغالاة في المهور وتيسيرها أمام المتقدمين للزواج، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بمجتمعاتنا العربية.
دور الحكومة في مواجهة العنوسة: على الحكومة القيام بحملات لتشجيع الشباب على الزواج، عن طريق وضع قروض سهلة وتوفير فرص العمل لهم للمساعدة في المضي قدماً في مشروع الزواج. وإنشاء صندوق لدعم الشباب المقبل على الزواج، لتخفيف أعبائه وكلفته المادية العالية، وكذلك توفير شقق للسكن بأسعار مخفضة للشباب.
التكافل الاجتماعي للقضاء على العنوسة: مثل صناديق من العائلات الكبيرة لتسهيل خطوة الزواج أمام أفراد العائلة، ومساعد غير القادرين على الزواج.
إعادة النظر بالعادات والتقاليد والتخلي عن العادات المجتمعية الخاطئة التي نقف عائقاً أمام الزواج كالتعصب القبلي ومنع الآباء زواج بناته الموظفات.
• دور المنابر الدينية في التخفيف من ظاهرة العنوسة بتشجيع الأهالي على خفض المهور والتحدث عن مخاطر العنوسة، والاستعانة بالنصوص الدينية للتحفيز على الزواج وذكر محاسنه، وشرح التأثير السلبي لظاهرة العنوسة على أفراد المجتمع.
الإعلام ودوره في مكافحة العنوسة على وسائل الإعلام والصحف تسليط الضوء على مشكلة العنوسة ونشر الحلول العملية، واستضافة الخبراء والمختصين في برامجها للحديث عن هذه الظاهرة والإسهاب بمشاكلها وحلولها، ونشر الوعي لتخطي أفكار المجتمع الخاطئة.
وعقد الندوات والجلسات الخاصة بهذه الظاهرة من واجب المؤسسات الاجتماعية، وكذلك الجامعات للحديث عن هذه الظاهرة.
مظيفة أنه يجب تعديل بعض معايير الزواج لدى الأفراد، حيث لا الجمال المعيار الوحيد للشاب عند البحث عن فتاة للزواج، وكذلك أن لا تكون وسامة الشاب وثروته أهدافاً للفتاة
• وربما على الفتاة أو الشاب قبول الزواج من متزوج/ة أو مُطلق/ة، فهذه الأمور لا تعيب أحد بغض النظر عن النظر عن رأي الناس الخاطئ والوسوم الاجتماعية البالية.
منوهة إلى أن هناك بعض الأسباب قد تعود للفتاة كالبيت النستقل والمهر العالي والعريس الجامعي الثري صاحب الوظيفة المرموقة ،هذه الخطوط التي رسمتها النساء، يعتبرها الرجال شروطاً، ولا يتقبلها كثيرون منهم بداعي أنها تتماشى مع عقلية المجتمعات الغربية التي تدافع وهماً عن حقوق المرأة وفق اعتقادهم، وتقودهن إلى التمرد على عادات مجتمعهن المحافظ وتقاليده، فكانت النتيجة عزوف الرجال وعنوسة النساء، وإن كان العزوف بات يشمل الفتيات أيضاً.
من جهته أكد المشاركون في مداخلاتهم ؛ أن “الزواج في مجتمعنا له موانعه”، منها، “أولهما مادي بحكم انعدام السكن المنفرد الذي بات يشبه شرطاً للجنسين تجنباً للمشكلات العائلية، ولأن البلد عموماً يعاني سياسة إسكان فاشلة، فلم نصل إلى مرحلة حق الشاب في السكن لأن السلطات العامة لا تزال تعطي أولوية لهكذا برامج”.
المشكلة الثانية معنوية، إذ يعود تأخر الشباب في الزواج إلى ارتفاع نسبة الطلاق والخوف من تكرار التجربة الفاشلة نفسها، يضاف إليها تراجع سن الرشد لدى الإناث والذكور على حد سواء. ففي وقت سابق كان سن الـ 18 المناسب لتحمل مسؤولية تكوين أسرة، أما اليوم فبات يصنف في خانة المراهقة فعلياً. تضيف، “أعتقد أن نظرة المجتمع إلى الزواج تتغير تدريجياً، فبعدما كان الأمر بمثابة الإلزام، باتت لكثرةلعدم الطلاق مبررات لكل فرد يتأخر في الزواج”.
مظيفين :-
تبدو أسباب العنوسة والعزوف عدة ومتشعبة، إذ ترتبط بعدم استعداد الطرفين لبناء أسرة، إضافة إلى الاستناد لنماذج فاشلة من سوء الاختيار. فالرجل يرى الشكل الخارجي ويبني عليه تصوراته واعتقاداته، أما الفتاة فتنظر إلى الجانب المادي وفق الشباب، إضافة إلى عدم تحمل الأول المسؤولية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تمنح لهما فرصة “الاستئناس الافتراضي” وهي ظاهرة تتفاقم.
ويطلق مصطلح “عانس” على الجنسين، لكنه في المجتمع اليمني، تقول أستاذة علم النفس الاجتماعي،”استثنى الرجل لأسباب اجتماعية وعادات وتقاليد تنظر بدونية إلى المرأة، مع أن التأخر في الزواج يُحدث اضطرابات نفسية للرجل كما المرأة”.
وفسروا تأخر الزواج اقتصادياً بسبب تكاليفه الباهظة، ما يُسبب للرجل نوبات الخوف من التقدم إلى خطبة فتاة، ويتوقع في مخيلته الفشل بالنظر للتحولات المجتمعية التي تفصح عن أرقام كبيرة للطلاق.
مضيفين، “حاجة الرجل إلى الزواج وتكوين أسرة هي نفسها للمرأة، لكن هناك أسباباً أخرى لعزوف أو عنوسة الرجل أهمها التقدم في السن بشكل يجعله يتخوف من عدم الإنجاب”.
بناء على هذا المعطى، فإن التغيرات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية تعد من أسباب العزوف لدى الرجال التي يعرفها المجتمع اليمني عموماً، كما أن خروج المرأة إلى العمل واستقلاليتها تخيف الرجال أكثر. في حين يتحجج البعض، وفق منحور، “بعدم العثور على المرأة المناسبة، لكن هناك قطاعاً واسعاً يبحث عن امرأة ترضيه وترضي عائلته تجنباً للمشكلات”.
مختتمين القول : بعيداً من المصطلحات، فإن الواقع يشير إلى أن الارتفاع المستمر في نسبة العنوسة التي لم تعد حكراً على النساء، من شأنه أن يهدد بنية المجتمع وتماسكه نتيجة الآثار المترتبة عنه.