أمل أمين*
تفرض الظروف الحالية التي يمر بها العالم تحديات لا مثيل لها ويقع العبء الأكبر منها على القطاع العام، مما زاد من الشكاوى والتذمر بسبب أدائه، وهو ما يفرض البحث عن طريقة فاعلة لتطويره وتحسين أدائه.
ولأن المؤسسات الحكومية والخدمات العامة تدار من خلال الجهاز الحكومي الذي ما زال يعاني في معظمه من ترهل، وبطء شديد في إنجاز الخدمات، وتدني مستوى جودتها، فقد انعكس ذلك سلبيًا على رضا المستفيد، وبالتالي الرضا عن الحكومة. ويعتقد الكثير من المتابعين أن الجهاز الحكومي أصبح ملاذًا للبطالة المقنّعة، وعبئًا اقتصاديًا كبيرًا على الدولة، حيث يستهلك الباب الأول (الرواتب) ما بين 80 إلى 90% من الموازنة في الكثير من المؤسسات والوزارات العربية.
وبالإضافة إلى ذلك، وفي ظاهرة مزعجة، فإن نسبة العاملين في القطاع العام في الدول النامية التي تضم غالبية الدول العربية تتراوح ما بين 70 إلى 80% من إجمالي القوى العاملة. بينما المعادلة الصحيحة يجب أن تكون عكس ذلك، بحيث يشغّل القطاع الخاص النسبة الكبرى كما هو حال الاقتصادات الناجحة. وفي ظل وضع كهذا، أصبح الهدف من الجهاز الحكومي هو استيعاب أكبر قدر من الموظفين، وليس تقديم الخدمة للمواطنين، وكأن هدف الوظيفة هو خدمة الموظف وليس خدمة المواطن. بل لقد وصل الأمر ببعض المؤسسات الحكومية إلى مرحلة الشلل التنظيمي، أي لا تستطيع تقديم خدماتها بالشكل المطلوب، ولا تستطيع استيعاب مزيد من الموظفين.
صحيح أن الحكومة تظل مسؤولة عن معالجة مشكلة البطالة، ولكن ليس من خلال زيادة العبء على الجهاز الحكومي، بل من خلال تفعيل دور القطاع الخاص، الذي هو شريك رئيس في أي مشروع تنمية ناجحة.
لقد حان الوقت لأن تعيد الحكومات العربيّة النظر في وضع الجهاز الحكومي، وأن تُفعّل الشراكة مع القطاع الخاص بما يحقق عددًا من الأهداف بما فيها:
أولًا- الحفاظ على مؤسسات الدولة من دون اللجوء إلى الخصخصة.
ثانيًا- من خلال الشراكة، تستطيع الحكومات تقديم خدمات ومنتجات بجودة أفضل، وبالتالي تحقيق درجة أعلى من رضا المواطن والمستفيد عن هذه الخدمات، وبالتالي درجة رضا أعلى عن الحكومة.
ثالثًا- من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، تستطيع الحكومات تحقيق عوائد وإيرادات بدلًا من الصرف على هذه المؤسسات.
رابعًا- ستبقى الحكومات قادرة – بحكم الشراكة – على التحكم في سياسات وممارسات هذه المؤسسات، بما يخدم المواطن، وبما يعزز التنمية الاقتصادية.
وفي الختام، نأمل من الحكومات العربية أن تنظر وبشكل جاد في الشراكة مع القطاع الخاص كخيار وتوجّه استراتيجي بعد دراسة معمّقة للخدمات المستهدفة والآليات والتشريعات المناسبة لمثل هذه الشراكة، وذلك من أجل تنمية اقتصادية فاعلة، لكن من الضروري أن تمارس الدولة دورها الرقابي على أداء القطاع الخاص حتى لا يتحول إلى وحش يستغل المواطن مقابل انفراده بالسلطات المتاحة له.
*كاتبة من مصر.