عبدالقوي العديني
أمام تطور الأحداث والصراع بين طرفين غير متكافئين بالعدة والعتاد، وعدالة القضية، يطل بعض المحللين والكتاب للحديث حول خيارات مفتوحة للتعايش مع إسرائيل.. ومجملها تنطلق من مشاريع التطبيع وصفقات الحكام الجدد، التي تعمل على سرعة تكييف المجتمعات العربية مع “إسرائيل” كدولة وشعب.
وقطعا فإننا بهذا الطرح والروح الانهزامية، بلغنا حدا مخيفا من التفريط بالقضية الفلسطينية، وأصبحت أصوات المتذبذبين تعلو وتهبط؛ تأييدا لحقوق الشعب الفلسطيني وإدانة في الوقت نفسه .. يتحدثون عن الحق الفلسطيني وعدالة قضيته، لكنهم في الوقت ذاته يحملون المقاومة الفلسطينية مسؤولية المذابح اليومية التي تشنها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة.
ومع تقديرنا لأولئك الذين يحمّلون الفلسطينيين مسؤولية التصعيد؛ الا اننا نستغرب جهلهم بسياسات المحتل ووحشيته وثقافته المجانبة للسلام والتعايش، وغطرسته المتعطشة للفساد في الأرض.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف لمثل هذه القناعات والآراء ان تتكون ضد نضال إخواننا الفلسطينيين من قبل ثلة من التائهين والمتذبذبين، ومن الحداثيين الذين يحمّلون فصائل المقاومة مسؤولية ما تتعرض له غزة اليوم من إبادة، ويرون أيضًا أن التطبيع والتعايش السلمي بين العرب وإسرائيل، هو الحل، بدلًا من مساندة الشعب الفلسطيني العظيم، ولو بالكلمة؟!.
ربما يبدو لبعض التائهين، في لحظة عاطفية ما، وأمام المشاهد المؤلمة لأطفال غزة، والحرب البشعة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، أن خيارات العيش المشترك، والمهادنة والتسليم بجبروت العدوان، أمرً منطقيً وعقلانيً وآمن للتعامل مع إسرائيل والتعايش معها على هذا الأساس، لكنهم يجهلون منطق الواجب وحتمية المقاومة؛ عندما يتعلق الأمر بوطن محتل..
عند ذلك فحسب، فإن القرار لأصحاب الحق الفلسطينيين، الذين يضحون وتتعاقب أجيالهم على المقاومة والذود عن أرضهم وسيادتهم.
الفلسطينيون وحدهم من شاهدوا الموت وعايشوه، وهو يفتك بهم وبأطفالهم في ظل الإنتداب البريطاني 1920، مرورا بـ 1947، 1948، و67، وحتى اللحظة، هم صامدون في مواطن العزة والكرامة – لذلك يتوجب على الجميع مساندة الفلسطينيين بكل ما هو متاح وممكن؛ بحيث تبقى فلسطين حية نابضة في قلوب شعوبنا من المحيط إلى الخليج، وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
لقد كتب على هذه الأرض أن تقاوم الأمم المستعمرة، وجبابرة الملوك وطغاة العالم، الذين مروا من هناك في أزمنة غابرة، فاندثر فيها الفرس واليونان والرومان الغربيون والبيزنطيون والحملات الصليبية، وسيبقى الشعب الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، حتى ينتزع حقوقه ويسترد أرضه المغتصبة.
أيها التائهون: عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن الحديث يكون حول قضية مصيرية، ويتعلق بحق مشروع للفلسطينيين.. ومهما بلغت التضحيات .. عليكم أن تفصلوا بين فلسطين الهوية والمصير، وبين القضايا المستهلكة بالصراعات والمشاريع الصغيرة.
إنها قضية وطن مسلوب ومغتصب .. ومحنة شعب أستغلتها الأنظمة، وتاجر بها رجال الدين الذين ابتلعوا ألسنتهم، ولم نسمع لهم صوتاً إلا عندما تحركهم أجهزة المخابرات .. إذ اننا عندما يتعلق الأمر بفلسطين المحتلة، نجد منطقهم يتحد مع المتذبذبين بين المهادنة والحياد.
ايها التائهون الجدد: قد يكون السلام دعوة لحقن الدماء، وقد تكون الدعوة لعدم التصعيد منطقًا إنسانيًا وعقلانيًا نتفهمه ولا نرفضه، لكن أيديولوجية الكيان المحتل لا تؤمن إلا بلغة القتل واجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه .. وهذا ما عرف عنها منذ مطلع القرن الماضي، وبالتالي فإن السلام مع إسرائيل ينتزع ولا يوهب.
وانطلاقا من هذه الحقائق ندعو المثقفين وكل الأحرار وقادة الرأي المؤثرين لليقضة والاستنفار، نصرة للشعب الفلسطيني، ومناهضةً للاحتلال وجرائمة وكل ممارساته الوحشية، في كل الأعمال الإبداعية والإعلامية، والعمل بكل الوسائل المتاحة لنصرة الشعب الفلسطيني حتى أستعادة أرضه وحقه في الحياة.
ستصمد فلسطين في وجه الجبروت والظلم حتى إنهاء الاحتلال .. وسيبقى حمام القدس يحلق على القباب، يرمي المحتل “بقنابل الدمع”.
عاشت فلسطين وعاش شعبها المقاوم، ولا نامت أعين المطبعين والتائهين الجدد.