جمهورية الجحملية !

شوقي اليوسفي

الجحملية حارة ابتلاها الله بعد سبعة أعوام من الحرب والشتات بعدوان فني سافر ، عدوان على هيئة عمل درامي لا قتل فيه ولا ذبح لكنه يشبه محاولة سحل تاريخ من الحكايات اللذيذة ، سوف نخوض هنا في تلوث درامي من العيار الثقيل ونتحدث عن حجم العفن وكمية السخافات في مسلسل ليالي الجحملية لكني وددت اولا لو اعرف ..

ما الذي منع طاقم المسلسل من تصوير الأحداث في الحارة ذاتها ؟ ولماذا قفزوا إلى العاصمة الأردنية عمان مع أن تعز أقرب وكان بإمكانهم أن يصوروا مسلسلهم في أزقة وشوارع الحارة ولن يعترضهم احد ؟

الجحملية حارتي ولن أدافع عنها بالشكل الذي يريده البعض فسكان الجحملية ليسوا أنبياء لكنهم بالمقابل ليسوا – جميعا – شياطين ، وإذا كانت حارات اليمن من صعدة إلى حضرموت لا تخلو من وجود – مقرمطين وسكارى وأصحاب سوابق فإن الجحملية لم تخل من هكذا أشخاص لكنها اختلفت عن سائر الحارات أن – صعلوك الجحملية – معجون بالقبح والجمال معا ، قد تجده مدمن حشيش لكنه يعرف المساحة التي يتحرك في محيطها ، يحترم الكبير ويجد دائما من يردعه ويعيده إلى صوابه .. أقول هذا بمثابة الشهادة لتفاصيل عشتها على مدى أكثر من أربعين عاما ، لم يرفع أحدهم يده في وجهي ولم اضطر إلى تقديم شكوى بمقرمط أو بلطجي ، عشت بينهم ومازلت آمنا مطمئنا رغم عدوانيتهم مع من يحيك ضدهم المؤامرات ، كنت أدرك على سبيل المثال أن الأخ – ج أ م – الذي تلطخت يداه بمعارك عاشها مع حارات مجاورة لا يقوى على ان يرفع صوته في وجه مسن أو يتحرش بفتاة او يتسلل لسرقة جاره ، كنا نعيش بينهم مذ خرجنا من بطون أمهاتنا أصدقاء وأحباء ، نخالطهم ونذهب إليهم متى ما احتجنا إليهم ويأتون إلينا متى ما احتاجوا إلينا ، لم اخش على حياتي قط وانأ الذي كنت أعود إلى بيتنا وسط الجحملية بعد منتصف كل ليل بسبب مناوبتي في صحيفة الجمهورية أو لسهري في صحيفة نبأ ، كنت أعود ومعظم الأيام أجد شبانا يتجولون في الحارة لكن – واقسم على ذلك إيمانا مغلظة – لم اشعر قط بالخوف منهم لثقتي بأنهم ليسوا أشرارا ولا أولاد سوق ، يعرفون حدودهم مع الجار ويخشون أن يقال عنهم أو ينظر إليهم على أنهم طراطير أو أنهم بلا شهامة .

الخالي من الشهامة فعلا هو من يتعمد الآن إهانة تاريخ الجحملية بمسلسل خال من أي دراما وليس فيه ما يستوجب متابعته .

مسلسل ليالي الجحملية التي تعرضه قناة يمن شباب وليس فيه من يؤدي دور البطولة على الرغم من وجود طاقم من الممثلين – الذين نعدهم كبارا – تعمد تشويه حارة الجحملية ليس على وجه التحديد في الدور المنوط بالزميل عبدالكريم مهدي الذي يؤدي دور لص ومعه صهره سعد الخفيف وإنما في كونه اغفل هيبة هذه الحارة بمن عاش فيها من قامات أكاديمية وتربوية وأدبية وثقافية وعسكرية وطبية وإنسانية ، كاتب المسلسل أعطى نفسه الحق في أن ينقل للناس صورة مشوهة عن حارة توارث الناس فيها منظومة قيم ومبادئ فكانت على مدى التاريخ مصنعا للرجال رغم ما كان يعتمل فيها من أحداث فوضوية .

يؤدي – فنان الكعب – فهد القرني في مسلسل ليالي الجحملية دور الفقيه الذي ما أن يصحو إلى أن يهجع إلى مضجعه يتحرش بمن يلتقيهن من نساء الحارة نهارا جهارا وأحيانا يتحرش بهن في منامه ، لا يفقه فهد أن دوره بالمسلسل ومشاركته في تأليفه يسيئ إليه ويضعه في مقدمة من نتهمهم بانتهاك حقوق سكان حارة يعرفون قدر أنفسهم ويرفضون بشكل قاطع أن تقحم حارتهم في صراع سياسي عفن وأما وسيم القرشي كاتب القصة ربما لم يحالفه الحظ في أن يعيش في الجحملية وإلا كان استبدل دور عبدالكريم المهدي كلص إلى دوره كأديب وشاعر أو كطبيب إنسان ، إنا لا أقول إن الجحملية خلت من أصحاب السوابق لكن المسلسل ركز على استحضار قبح من كتب القصة فحاول أن يبعث رسائل مستوحاة من خياله العفن ، كان الأولى بوسيم القرشي وفهد القرني أن يمزجا بين صور عدة فكما عبثا بدور الفقيه فاقد الأخلاق كان يمكنهما أن يأتيا بشخصية مرادفة له تعكس حقيقة وجود آباء في الحارة كانوا على قدر كبير من الأدب والاتزان والشهامة .. لو أن فهد ووسيم والجبوري كانوا جيرانا للأستاذ المربي المرحوم اسماعيل الكبسي مدير مدرسة الكويت أو لعبوا مع أولاد المرحوم محمد القصوص أو تقاسموا الرغيف مع أولاد الدكتور عبدالله الذيفاني أو حتى تهاوشوا مع أولاد الحميضة أو لعبوا كرة القدم مع أولاد الصنعاني والعذري أو استمعوا لنصائح الوالد يحيى المرتضى أو اصطفوا في مسجد العرضي مع أولاد الوالد عباس السراجي أو صادقوا أولاد المرحوم يحيى ذيبان أو غطسوا في بركة حسنات مع أولاد السنفي ودوس ومجلي ، لو كانوا عاشوا هكذا تفاصيل مع بيوت لها مكانتها – الحدي والشرعبي والحميري والروضي والرضمي والملاحي واليمني واليوسفي والحمامي والنزاري والطوقي والكوكباني والبعداني وإسحاق والجنيد ونهشل والهمداني والوتيري والوزير والعراشي وطواف وعجلان والقوسي والدميني والنودة وسنهوب والخالد وتقي وطميم وقحيط والأهنومي والسقاف والبيضاني والحسني والعبداني والشهاري والرازي والمليكي والحاشدي والظرافي والعروسي والقريطي والسلامي والدرة والهنومي والمهتدي والمنتصر والموشكي والنعمي والقباطي وخليل يوسف وغثيم والشرعي والسمة والحارثي والعاقل والبهلولي والدعكري والشامي والقدسي والشخصي والابي والاهدل ووابل والغالبي ومحرم وجمال والحذيفي والعزي والارياني والسري والقحطاني والحميقاني والنونو والكتف والطيري والصلوي والمروني والغضراني والصنومي والبركي والمقدشي والشراعي وكامل والعسولي والزوم والمسعودي والرجوي والشيباني والصلاحي والخباشي والروحاني والوشلي والعامري والمصنف والجرموزي والظفري والغيثي والمخلافي والذاري وتقي والعريقي والريمي والحيمي والمجاهد والثور والعنسي وزباره وشرف الدين والنخيف والأشول والانسي والقاضي والمحيأ والشلالي وحمرة والعديني وجحاف والغرباني والصبري والعبسي والخولاني والزواحي وحبيش والمراني – وبيوت اخرى لا تحصى من كل مناطق اليمن لو عاشوا معهم في حارة واحدة لكانوا عرفوا معنى التعايش والتناغم والتجانس والتراحم والتلاحم وأدركوا أن الجحملية لم تكن مجرد حارة بل هي جمهورية من الثقافات عاصمتها النخوة وعزة النفس .

لو كنت واحدًا من طاقم فريق مسلسل حارة الجحملية ولمست مدى خبث ثلاثي العفن وسيم وفهد والجبوري لكنت اعتذرت عن المشاركة في جريمة لن تغفر لنخبة من الممثلين قبلوا أن يشوهوا أنفسهم بإدوار تهريجية وبمسلسل لا هدف له سوى النيل من تعز عبر حارة كانت ومازالت خلاصة اليمن في الوطنية والتاريخ والحضارة وكل الحسابات والمعادلات السهلة والمعقدة في آن واحد .

فهد القرني أطلق على نفسه – فنان الشعب – لا ندري من يقصد بالشعب الذي يرى فيه فنانًا يجدر بهم احترامه ، إنا واحد من هذا الشعب لكني لا احترم فنه لأنه لم يكن فنًا خالصًا وإنما عفن سياسي مقيت ، ثم قرأنا في مقدمة المسلسل أسماء بقية طاقم التمثيل فلان الفنان القدير وفلانة الفنانة القديرة وفلان نجم الغناء وفلان نجم اليوتيوب وفلان نجم الكوميديا ، ما شاء الله نجوم بوزن سالي حمادة ونجيبة عبدالله وصلاح الأخفش وعبدالكريم مهدي من المعيب جدا أن يكون المال وحده من دفع بكم لقبول ادوار سمجة ، ادوار تتنافى مع كونكم أسماء كبيرة ما كان لها أن تربط تاريخها المهني الناجح بمسلسل لا يقل دموية عن ما تعرضت لها حارة الجحملية من قتل وتشريد وعنف خلال سبعة أعوام من الحرب المدمرة .

اخبار ذات صلة