ممكن أن تُعرّف «المصلحة» بأنها الالتزام أو الواجب أو الهدف الذي يرتبط مع دور ما أو مع ممارسة اجتماعية معينة، يحدث تضارب المصالح (بحكم التعريف) في حال كان أحد الأفراد، ضمن سياق معين لاتخاذ قرار ما، عرضة لمصلحتين اثنتين متعارضتين مع بعضهما، يعود السبب في امتلاك هذه المسألة أهميةً كبيرة في العديد من المسائل إلى إمكانية تعطل عملية صنع القرار في هذه الظروف، أو لإمكانية تعرضها لخطر اتخاذ القرارات بطريقة تؤثر على سلامة النتائج وموثوقيتها.
عادةً ما ينشأ تعارض المصالح عندما يجد الفرد نفسه شاغلًا لدورين اجتماعيين في وقت واحد، وهو ما يخلق عنده مصالح أو ولاءات متعارضة.من الممكن أن تكون المصالح المعنية مالية أو غير مالية. يُعتبر وجود مثل هذه النزاعات حقيقة موضوعية، لا حالة ذهنية، ولا يشير بحد ذاته إلى أي هفوة أو خطأ أخلاقي. من المهم تحديد المصالح المتنافسة بوضوح وتحديد عملية فصلها بدقة، خصوصًا في حالة اتخاذ القرارات ذات الطابع الإنمائي. يشمل ذلك عادة اضطرار الفرد صاحب المصالح المتعارضة إلى اتخاذ أحد القرارين التاليين، إما التخلي عن أحد المصالح المتعارضة، أو إعلان عدم صلاحيته للخوض في عملية صنع القرار المطروح.
يُعتبر وجود التعارض في المصالح أمرًا مستقلًا عن حدوث اللاتلاؤمية؛ لذلك، من الممكن اكتشاف تعارض المصالح وتعطيله بشكل طوعي قبل وقوع أي حالة من حالات الفساد، يتحقق تضارب المصالح في حال وجود قناعة منطقية (على أساس الخبرة السابقة والأدلة الموضوعية) بخلق الظروف لخطر تأثير القرار المتخذ – بشكل غير محبذ- على مصالح أخرى ثانوية، لا على احتمالية تأثر الفرد بالفعل بالمصلحة الثانوية.
من الممكن القول إن التعريف الأكثر شيوعًا لتعارض المصالح هو «مجموعة من الظروف التي تخلق مخاطرة تأثّر الحكم أو الإجراءات المهنية، المتعلقة بالمصلحة الأساسية، بالمصلحة الثانوية دون مبرر». تشير المصلحة الأساسية إلى الأهداف الرئيسية التي تقوم عليها المهنة أو النشاط، كحماية العملاء، وصحة المرضى، وسلامة البحوث، وواجبات موظفي القطاع العام، بينما تشمل المصالح الثانوية المنافع الشخصية التي لا تقتصر على المصالح المالية فحسب، بل تشمل أيضًا الرغبة في التقدم المهني، أو الرغبة في تقديم الخدمات للعائلة والأصدقاء. لا يتم التعامل مع هذه المصالح الثانوية على أنها خاطئة بحد ذاتها، لكنها تصبح مرفوضة عندما يجري تقديمها على المصالح الأساسية.تركز قواعد تضارب المصالح في الأوساط العامة بشكل أساسي على العلاقات المالية لأنها الأكثر موضوعية والأكثر قابلية للاستقبال وللقياس، وتشمل عادة المجالات السياسية والقانونية والطبية.
كما يعد تضارب المصالح في مجال الأعمال التجارية والحكومية في اليمن من الممارسات الشائعة جدًا ، ويجب أن يكون الملاك أو المديرون على استعداد للتعامل معها من خلال وضع الخطط واللجان المتعلقة بتحديد معدلات تضارب المصالح في كافة القرارات التي يتم اتخاذها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي للشركة أو المؤسسة.
فئات تضارب المصالح:
هناك العديد من الفئات الموجودة تحت التعريف الأوسع لتضارب المصالح في الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية منها:
تضارب المصالح الاجتماعية: هذا أمر شائع عندما يتلقى أفراد الأسرة معاملة خاصة تستند فقط إلى علاقتهم بالآخرين في العمل، قد يكون أحد الأمثلة الأبرز لهذا النوع هو ابن أو قريب المالك الذي يتلقى معاملة خاصة عندما يتعلق الأمر بالتوظيف على مرشح أكثر تأهيلًا ، أو التقدم في الشركة على موظف أكثر استحقاقًا أو زيادة في الراتب لا تستند بأي شكل من الأشكال إلى الأداء.
تضارب المصالح السياسية: وفي هذه الحالة تنشأ ولاءات سياسية على حساب خطط وأهداف الشركات أو المؤسسات، التي يتم فيها تغليب المصالح السياسية على تلك الأهداف .
تضارب المصالح المالية: ينشأ تضارب مالي عندما يستفيد الموظف (أو حتى المدير) من مدفوعات الأموال ، أو يتلقى الهدايا بقصد ضمني للتأثير على قرار أو تصرف الموظف أو حتى تقديم خدمة بخصم مناسب بناءً على تأثير قرار الموظف في الشركة.
تضارب المصالح السري: عادة ما تكون الأسرار التجارية سلعة قيّمة تمنح الشركات ميزة على المنافسة. من خلال مشاركة هذه المعلومات السرية مع شركة أخرى ، يمكن للموظف أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه لمؤسسة ويوجه ضربة شديدة في صميم وجود الشركة.
أهم أسباب انتشار ثقافة تعارض المصالح
- تأثير القيم الاجتماعية السائدة وإعادة إنتاجها دون الاستجابة للمتغيرات الحديثة
- انتشار الفقر والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة والتي تؤدي إلى شح المصادر اللازمة لخلق فرص العمل الأمر الذي يزيد من التنافس على خدمات محدودة تودي إلى لجوء البعض إلى الوساطة للفوز بهذه الخدمة.
- عجز المؤسسات الحكومية والخاصة عن تقديم الخدمات المنوطة بها بسبب البيروقراطية والترهل الوظيفي وقلة الكفاءات الأمر الذي يدفع إلى زيادة فجوة تضارب المصالح.
- انتشار البطالة وبخاصة بين الشباب وهذه الزيادة في البطالة لا تنسجم مع فرص العمل المتاحة الأمر الذي يولد بيئة ضاغطة لانتشار فجوة التضارب في المصالح.
- التطويل في الإجراءات الإدارية للحصول على الخدمات يدفع أيضا إلى زيادة فوهة التضارب في المصالح
- غياب الثقة في نزاهة القضاء إضافة إلى تعقيدات وتكلفة التقاضي تولد رغبة جامحة في الدخول في دهاليز تضارب المصالح
بعض أشكال وصور تعارض المصالح
- وقوع الموظف أو المدير في الوضع أو الموقف الذي تتأثـر فيـه موضوعيـة واسـتقلالية قـراره بمصلحـة شـخصية ماديـة أو معنويـة تهمـه شخصياً أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة أو أصدقائه المقربين.
- تأثر أداء الموظف أو المدير للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة أو بمعرفته بالمعلومات التي تتعلق بالقرار.
- أن يكون الموظف أو المدير عضواً في لجنة اختيار شاغلي الوظائف القيادية حين يكون من بين المتقدمين لشغل أحد هذه الوظائف أحد أقاربه أو أصدقائه المقربين.
- أن يحرص الموظف أو المدير على أن يكون له أو لأحد أقاربه أو أصدقائه المقربين مصالح مالية أو غير مالية مباشرة أو غير مباشرة، في الموضوع محل اتخاذ القرار سواء كان منفرداً أو بالاشتراك مع آخرين.
- قبول الموظف أو المدير بالمشاركة في أي عمل تجارى أو مهني يكون فيه تعارض في المصالح بينه وبين الجهة التي يعمل فيها.
- استغلال الموظف أو المدير وظيفته لتأمين مزايا أو امتيازات غير مبررة لنفسه أو لغيره.
- قيام الموظف أو المدير بإجراء التفاوض أو الشراء أو التعاقد ليتوافق ومصلحته الشخصية على حساب المصلحة العامة.
- قيام الموظف أو المدير بالوساطة أو المحاباة لخدمة أشخاص من الأقارب أو المعارف أو من غيرهم لتحقيق مصلحة أو تسهيل مهمة ليست من حق المستفيد أو الهروب من مسئولية أو تجاوز للأنظمة واللوائح المرعية.
- تعيين أحد الأقارب أو الغير ممن لديه مصلحة مع مسئول في الجهات التي له سلطة اتخاذ القرار بها أو الجهات المرتبطة بجهة عمله.
- امتناع الموظف أو المدير عن القيام بواجبات وظيفته أو تأدية خدمة أو مصلحة عامة مجاملة لنفسه أو لغيره.
- قيام الموظف أو المدير بقبول الهدايا أو الخدمات التي تعرض عليه بشكل مباشر أو غير مباشر أو أي ميزة يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على نزاهته في تنفيذ مهماته الوظيفية أو من شأنها التأثير على قراراته سواء للالتزام بأداء عمل أو للامتناع عنه.
- قبول الموظف أو المدير لأي تسهيلات خاصة أو خصومات على المشتريات الخاصة من الموردين الذين لديهم معاملات رسمية مع الجهة التي يعمل فيها.
- عدم قيام الموظف أو المدير بالإفصاح خطياً عن أي حالة تعارض مصالح قائمة أو محتملة، قبل اتخاذه القرار أو إبدائه الرأي في الواقعة محل التعارض.
- عدم التزام الموظف أو المدير بقيم العدالة والنزاهة والمسؤولية والأمانة وعدم المحاباة أو الواسطة أو تقديم مصلحة النفس أو الآخرين على مصالح الجهة التي يعمل بها.
الحلول الأكثر شيوعًا للحد من انتشار ظاهرة تضارب المصالح متمثل في الآتي :
- إنشاء قانون أو تشريع لتجريم سلوكيات تضارب المصالح داخل الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية
- إزالة مسببات الوقوع في هذا الشرك باتباع سياسات الفصل في المهام بشكل أكثر فاعلية بين الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية.
- كما يجب على أصحاب العمل أو المديرين إنشاء كتيبات الموظف التي تحدد بوضوح مدونة قواعد السلوك وتنص على عقوبات للعمل لكل حالة من حالات تضارب المصالح بحسب طبية الشركة أو المؤسسة .
- التركيز على إقامة الندوات وورش العمل التوعوية حول تحديد الأماكن التي تتعلق بتضارب المصالح في بيئة العمل وأثارها الكارثية سواء على مستوى الفرد أو الشركة والتي قد تودي إلى تآكل الثقة التي قد تتمتع بها الشركة في قدرة الموظف على أداء واجباته ومسئولياته في الشركة. كما يمكن أن يلقي بظلال الشك على علاقات الموظف مع العملاء أو الأطراف الخارجية الأخرى.
- كل نشاط تجاري أو حكومي، بغض النظر عن الصناعة التي ينتمي إليها ، والسلع التي ينتجونها أو الخدمات التي يقدمونها عرضة لتضارب المصالح الذي يخلق مشاكل. لسوء الحظ ، إنه جانب من الطبيعة البشرية يمكن أن يحدث حتى مع الموظف الأكثر ثقة وموثوقية. وأفضل ما يمكن للأعمال التجارية القيام به هو إنشاء لوائح وإفصاحات مشددة للحد من ثقافة تضارب المصالح.
بقلم الأستاذ/ ماجد محمد القوسي
الأمين العام لجمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين
رئيس لجنة الطعون الضريبية
عضو لجنة شركات تقنية المعلومات في الغرفة التجارية الصناعية