محمد مازن يكتب من بكين: ممرات تجارية صينية -عربية خضراء

مع ظهور المزيد من الدلائل المشجعة على سير الاقتصاد الصيني على طريق الانتعاش، بعد السيطرة على تفشي فيروس كورونا في البلاد، تتجه الأنظار إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر محرك للنمو للعب دور أكبر في المساعدة على إنعاش الاقتصاد العالمي، الذي من المتوقع أن يشهد أسوأ أزمة منذ الكساد الكبير بسبب الجائحة.
أحدث العلامات على الانتعاش المطرد في الاقتصاد الصيني تتمثل في الارتفاع في استهلاك الطاقة، وهو مقياس دقيق للأنشطة الاقتصادية.
ووفقا لبيانات اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، شهدت جميع المقاطعات الصينية نموا في استهلاك الطاقة مع استئناف صناعات المعادن والأدوية والإلكترونيات والكيماويات والصلب والقطاعات الصناعية الأخرى بنفس مستوى العام الماضي.
وقالت اللجنة الوطنية إن اللوجستيات، بما في ذلك الشحن بالسكك الحديدية، عادت إلى مستوياتها الطبيعية كما تقدمت المشاريع الاستثمارية الكبرى إلى الأمام.
وتضيف هذه الإشارات الأخيرة صورة أكثر وضوحا للاقتصاد الصيني، والذي إذا استمر في تسريع وتيرة استئناف العمل وتم تجنب مخاطر الموجة الثانية من الوباء، فقد يعود إلى التوسع في الربع الثاني ويصل إلى معدل نمو سنوي بين 1 و5 في المائة، وفقا لتقديرات مختلفة. وكان صندوق النقد الدولي قد توقع نموا بنسبة 1.2 بالمئة للصين خلال عام 2020.
وبالنظر إلى دور الصين الفريد في سلسلة التوريد العالمية، فإن الانتعاش الاقتصادي الصيني يأتي بالتأكيد كخبر جيد، على الأقل من حيث الثقة، فاستئناف العمل في المصانع والأسواق الاستهلاكية الصينية يعني زيادة الطلب على المواد الخام والسلع الزراعية والمنتجات المصنعة من جميع أنحاء العالم وهو مفتاح الانتعاش الاقتصادي العالمي. وتعد الصين أكبر تاجر للسلع حيث تمثل الصادرات حوالي 13 في المائة من الإجمالي العالمي في عام 2018.
وبينما لاتزال الدول العربية تكافح ضد فيروس كورونا وسط إغلاقات جزئية وكلية فرضتها دول مختلفة، من المتوقع أن تؤثر على الأنشطة الاقتصادية والنمو المحلي، فإن البحث عن سبل لمواصلة التبادلات المختلفة في غير ما يتعلق بالوباء، بما في ذلك التعاون التجاري بين الصين والدول العربية، يمثل أمرا ملحا لتخفيف ضغط فيروس كورونا الاقتصادي والمشكلات الناجمة عنه على حياة المواطنين، وكذلك الحفاظ أيضا على النمو في التجارة بين الجانبين في العام الحالي.
وأثر كوفيد-19 على التجارة بين الصين والدول العربية إلى حد كبير ومن المتوقع أن يضغط ذلك على محركات النمو . وقد حذرت لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا/ إسكوا من أن تداعيات كورونا قد تلقي بأكثر من 8 ملايين شخصا إضافيا من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع بسبب تقليص تجارة الأغذية وقلة المخزون منها.
وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون في المنطقة العربية يعانون من الفقر حاليا.
ووسط التحديات التي يفرضها الوباء، تبرز أهمية العمل التضامني بين الجانبين العربي والصيني ووضع خطة عمل مشتركة للعمل على مكافحة فيروس كورونا، وقد أكدت جامعة الدول العربية على ذلك، ويمكن تفعيل مبادرة بكين للتعاون العربي- الصيني في المجال الصحي 2019، حيث يمكن أن تلعب دورا مهما في هذا الإطار.
لكن تحتاج معالجة آثار الفيروس اقتصاديا وتجاريا على العلاقات بين الجانبين إلى أفكار أكثر إبداعا، وخاصة في ظل ندرة حركة الطيران والأفراد بين الجانبين. وقيدت اللوائح الصينية الجديدة حركة الأجانب القادمين إلى الصين، إذ يتطلب القيام بالأنشطة الاقتصادية أو التجارية أو العلمية أو التكنولوجية اللازمة أو لاحتياجات الإنسانية الطارئة التقدم بطلب للحصول على تأشيرات في السفارات أو القنصليات الصينية.
وفي الجانب الآخر بمعظم الدول العربية، لا تزال هناك قيود مفروضة على سفر الصينيين منذ اندلاع التفشي لأول مرة في مدينة ووهان وسط الصين.
ويمكن ان يمثل عمل الجانبين العربي والصيني على تفاصيل سياسة دخول سريع أو ممرات خضراء تطورا إيجابيا لمواصلة المشاريع التنموية الحيوية التي تقام في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي في الصين والدول العربية. ويمكن أن يضخ أيضا قوة دفع في الاقتصاد العالمي المتباطئ تحت تأثير الجائحة.
وقد بدأت الحكومتان الصينية والكورية الجنوبية العمل على خطة مثل هذه. والخبر السار أن الصين تجري مفاوضات مع دول أخرى بشأن إنشاء ممر سريع للموظفين الذين هم في أمس الحاجة إليهم والذين يشاركون في قطاعات رئيسية مثل الأعمال والتكنولوجيا، بهدف تثبيت الاستقرار الاقتصادي والتجاري بين الصين وهذه الدول في ظل فرض السيطرة الفعالة على الجائحة.
ومن هنا يأتي إظهار الجانبين الصيني والعربي الدعم للتبادلات الاقتصادية من خلال الاتفاق على خطط مثل هذه كأولوية ملحة لتسهيل دخول التجار ورواد الأعمال للقيام بأنشطة تجارية.
وتتمتع الصين والدول العربية بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة. ويعد الجانبان دائما هدفا استثماريا مهما لبعضهما البعض، لذلك من الضروري مناقشة الإجراءات المضادة بشكل مشترك وتخفيف الخسائر وإعادة تشغيل الاقتصادات بطريقة سريعة.
ومن واقع أرقام العام الفائت، قامت الصين باستثمار 1.42 مليار دولار أمريكي في مختلف الصناعات بالدول العربية، بزيادة 18.8 بالمائة على أساس سنوي. ووقعت شركات صينية عقودا لمقاولة المشاريع بقيمة 32.5 مليار دولار أمريكي، بانخفاض 8.7 بالمائة، وأنجزت أعمالا قيمتها 30.5 مليار دولار أمريكي، بزيادة 9.8 بالمائة على أساس سنوي.
وتظهر البيانات الرسمية الصينية أن قيمة التجارة بين الصين والدول العربية وصلت إلى 266.4 مليار دولار أمريكي في عام 2019، بزيادة 9 بالمائة على أساس سنوي. وبلغت قيمة واردات الصين من الدول العربية 146 مليار دولار أمريكي، بزيادة 4.8 بالمائة، فيما وصلت صادرات الصين إلى الدول العربية 120.4 مليار دولار أمريكي، بزيادة 14.7 بالمائة على أساس سنوي.
وبقدر التحدي الذي يفرضه الفيروس، هناك فرص يمكن أن تستغل بشكل مشترك بين الجانبين العربي والصيني. وتفرض أزمة صحية عالمية كهذه ضرورة التحرك بسرعة للحفاظ على تشغيل المحركات التجارية والاستثمارية في العلاقات بين الجانبين، من أجل تأمين مصلحة الشعوب وتجنب هزات اقتصادية كبرى تكون تداعياتها عميقة على معيشة الناس.
وفي هذه الظروف، يمكن أخذ العلاقات الى آفاق أرحب من خلال تعزيز التعاون في المجالات الجديدة المدفوعة بالفيروس، مثل التجارة الالكترونية عبر الهاتف المحمول وتجارة التجزئة ذاتية التشغيل التي لا تحتاج إلى عمال، والتفاعلات الاجتماعية الافتراضية، والترفيه عبر الانترنت، والعلاج الطبي عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد، والروبوتات الصناعية والمدن الذكية، فتسريع التحرك صوب هذه المجالات يساعد كثيرا في تنظيم حركة الناس وخصوصا في أوقات صعبة مثل انتشار الأوبئة، وإيجاد محركات جديدة للنمو الاقتصادي.

النبأ الوطني

اخبار ذات صلة