فؤاد الفتاح
عندما تشتد الأزمات وتضيق السبل، يظهر معدن الأمم الحقيقية، فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تُظهر كيف يمكن للإرادة القوية والتخطيط الاستراتيجي أن يعيدا بناء الأوطان، حتى في أحلك الظروف، ومن أبرز تلك الأمثلة تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث واجه الألمان تحديات جسيمة على كافة الأصعدة، لكنهم تمكنوا من تحويل محنتهم إلى فرصة للنمو والتطور.
في نهاية الحرب العالمية الثانية، كان القادة الألمان مدركين تمامًا أن مستقبل بلادهم يعتمد على إعادة بناء الاقتصاد والنظام الصناعي، تم إنشاء صالة اجتماعات خاصة حيث تم التخطيط ليلًا ونهارًا لنهضة البلاد، مع التركيز على اعتماد الذات وتوطين الصناعة، تمثل هذه الفترة نقطة تحول حقيقية، حيث تحولت ألمانيا من دولة مدمرة إلى واحدة من أقوى الاقتصاديات في العالم.
في المقابل، تعيش الجمهورية اليمنية اليوم ظروفًا مشابهة، حيث تعاني البلاد من حرب مستمرة لأكثر من عشر سنوات.
هذه الحرب، إلى جانب الحصار المستمر، قد أثبتت أن الأزمات لا تقتصر فقط على التحديات العسكرية، بل تشمل أيضًا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، فإن الدروس المستفادة من التجارب العالمية تدعو اليمنيين إلى التفكير في كيفية بناء وطنهم من جديد.
إن الاعتماد على الذات وتوطين الصناعة يمثلان الأساس الأول لحماية الوطن وسيادته، يجب أن يتم التركيز على تطوير قدرات محلية في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، مما يساهم في خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، يجب أن يدرك اليمنيون أن بناء وطنهم يتطلب جهودًا مشتركة من جميع فئات المجتمع، بدءًا من الحكومة إلى القطاع الخاص والمواطنين.
بالطبع، لا تخلو هذه العملية من التحديات، فالحرب والدمار قد تركا آثارًا عميقة على البنية التحتية والاقتصاد اليمني، ومع ذلك، يمكن تجاوز هذه العقبات من خلال التخطيط الجيد والاستثمار في التعليم والتدريب، يجب أن تكون هناك استراتيجيات واضحة لتمكين الأفراد من المشاركة في عملية إعادة البناء.
إن بناء الأوطان في ظل الأزمات ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو مسعى يتطلب الإيمان والإرادة، تجربة ألمانيا تقدم درسًا مهمًا لليمنيين، حيث يجب على الجميع أن يتحدوا ويتعاونوا من أجل مستقبل أفضل، فالأزمات قد تكون قاسية، لكنها أيضًا فرصة لإعادة التفكير في الأولويات وبناء وطن يستحق التضحيات.