بقلم/ محمد عبداللطيف الغشم
مسؤول الإعلام القضائي اليمني بذمار
الخميس 16ذي الحجة 1446ه- الموافق 12يونيو2025م
زمنٍ امتلأت فيه الساحات بالضجيج وتلوثت فيه الأقلام بمداد الزيف والتكسب والارتزاق، خرج من تراب هذا الوطن الطيب صوتٌ نقيٌّ شريف، لا يشبه إلا نفسه، ولا يشبهه أحد. خرج ليرفع راية الكلمة الصادقة، ويذود عن شرف المهنة، ويعيد للصحافة هيبتها، وللإعلام روحه، وللموقف قيمته، إنه الأستاذ حسن الوريث، الصحفي والإعلامي والوطني، حامل القلم لا من أجل وظيفة ولا شهرة ولا مصالح، بل من أجل رسالة، من أجل قضية، من أجل الله، ومن أجل شعبٍ يعاني ويأبى إلا أن يعيش عزيزاً.
حسن الوريث لم يكن كغيره ممن يصيغون مقالاتهم على مقاس رضا المسئولين، ويدورون مع المصالح حيث دارت، بل كان كما هو دائماً: صادق مع الله، صادق مع نفسه، صادق مع الشعب، وصادق مع السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ومع المسيرة القرآنية المباركة التي انتصر لها منذ اللحظة الأولى ووقف في خندقها بالكلمة كما وقف المجاهدون بالبندقية. كان الوريث وما يزال مصباحاً للحرية في دروبٍ طالها الظلام، صوته عالٍ لا يسكته خوف، وحرفه صادق لا يشتريه مال، وموقفه ثابت لا تزعزعه عاصفة.
في كل مرحلة مر بها الوطن، كان الوريث حاضراً بقلمه الشجاع، في الميدان لا في الصفوف الخلفية، منحازًا دوماً إلى الحق، ومدافعًا عن المظلوم، ومجاهرًا بالحقيقة التي يخشاها الآخرون. سخر قلمه لخدمة الوطن، ودافع عن سيادته، وعرّى الأقنعة التي ترتديها أدوات العدوان، وتصدّى لحملات التضليل والتشويه والتزوير التي استهدفت الشعب اليمني وأبطاله، وكان من القلائل الذين كتبوا الحقيقة رغم أنف الخوف، وقالوا ما يجب قوله ولو كره الكاذبون.
لم يكن الإعلام عنده مجرد مهنة، بل كان ساحة جهاد، وميدان وعي، وموقع مسؤولية أمام الله والتاريخ، ولذلك كان صموده في وجه الحرب الإعلامية جزءاً من صمود الجبهات العسكرية، وكان حضوره اليومي في المشهد اليمني بمثابة خط الدفاع الأخير عن وعي هذا الشعب وتاريخه وكرامته. كتب الوريث، لا ليعجب أحد، بل ليؤدي واجبه، ليكون لساناً للحق، وصوتاً للمستضعفين، وعيناً مفتوحة على الحقيقة التي أرادوا لها أن تُطمس، وعقلاً يحلل وينتقد ويفضح ولا يُساوم.
وقف إلى جانب القيادة بثقة وإيمان، لا بتملق أو رياء، بل بفهم عميق لما تحمله من مشروع حضاري وإنساني يليق بهذا الشعب العظيم. وكان دائماً، حيث يجب أن يكون: في قلب المعركة، بالكلمة والموقف والانتماء، لم يتراجع، لم يساوم، لم يخذل، بل سار على خطى الثابتين، رافعاً رأسه وقلمه معاً.
في زمنٍ صار فيه الإعلام سلعة، كان الوريث من القلة الذين بقوا أحرارًا، يحملون الكلمة كما يحمل المجاهد بندقيته، بصدقٍ وإخلاص وشرف. كان ولا يزال ضمير الصحافة اليمنية، وقدوةً للجيل القادم من الإعلاميين، ومثالاً يُحتذى في الصدق، في الشجاعة، في الانتماء، في الصبر، في النقاء، لم يسعَ يومًا للظهور، ولم يُزايد، ولم يقفز على معاناة الناس كما يفعل أدعياء الكلمة، بل كان وفيًا لوجعهم، قريبًا من نبضهم، حاملًا لهمّهم، كأنه صوتهم الصامت الذي نطق، ولسانهم الذي عبّر، وصرختهم التي طال انتظارها.
ومع كل موقفٍ، ومع كل سطرٍ، ومع كل مقالٍ، كان الوريث يرسم ملامح إعلامٍ حرّ، ويمهّد طريقًا صعبًا، لكنه ضروري، لمن أراد أن يكون إعلاميًا حقيقياً، لا تابعًا، لا بوقًا، لا متقلبًا، ولذلك ظلّ اسمه محفورًا في ذاكرة كل منصف، وصورته في عقل كل قارئ حرّ، وبصمته واضحة في وجدان كل من عرف المعنى الحقيقي لأن تكون صحفيًا في زمن الحرب والخذلان، إنه صوتٌ لا يُشترى، وقلمٌ لا يُكسَر، وموقفٌ لا يلين… وحين نبحث عن مثالٍ حيٍّ للصدق الإعلامي، والاستقامة الأخلاقية، والانتماء الوطني، فلا نجد سوى الوريث، الذي صار وحده أمة، وصوته جبهة، وكلمته سلاح، وحضوره تاريخ.
وإننا إذ نُسطّر هذه الكلمات عن الأستاذ الفاضل حسن الوريث، فإننا لا نكتب عن شخصٍ عابر في سجل الإعلام، بل عن رمز وطني حيّ، وضمير صحفي نادر، قلّ أن يتكرر في هذا الزمن المليء بالمتلونين وأصحاب الأقلام المأجورة.
لقد قدّم الوريث للوطن والمجتمع والمسيرة أكثر مما قدّمه كثير ممن يتصدرون المشهد، ووقف صلبًا ثابتًا حين كان الوقوف ثمنه باهظًا، وصاح بالحق حين كان الصمت أهون وأسلم.
هذا النموذج المشرف، وهذه القامة المهنية الصادقة، ليست فقط مفخرة لكل يمني، بل أمانةٌ على الدولة وقيادتها أن تحتفي بها، وأن تكرّمها، وأن تضعها في المكان الذي يليق بها، لا من باب المجاملة، بل من باب الاعتراف بجميل الرجال الذين حموا الوطن بأقلامهم حين غابت البنادق، ودافعوا عن الكرامة الوطنية حين كان الكثيرون قد باعوها في سوق المال والولاءات الرخيصة.
إننا بحاجة إلى أن نقول للدولة وبصوتٍ عالٍ: هؤلاء الصحفيون الشرفاء، أمثال حسن الوريث، هم الثروة الحقيقية التي يجب أن تُصان، وهم الجنود المجهولون الذين حملوا عبء التوعية والتنوير والتثبيت ورفع المعنويات، وبثوا الأمل في زمن اليأس، وشكّلوا جبهة صلبة خلف المقاتلين، وجدارًا عاليًا أمام مؤامرات العدو، فهل جزاء الوفاء إلا الوفاء؟ وهل يُكرّم من يبيع الوطن، ويُنسى من أفنى عمره دفاعًا عنه؟
لا نريد تكريمًا شكليًا، ولا جائزة تُنسى بعد يوم، بل نريد سياسة إعلامية حقيقية تعترف بأهل الصدق، وتُعيد الاعتبار لفرسان الكلمة، وترعى هذه القامات الكبيرة، وتُسخّر إمكانيات الدولة لدعمهم وتطويرهم وتمكينهم، فهم خط الدفاع الفكري الذي لا يقل شأنًا عن أي ميدان.
ختامًا، سيظل اسم حسن الوريث محفورًا في ذاكرة كل منصف، وستظل كلماته تُضيء للمستقبل طريقًا من نور، وستظل رسالته الخالدة في أن تكون صحفيًا حرًا، لا تابعًا، درسًا خالدًا لكل من أراد أن يحمل القلم ليخدم الحق لا الباطل، الوطن لا الخارج، المبادئ لا المصالح، وإن كان الزمن قد خذل كثيرًا من الشرفاء، فإن التاريخ لا ينسى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأمةٌ فيها حسن الوريث، لا تزال بخير.