خواطر مسافرة.. لبنان الذي نحب أن يكون


فيصل مكرم

أتفق مع القول بأن الدولة اللبنانية بكامل هيئاتها ومؤسساتها الشرعية هي الضامن الأهم لسريان اتفاق وقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وبالتالي لا بد من التئام البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تدير شؤون لبنان وتعبر عن الشعب اللبناني بكل أطيافه السياسية وطوائفه الدينية وتتولى مسؤولياتها لجهة ترتيب البيت الداخلي اللبناني في ضوء التطورات والمتغيرات الراهنة، فبعد العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان واغتيال غالبية قادته وفي مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله رحمه الله وموافقة الحزب على الهدنة التي أبرمتها حكومة تصريف الأعمال وإسرائيل والتي أشك في التزام الأخيرة ببنود الاتفاق رغم الضمانات الأمريكية والفرنسية، لا بد أن يراجع الحزب حساباته على صعيد الداخل اللبناني لمواجهة التحديات المتوقعة خاصة وأن نتنياهو قال بأن الاتفاق ينص على وقف إطلاق النار وليس وقف الحرب، وبأن ذلك يعني له استئناف الحرب في لبنان في أي وقت، كما أن الجيش اللبناني الذي يواصل انتشاره في مناطق الجنوب لا يزال يؤكد استمرار الجيش الإسرائيلي بارتكاب خروقات بشكل دائم منذ صباح الخميس الماضي، ومما لا شك فيه بأن مقاتلي حزب الله تمكنوا من تنفيذ عمليات موجعة لإسرائيل وتمكنوا من مواجهة قوات إسرائيل التي وصلت إلى قرى الشريط الحدودي وهذا الصمود سهل من جر نتنياهو إلى اتفاق وقف إطلاق النار، غير أن المنطقة برمتها لا تزال على كف عفريت مجنون يديره نتنياهو بلا مسؤولية ودون رادع فعلي، وبالتالي يتوجب على كل القوى والتيارات والطوائف والأحزاب اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله عدم منح حكومة الكيان المتطرفة والدموية أي مبرر يلبي رغبتها في تدمير البلد وتغذية الخلافات والصراعات الداخلية التي تهدد وحدته الوطنية وسيادته وتزيده إنهاكًا على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث تعمل إسرائيل على إضعاف الدول العربية المحيطة بها لتتفرد بالقوة والنفوذ ولكي تفعل بالشعب الفلسطيني ما تريد وكيفما تشاء في إطار مشروعها التوسعي وسعيها للقضاء على الشعب الفلسطيني لإنهاء القضية الفلسطينية بوسائل التدمير والتجويع والقتل الجماعي ومجازر الإبادة التي لا يزال مشهدها الدموي قائمًا في قطاع غزة، وهنا لا بد وأن يكون حزب الله قد استفاد مما مضى من دروس ومواجهات مع إسرائيل ليقدم للبنان الوطن ما يستحق من تنازلات وما يتوجب من خطوات لجهة تعزيز الوحدة الوطنية واحترام السيادة الكاملة للدولة بما يمكنها من تمثيل البلد أمام العالم والتعبير عن إرادة الشعب اللبناني الذي يهمه خروج بلده من أزماته الداخلية المزمنة، وفيما يتعلق بملف المقاومة لا بد من التعاطي معه بمسؤولية وطنية من كل الطوائف والأحزاب في إطار الدستور والمرجعيات وفي مقدمتها اتفاق الطائف وتفويت الفرصة على إسرائيل بإشعال فتنة داخلية في بلد عربي مثقل بأزماته الداخلية وملفاته الشائكة، وبحيث لا يسعى أي طرف إلى المكايدة الفارغة واستحضار ما أسفرت عنه الحرب العدوانية على لبنان في النيل من هذا الطرف أو ذاك، أو التأثر باحتقانات مزمنة دمرت لبنان وأنهكته فسادًا وتفككًا، وفي المقابل على حزب الله أن يغلّب مصالح لبنان ويكون شريكًا فاعلًا ومؤثرًا في تقوية الدولة وليس إضعافها بأي شكل من الأشكال، لأن ما يهم اليوم أن يخرج لبنان عن مؤثرات محيطه الإقليمي التي تحمل أجندات ليست في مصلحة لبنان، وبالتالي لا بد من طي صفحات الماضي بفتح صفحة جديدة تضمن للشعب اللبناني استعادة هيبة الدولة بكل مؤسساتها ووضع خريطة طريق لبنانية ترسم خطوط الطول والعرض لمستقبل البلد الذي تحيط به تحديات كبيرة على صعيد سيادته وأمنه واستقراره وعليه مواجهتها من خلال إصلاح البيت من الداخل ليعود لبنان كما يحب شعبه وجميع محبيه أن يكون آمنًا ومستقرًا ومنارة للأمة العربية وسندًا قويًا لقضاياها المصيرية، كما أن الشعب اللبناني يستحق العيش بسلام في ربوع وطنٍ لا ينال من سيادته مكون لبناني ولا يكون حلبة صراع لطرف خارجي، فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى دعم لبنان دولة وحكومة وشعبًا، وإسرائيل لن تتوقف عن توحشها ودمويتها وأطماعها في لبنان ما لم تصبح الدولة اللبنانية أقوى من الأحزاب وجديرة بتمثيل كل أطيافه وطوائفه بمسؤولية وما لم يكن الجيش اللبناني وسلامه هو القوة والسلاح المعني بحماية سيادة وطنه في كل الظروف.

صحافي وكاتب يمني

fmukaram@gmail.com

@fmukaram

اخبار ذات صلة