الأسواق الناشئة نقطة انطلاق للنمو العالمي .. انتعاش عملات و27 تريليون دولار ثروات الأسهم والسندات

تحظى الأسواق الناشئة بدور متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي، حيث أنه خلال الأعوام العشرة الماضية كانت تلك الأسواق مسؤولة عن إضافة 14 تريليون دولار أمريكي إلى محافظ المستثمرين, واليوم يبلغ إجمالي ثروتها من الأسهم والسندات 27 تريليون دولار، أي أكبر من اقتصادي الولايات المتحدة وألمانيا مجتمعين.

خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي بدأت جميع أصول الأسواق الناشئة – العملات والأسهم والسندات – في التحسن بعد أن سجلت كبرى خسائرها في ثلاثة أعوام، عام 2018، ويهيمن تفاؤل ملحوظ اليوم على توقعات المحللين بشأن مسيرة الأسواق الناشئة هذا العام.

وتتركز الأنظار على القارة الآسيوية والعملات الناشئة في اقتصاداتها الصاعدة، ورغم الدور السلبي لانتشار فيروس كورونا، فإن صناديق الأسواق الناشئة المتداولة في البورصة أفلحت في جذب ما يقرب من 700 مليون دولار أمريكي في الأسبوع الماضي فقط، بعد أسبوعين متتاليين من التدفقات الخارجية التي صاحبت انخفاضات حادة في أسهم وعملات تلك الاقتصادات.

يعتقد كروس بلاك المحلل المالي في بورصة لندن، أن النصف الأول من هذا العام سيشهد انتعاشا في أسعار عملات الأسواق الناشئة، لكنه يبدي عددا من الملاحظات بالنسبة للراغبين في الاستثمار في عملات تلك الاقتصادات.

ويقول لـ”الاقتصادية”: عدم حصر المحفظة الاستثمارية في عملة ناشئة واحدة سيكون الضمان لتحقيق أعلى عائد، فسلة من عملات الأسواق الناشئة ستكون جذابة للغاية خلال هذا العام في ظل استعداد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي البدء في خفض أسعار الفائدة بدلا من رفعها.

ويؤكد أنه رغم أن أغلب التوقعات يشير إلى أن عملات الأسواق الناشئة في آسيا ستكون الأكثر ارتفاعا هذا العام، فإن المحفظة الاستثمارية لا بد أن تتضمن مجموعة من العملات الأخرى مثل: الريال البرازيلي، والراند الجنوب إفريقي، إذ إن بعض العملات لاقتصادات ناشئة خارج القارة الآسيوية ستكون من الأكثر ارتفاعا أيضا هذا العام.

ويعتقد البعض أن انتعاش أسعار عملات الاقتصادات الناشئة في القارة الصفراء، سيعزز ما بات يعرف بالتجارة المحمولة.

وتقول لـ”الاقتصادية” جوانه ريدم من مجموعة موديز للتصنيف الائتماني، “مصطلح التجارة المحمولة يشير إلى استراتيجية يقترض فيها المستثمرين بعملة ذات معدلات فائدة منخفضة مثل الدولار الأمريكي على سبيل المثال من أجل شراء الأصول بعملة ذات فائد مرتفعة، وبهذه الطريقة يمكن للمستثمرين أن يحققوا أرباحا من استثماراتهم في عملة أخرى مع دفع فوائد أقل على المبلغ المقترض”.

وتضيف، “حتى الآن أغلب التوقعات يشير إلى أن العملات الآسيوية مثل: الروبية الإندونيسية، والهندية ستكونان الأكثر جاذبية، فمعدلات الفائدة المعيارية في الهند 5.75 في المائة، و إندونيسيا 6 في المائة، مقارنة مع هدف الاحتياطي الفيدرالي الذي يتراوح بين 2.2 – 2.5 في المائة”.

لكن التوقعات الإيجابية بشأن أداء عملات الأسواق الناشئة في 2020، لا تنفي ملاحظات بعض الخبراء الاقتصاديين بأن هذا التحسن لا يعود لأسباب داخلية، إنما نتيجة تطورات خارجية قد يؤدي تغيرها إلى تغير المشهد الاقتصادي للعملات الناشئة برمتها.

الدكتور مانفيل شريدان أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، يعتقد أن التحول إلى عملات الاقتصادات الناشئة خاصة في آسيا نتيجة طبيعية للاحتكاك التجاري العالمي، و لا سيما بين الولايات المتحدة، الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، كما أن موقف الاحتياطي الفيدرالي من أسعار الفائدة يلعب دورا كبيرا في تحسن الطلب على العملات الناشئة.

ويؤكد لـ”الاقتصادية”، أنه في فترات انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية تميل عملات الأسواق الناشئة إلى الارتفاع في قيمتها، حيث كان هذا هو الوضع في الربع الأخير من العام الماضي، وسيمتد إلى الربع الثاني من هذا العام.

ويقول، “المستثمرون سيواصلون صب الأموال في بورصات الأسواق الناشئة، مثل: الهند، وإندونيسيا حيث ترتفع أسعار الفائدة بشكل كبير والعملات المحلية تتمتع بالقوة، كما أن الحكومات في عديد من الأسواق الآسيوية الناشئة قامت بتخفيض معدلات ضريبة الشركات لتشجيع مزيد من الاستثمار”.

يلاحظ أن أغلب الاقتصادات الناشئة التي يتوقع تحسن قيمة عملتها المحلية هذا العام، تستفيد بشكل ملحوظ من الثغرات الراهنة في الاقتصاد الدولي، الناتجة عن عدم استقرار دورة التجارة الدولية – على الأقل مؤقتا – رغم فترة الاستراحة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إذ تمنح تلك الثغرات العملات الناشئة فرصة أعلى بكثير للمناورة، وجاذبية خاصة للمستثمرين.

بدوره، يعتقد راسل كويدا المحلل المالي في المجموعة الدولية للاستثمار، أن الأسواق الناشئة في نقطة انعطاف نادرة في ظل بيئة عالمية تتصف بالنمو المنخفض وفي ظل ضعف النشاط الصناعي والتجاري الدولي، ما سينعكس إيجابا على الأسواق الناشئة وعملتها، على حد قوله.

ويؤكد لـ”الاقتصادية”، أن تحسن السياسات المالية والاقتصادية والنقدية وتجديد التركيز على الإصلاحات الهيكلية في عديد من الأسواق الناشئة يكتسب قوة، وروح التشاؤم التي هيمنت على الأسواق الناشئة معظم أشهر العام الماضي تتراجع مدفوعة في ذلك بتحسن ملحوظ في أسعار عملتها الوطنية.

وحول أفضل العملات الناشئة أداء هذا العام، يشير إلى أن الروبية الهندية والإندونيسية من المرجح أن تكونا في المقدمة حتى نهاية الربع الأول من هذا العام، كما أن العملة التايوانية لديها آفاق واسعة بسبب الفوائد غير المباشرة التي حققتها نتيجة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

خارج القارة الآسيوية يبدو الريال البرازيلي مرشحا قويا لأداء متميز خلال النصف الأول من عام 2020، رغم أن الانتعاش الاقتصادي كان أبطأ من المتوقع، فإن الجهود الحكومية والبنك المركزي يعملان على تحسين إمكانيات النمو على المدى الطويل.

اخبار ذات صلة