*• أحمد موسى*
تحليل|لبنان| تضبط المنطقة ساعتها على توقيت أميركي، وتلعب إسرائيل بعقاربها لتمديد زمن الحرب وعلى جبهتين لبنانية وغزية تستطلع الولايات المتحدة مسيراتها الدبلوماسية ، مستكشفا وزير الخارجية انطوني بلينكن في تل أبيب اليوم التالي للحرب، ويتأهل آموس هوكشتاين إلى الدوري اللبناني في تحويل الجمر الى رماد.
إسرائيل ترد بالأغتيالات… هكذا ضربات كبيرة، ولكن ما هو مداها؟ وإلى أين ستصل؟ ديبلوماسيا ، بلينكن في حركة ، وهوكشتاين إلى بيروت اليوم ، ووزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، يؤكد لرئيس الحكومة الإسرائيلية أهمية تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين في غزة ، والمعلومات من تل أبيب لا تتوقع أن يحقق بلينكن أي تقدم أو خرق في محادثاته باستثناء “تمهيد” الطريق لهوكشتاين في مهمة استطلاعية حاملاً معه “تحذيرات” من توسع للجبهات.
مفاجآت
لبنان المنتظر لآموس هوكشتاين غداً الخميس ، سبب الانتظار معرفة ما يحمله الموفد الاميركي، ولا سيما بعد زيارته الخاطفة إلى إسرائيل في الأسبوع الفائت ، علماً ان نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب التقى هوكشتاين في روما ليل الاثنين ، وهذا ما أكده بوصعب اليوم من عين التينة ، عقب عودته اليوم الى بيروت.
جعبة هوكشتاين مليئة بالمقترحات و”التحذيرات” إلى المسؤولين اللبنانيين!؟ فهل ينجح في تثبيت الحدود البرية وفي تأمين الأجواء اللازمة لتطبيق القرار 1701 ، أم أن ما تحقق في البحر لن ينطبق على البر ، ما يتيح لإسرائيل أن تستكمل حربها على الجبهة الجنوبية؟.
انتظار هوكشتاين لا يعني البتة ان الحركة الديبلوماسية مقتصرة عليه ، اليوم كانت جولة لوكيل الامين العام للأمم المتحدة جان بيار لاكروا ، فيما وصلت وزيرة الخارجية الألمانية إلى لبنان ، واجتمعت على وجه السرعة بنظيرها اللبناني الوزير عبد الله بو حبيب.. الحماوة الديبلوماسية رافقتها حماوة ميدانية ، فالعمليات العسكرية تواصلت جنوباً مستهدفة مواقع عسكرية حساسة في الشمال الفلسطيني والجليل.
مهمة الوسيط الأميركي ستكون مشحونة بوصايا إسرائيلية اودعتها تل أبيب في الحقيبة الدبلوماسية لانطوني بلينكن، الذي كشف بالأمس من السعودية أن إسرائيل “طلبت منا المساعدة من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية مع ح-ز-ب الله ، وقال “إن توسيع الحرب ليس في مصلحة إسرائيل ولبنان والحزب” ، ولم يفصح الإسرائيليون عن هذه الرغبة في العلن خلال لقاءاتهم مع وزير الخارجية الأميركي.
توسع الحرب
لكن الاجتماع مع وزير الحرب يوآف غالانت اسفر عن “مناشدة إسرائيلية لواشنطن بأن تمارس ضغطاً متزايداً على إيران لمنع أي تصعيد إقليمي” ، وأضاف غالانت أن “أولويتنا على الجبهة الشمالية” هي “إعادة السكان إلى بيوتهم” بعد تغيير الوضع الأمني الحالي “ووقف هجمات ح-ز-ب الله”. ووفق هذه المعادلات فإن الجنوب اللبناني والشمال الفلسطنيي يبقيان بعيدين عن توسيع الحرب، لكنهما ليسا قريبين من الهدوء، وقواعد الاشتباك تحكمها مظلات دولية ارفعها اميركا وايران و”الميدان”.
“عدم توسيع رقعة الحرب” هو عنوان الجولة الجديدة والخامسة للمنطقة منذ العدوان الصهيوني على غزة ولبنان لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ، التي شملت تركيا والأردن وقطر والسعودية والإمارات ، ولكن تذكر أن كل قادة المنطقة كانوا مجمعين على ضرورة عدم ترك الحرب تتوسع وهذه إفادة ناقصة ، فقادة المنطقة طالبوا أيضاً “بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة” الذي أدى إلى استشهاد أكثر من 23,000 فلسطيني وقرابة 60 ألف مصاب ، ثلثا هذا العدد من النساء والأطفال ، تركت الحرب الجارية آلاف آخرين تحت الأنقاض ، فهل المطلوب “التحوط من توسع الحرب” أم وقفها بعد مجازر وصفتها أكثر من جهة حقوقية بأنها ترقى إلى كونها “إبادة جماعية للشعب”.
ضمانات وتعهدات
حرص بلينكين في جولته ناقلا وجهة النظر الأمريكية الحصول “ضمانات على تعهدات” من الدول التي زارها بالمساهمة في عمليات إعادة إعمار القطاع والانخراط في طبيعة مهام اليوم ، وبالتالي لوقف الحرب في غزة ومرة أخرى يبدو هذا الأمر استباقا لمطلوبات المهمة الأكثر إلحاحاً كما يراه الفلسطينيون ودول المنطقة ، وهي وقف سفك الدم الفلسطيني وإنهاء المأساة التي أريد للعالم أن يتصالح مع رؤيتها ويتعايش مع مشاهد قتل الحياة الإنسانية والقضاعة والبشاعة ما عرفت البشرية في تاريخها مثيلاً لها ، ولو أراد بلينكن التوسع في النظر وفي الحكم لكان رأى غزة كلها وائل الدحدوح ، قصة وائل هي قصة الفلسطينية المستباح دمه منذ عام 48 هي قصته أيضاً في الصمود وفي التسامي فوق جراحه وحزنه في رحلة شعبه ذاهبة نحو حريته.
الهجرة الطوعية
يحمل الوزير بلينكن إلى إسرائيل رجاءات أكثر منها طلبات ، فالولايات المتحدة من وجهة نظر الفلسطينيين ضالعة في الحرب ضلوع إسرائيل فيها ، طلب بلينكن من إسرائيل تقليل كثافة عملياتها العسكرية والاكتفاء ب”عمليات نوعية” ، وفي الواقع ، ذلك ما استقرت عليه القيادة العسكرية الإسرائيلية بعدما فشلت بتحرير أي أسير ، وبعد ما وجدت استبشاع العالم جرائمها ما أدخلها في عزلة سينقلب الكل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الموقف الأمريكي المحيرة بين النزول على رجاءات واشنطن وبين الذهاب مذهب وزيري المتطرفين وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش والوزيران كلاهما يدعو إلى ضرورة دفع الفلسطينيين إلى “الهجرة الطوعية” إلى مختلف دول العالم ، بل تتعالى وسط الجبين الصهيوني أصواتهم وأصوات غيرهم تدعو إلى “احتلال القطاع” وإنشاء مستوطنات فيه ، وإلى إنشاء مستوطنات في نابلس وطولكرم في الضفة الغربية للاحتلال ثم الاستيطان ، إنها القصة الإسرائيلية منذ عام 48 كأن خلاص اليهودي لا يتحقق إلا باستعادة مأساته عبر الفلسطيني الذي يجب أن يقتل كما قتلوا ويتبعثر في الدنيا كما تبعثروا ، وأريد للفلسطيني أن يكون انعكاساً لتاريخ اليهودي الناجي من المذابح المشرد في الآفاق.
القضاء على فلسطين
“يجب أن لا تتوسع رقعة الحرب” يقول بلينكن ، وعدم توسعها يعني حبس حريقها حيث هي في غزة ، غير أن الحرب التي تدخل شهرها الرابع “تشق المجتمع الإسرائيلي وتخلخل تماسك قيادته السياسية والعسكرية” ، رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالنت يرفضان وقف الحرب ، لأن وقفها يعني محاسبتهما على كل إخفاق عسكري منذ ط-و-ف-ا-ن الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي ووقف الحرب يعني لنتنياهو فتح ملفات فساده أمام المحاكم ، أما الإستمرار في الحرب يعني مزيداً من “الإخفاق” العسكري المتماهي مع مع السياسي وهو اتهام يبلغ به زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد حد مطالبة نتنياهو ب”الاستقالة” لعجزه عن إدارة الدولة وقيادة الحرب.
جوهر الصراع بمقاربات تكتيكية تتحدث عن إعادة البناء في غزة وحصر النطاق الحربي فيها ، لكن الحرب الإسرائيلية التي تشن على غزة تحت عنوان “القضاء على ح-م-ا-س” هي في الواقع حرب على الشعب الفلسطيني كله وعلى مشروعه الوطني الممتد من غزة إلى الضفة الغربية إلى “القدس” ، هكذا ترى ال-م-ق-ا-و-م-ة الفلسطينية الحرب وهي تربك حسابات إسرائيل كل يوم ما يضرها من قعدة عنها ما دامت هي واقفة وقفتها الشامخة.
*كاتب صحفي وناشر موقع “ميديا برس ليبانون”*