نظمت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بالتعاون مع وزارتي الثقافة والإعلام والجبهة الثقافية لمناهضة العدوان ومؤسسة يمن مشرق للتنمية، اليوم ندوة بعنوان “ثقافة الفساد المستشرية في المجتمع”.
أقيمت الندوة في إطار تنفيذ مضامين الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 1443ــ 1447هـ 2022ــ 2026م.
وفي افتتاح الندوة أكد مفتي الديار اليمنية، العلامة شمس الدين شرف الدين، أهمية تربية النشء على ثقافة نبذ الفساد والفاسدين ومكافحته من أجل أجيال واعية تسهم بصدق وأمانة وإخلاص في بناء وطن خالٍ من الفساد.
وأشار إلى أنه حتى لو تم إنشاء العديد من المؤسسات والهيئات المختصة في مكافحة الفساد، فلن يكون لها فائدة طالما ولم يتم زرع الرقابة الإلهية والخوف من الله في نفوس الناس، باعتبار ذلك أهم الوسائل والطرق لمحاربة الفساد.
ونوه العلامة شرف الدين بأهمية دور العلماء والخطباء في جهود مكافحة الفساد ومنع استشرائه في المجتمع، مشدداً على ضرورة غرس قيم الرقابة الإلهية في نفوس الأطفال والشباب من خلال إدماجها في المناهج الدراسية بمختلف مستوياتها وتخصصاتها.
وأوضح أن من أهم أسباب استشراء الفساد العمل بأشياء تم إقرارها لكنها أساساً مذمومة في نظر الشرع الإسلامي، بالإضافة إلى إيلاء بعض مناصب السلطات العليا إلى أشخاص لا يخافون الله.
وذكر أنه لا يمكن محاربة الفساد إذا أغلق المسؤولون أبوابهم دون الناس، فالولاية هي أمانة، وقد تكون على صاحبها ندامة يوم القيامة، لافتاً إلى خطر الفساد الأخلاقي والحرب الناعمة وضرورة مواجهة ذلك من أجل الحفاظ على هوية الرجل المسلم وتعزيزها.
من جانبه أشار نائب رئيس هيئة مكافحة الفساد، ريدان المتوكل، إلى الهدف المشترك للجميع في مكافحة الفساد والوقاية من آثاره وتداعياته المدمرة على الوطن والمواطن والاقتصاد الوطني وعملية التنمية برمتها، ووضع المداميك الحقيقية لبناء الدولة الحديثة في إطار مسار بناء المؤسسات والمحافظة عليها الذي حدد ورسم معالمه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
وأوضح أن هذه الندوة تأتي في إطار تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في تعزيز ثقافة مكافحة الفساد لدى أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع اليمني، من خلال تفعيل دورها في كشف الفساد وآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، ومناهضته وإيجاد بيئة مجتمعية تناصر قيم النزاهة والشفافية، وتحض على المساءلة والمحاسبة، وتناهض أي ثقافة متسامحة مع الفساد والفاسدين.
وتطرق المتوكل إلى الدور الريادي للمؤسسات الثقافية والمجتمعية وما يمكن أن تحدثه من تأثير واضح وفعال في تنمية القيم الدينية والإيجابية، والأخلاق الفاضلة في المجتمع، واستلهام هوية المجتمع الإيمانية واستحضارها في الجهود الرامية لغرس قيم الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد والوقاية منه ورفع وعي الجمهور بمخاطره وتنظيم جهوده في مواجهة كافة أشكاله ومظاهره وخلق وعي عام مناهض لثقافة الفساد وصوره المختلفة في أوساط المجتمع.
وأكد أهمية دور مؤسسات الوعظ والإرشاد والعلماء في ترسيخ الثوابت الإيمانية والاستقامة السلوكية في تزكية نفس الفرد المسلم على شرع الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه وتقوية الوازع الديني وإيقاظ الضمير وتعزيز الرقابة الإلهية.
وفي الافتتاح الذي حضره عضو هيئة مكافحة الفساد المهندس حارث العمري، تحدث نائب وزير الإعلام فهمي اليوسفي، عن خطورة الحرب الناعمة وضرورة مكافحتها والتي تتطلب التركيز على بناء أخلاق الإنسان اليمني وفق ضوابط وطنية وشرعية قويمة تنبذ الفساد والمفسدين.
وأشار إلى أهمية المكافحة المستمرة للمخاطر التي تأتي من الغرب عبر المنظمات التي تستهدف المجتمعات وخصوصاً النساء وذلك من خلال دخولها إلى كل بيت عن طريق المجتمع المدني، معتبراً أن مكافحة هذه المنظمات مكافحة للفساد والحرب الناعمة.
وأكد اليوسفي أهمية تظافر جهود الجميع من أجل مكافحة الفساد الذي يطال كل شرائح المجتمع وبأشكال وطرق متعددة.
بدوره لفت رئيس الهيئة العامة للأوقاف العلامة عبدالمجيد الحوثي، إلى أن استشراء الفساد يأتي كعمل منظم من دول الاستكبار لاستهداف الدول العربية والإسلامية حتى تكون ضعيفة ولا تستطيع النهوض، مشيراً إلى أن أغلب قيادات الدول العربية تسيرها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لتحقيق مصالحها.
ودعا الجميع إلى أن يكونوا عناصر فاعلة في محاربة الفساد والقضاء على ثقافته التي ترسخت خلال العقود الماضية، ما يقتضي العمل المكثف من أجل تحقيق ذلك.
وأشار إلى أن أهمية الالتزام بالنظام والقانون لأن في ذلك مصلحة عامة، ومخالفته مفسدة عامة، مؤكداً أن مكافحة الفساد تبدأ من القيادة العليا لأي جهة أو مؤسسة ويجب أن تكون تلك القيادة قدوة لجميع الموظفين.
وقال العلامة الحوثي إن الأجهزة الرقابية التي صنعها البشر مهمة في مكافحة الفساد، ولكن ذلك لن يكون مجدياً إذا لم يتم استشعار الرقابة الإلهية وتقوى الله من قبل الجميع، لافتاً إلى أن الشعب اليمني قدم الكثير من التضحيات من أجل الوطن والدفاع عنه وعزته وكرامته واستقلاله، ولن يعجزه شيئاً للقضاء على الفساد إذا ما استشعر الرقابة الإلهية.
وفي الندوة التي أدارتها عضو هيئة مكافحة الفساد، الدكتورة مريم الجوفي، قدم نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، فؤاد ناجي ورقة عمل عن تغيير ثقافة الفساد في ضوء عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر، معتبراً هذا العهد دستوراً كاملاً.
واستعرض وسائل مكافحة الفساد وطرق الرقابة والتفقد الواردة في العهد، مشيراً إلى أن محاربة الفساد تبدأ من اختيار المسؤول وفق مؤهلات ومواصفات ومعايير حددها عهد الإمام علي لملك الأشتر.
وقدمت رئيسة الجبهة الثقافية لمناهضة العدوان الدكتورة ابتسام المتوكل، ورقة عمل عن دور مؤسسات التكاثر الثقافي في الحد من الفساد، تطرقت فيها إلى خصائص العملية الثقافية في محاربة الفساد، لافتة إلى أن الفساد السياسي والإداري هو أخطر أنواع الفساد الذي يقود المجتمعات إلى الهاوية.
وأكدت أهمية القضاء على الثقافة التي تزيد في استشراء الفساد في المجتمع وتجعل من الفاسد شخصاً ذكياً ومن النزيه غبياً، مشيرةً إلى أهمية دور المؤسسات الثقافية والتعليمية والاجتماعية في محاربة الفساد.
فيما تناولت ورقة عمل قدمها أمين عام الجبهة الثقافية محمد العابد، أثر المدخلات الثقافية السلبية في تنمية ثقافة الفساد، والتأثيرات التي وضعها الأعداء وقوى الاستعمار في سبيل تشجيع الفساد وممارسته وتزيينه للمجتمع.
وتطرق إلى سعي الأعداء لاختراق بعض منظومة القيم وثوابت الأمة وزرع ثقافات مغلوطة تصب في الأخير لمصلحتهم مع استمرار ثقافات شكلية للأمة لا ترفض الاحتلال ووجوده على أراضيها.
وتناولت ورقة عمل قدمها الدكتور خالد القيداني، بعنوان “علاقة الفساد بتغيير القيم” علاقة الفساد بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية والسياسية وثقافة المجتمع.
واستعرض النتائج المتعلقة بالفرضية التي تنص على أن قيم المجتمع قد تقبلت ثقافة الفساد.. مؤكداً أن الفساد شكلا من أشكال الخروج على القيم السائدة في المجتمع ضمن الإطار الوظيفي باعتبار هذه القيم يجب الالتزام بها.
وقدم رئيس الهيئة العامة للكتاب، عبدالرحمن مراد، تعقيبات على أوراق العمل.
وخرجت الندوة التي حضرها وكيل وزارة الإرشاد صالح الخولاني، وعضو مجلس الشورى عمر الهمداني، وأمين عام هيئة مكافحة الفساد أحمد عاطف، والمدير التنفيذي لمؤسسة يمن مشرق صادق الديلمي، بعدد من التوصيات شددت على ضرورة إدماج قيم الشفافية والنزاهة والرقابة الإلهية في المناهج التعليمية والأكاديمية.
وأكدت أهمية قيام المؤسسات الثقافية ومؤسسات التكاثر الثقافي والتنشئة الاجتماعية بأدوار فاعلة في تنشئة الأجيال على قيم النزاهة والشفافية والأمانة والمسؤولية، والحفاظ على المال العام، ونشر هذه القيم لمواجهة ثقافة الفساد المستشرية في المجتمع.
كما أكدت التوصيات أهمية تضمين قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد في كافة الأعمال الثقافية والفنية والدراما المختلفة، واستيعاب وزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية لقيم النزاهة والشفافية في خارطتها البرامجية، وتنفيذ حملات ثقافية متنوعة وواسعة لمناهضة الفساد في مختلف وسائل الإعلام.
وأشارت إلى دور الأسرة في تربية الطفل على ثقافة سليمة تنبذ الفساد وتزدري الفاسدين، ونشر ثقافة مواجهة الفساد في المؤسسات التعليمية منذ المراحل الأولى، وتنفيذ أنشطة تعليمية تعزز هذه القيم، وأهمية تحفيز منظمات المجتمع المدني، لخلق بيئة مجتمعية تعزز النزاهة والشفافية والمساءلة والرقابة المجتمعية ومناهضة أي ثقافة متسامحة مع الفساد.
حضر الندوة عدد من مسؤولي الوزارات ورؤساء ومدراء عموم وموظفي هيئة مكافحة الفساد.