تعتمد حياة الشعوب على الطاقة والماء والغذاء ، وبين منتجي الطاقة ومستهلكيها تتعرض الشعوب لفرص وتحديات ، وتلعب الطاقة دورًا حيويًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومقياسًا ومؤشرًا لنمو الدول، ويزداد استهلاك الطاقة مع تطور الدول، ويعد توافر وتنويع مصادر الطاقة شرطًا مهمًا وضروريًا من شروط النمو المستدام، ويجب على الجميع مواجهة التحديات في مجال الطاقة وليس العمل فقط العمل على تطوير مصادرها المختلفة بل وتنويع مصادرها ما بين الطاقة المتجددة والغير متجددة والحفاظ على مقدراتها وثرواتها الطبيعية والبيئية، والعمل على خفض الاعتماد الكلي على الواردات وخلق موارد جديدة للطاقة وتحسين كفاءة استخدامها والعمل على ضخ استثمارات جديدة من أجل إحداث طفرات هائلة في مجال الطاقة بصفة عامة، وتُعد موارد الطاقة من أهم الاسباب الرئيسية التي ساهمت في تطور الحياة الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية للدول منذ اكتشافها إلى يومنا هذا، وموارد الطاقة هي أساس نهوض اقتصاد الدول المتقدمة.
تُعد موارد الطاقة من أهم الاسباب الرئيسية التي ساهمت في تطور الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية للدول منذ اكتشافها إلى يومنا هذا، وموارد الطاقة هي أساس نهوض اقتصاد الدول المتقدمة. فتتميز موارد الطاقة الغير المتجددة وأهمَّها الغاز والبترول والفحم الحجري بالندرة، وعدم التكافؤ في توزعه الجغرافي. حيث يتركز أكثر من 47,7% من الاحتياطي العالمي للبترول في منطقة الشرق الأوسط، وفي المملكة العربية السعودية وحدها 15,7% من الاحتياطي العالمي للبترول. في حين يتواجد البترول في دول الاتحاد الأوربي 0,3% من الاحتياطي العالمي المثبت. أمَّا احتياطي الغاز في العالم فيتواجد 42,7% من الاحتياطي المثبت في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في ايران وقطر، هذه الاحتياطات التي تمتلكها منطقة شرق الأوسط جعلت منها منطقة استراتيجية هامة مُخلِّفة تنازعات دولية عِدَّة للسيطرة عليها، وخاصة بعد الحرب الباردة. حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط أهم المناطق التي تتنافس عليها الدول الكبرى، مما جعلها تعاني من اضطرابات وحروب ونزاعات المسلحة بين حين وآخر، مثل الحرب الامريكية على العراق، والعمليات الإرهابية على مناطق انتاج البترول. وتحتل مصادر الطاقة عموما ، والنفط خصوصا ، أهمية متعاظمة لدى المجتمعات الصناعية الكبرى ، ليس لكونها شريان الحياة الإقتصادية فحسب ، بل لأهميتها في تحديد قوة الدولة ووضعها العالمي .
أمن الطاقة هو الارتباط بين الأمن القومي وتوافر الموارد الطبيعية لاستهلاك الطاقة حيث أصبح الوصول إلى الطاقة الرخيصة (نسبيا) ضروريا لتشغيل الاقتصاديات الحديثة ، وتعرف وكالة الطاقة العالمية مصطلح “أمن الطاقة” على أنه توافر مصادر الطاقة دون انقطاع وبأسعار يمكن تحملها، ولأمن الطاقة أسس وأوجه مختلفة فمن الممكن أن يكون طويل أو قصير الأجل أو يكون على المستوى الدولي أو الداخلي، وعادة يتسبب أي نسب نقص أو انقطاع في عمليات إمدادات الطاقة لمددة قصيرة في إحداث تقلبات قوية في أسعار الطاقة مما يتسبب في هزات عنيفة في عمليات العرض والطلب، وفى حالة استمرار تلك الحالة من ضعف الإمدادات لمدد طويلة تنعكس آثاره على معدلات النمو بالسلب، وللتغلب على قضية انقطاع أو نقص الإمدادات قصيرة الأجل يجب بناء الخزانات الاستراتيجية في الدول المستهلكة والمنتجة أيضًا والسحب منها وقت الأزمات، والوجه الآخر لأمن الطاقة هو طويل الأجل بهدف تأمين مصادر الطاقة بمعدلات كافية من أجل تلبية الطلب المستقبلي وخاصة وقت الأزمات.
مفهوم أمن الطاقة في معناه التقليدي هو ” أمن المعروض” وذلك من خلال التركيز على سبل توفير الإنتاج الكافي من مصادر الإنتاج وبأسعار مناسبة في متناول الجميع، وأمن الطاقة لأي دولة يتحقق حال توافر لديها مورد مستدام للطاقة وبأسعار مناسبة، ولهذا السبب كان للدول الكبرى تدخلات عسكرية وسياسية في الدول المنتجة للطاقة لتحقيق هذه المطالب، وبالتالي يركز مفهوم أمن الطاقة على أمن المعروض من الطاقة، لأن انخفاض بند العرض في الأسواق الدولية سيؤدي بالضرورة إلى زيادة ملحوظة في أسعار الموارد المختلفة من الطاقة مثل البترول والغاز وبالتالي سينعكس على الأمن القومي الاقتصادي للدولة المستهلكة. وعليه، من الممكن صياغة تعريف لمفهوم أمن الطاقة وهو توافر الكميات المطلوبة في الأسواق العالمية بأسعار مناسبة ومستقرة ومستدامة، مع ضرورة العمل على تنمية مصادر الطاقة المتاحة، من خلال التكنولوجيا، مع البحث عن مصادر جديدة تلبي الحاجة المتزايدة للطاقة، إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة، وتوافر الضمانات المناسبة للحفاظ على البيئة واحترامها، فالدول الكبرى تولي اهتماماً كبيراً بدور الطاقة، وضرورة تأمين مصادرها منها حتى لا تتأثر صناعتها، وبالتالي نموها الاقتصادي، وعلى الناحية الأخرى، تعمل الدول المنتجة والمصدرة للنفط والطاقة على استغلال تلك الميزة في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية بهدف تحقيق المناورة.
أمن الطاقة يعني تلبية حاجة العالم من الطاقة من خلال مصادرها المتعددة، وسلامة إمدادات هذه المصادر لتصل إلى المستهلكين بأسعار معقولة ومناسبة لا تضر بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء. الحقيقة التي يجب الوقوف عندها والتعاطي معها بمسؤولية وجدية بعيدا عن الأجندات السياسية والمصالح الضيقة لبعض الدول، أن أمن الطاقة قضية وجودية، وأي اختلال في منظومتها سينعكس عليها اقتصاديا وصناعيا واجتماعيا، بل أمنيا. العالم ينمو بتسارع مطرد، وفي ظل التطور الصناعي والتقني اللافت، فإن إمدادات الطاقة وديمومتها ليست قضية عابرة، ومن الضروري أن تضع دول العالم أمن الطاقة على رأس قائمة أولوياتها، وتعمل كل ما يلزم للمحافظة على صحة وسلامة الشرايين التي تغذيها بموضوعية، وأن ترتب أولوياتها في هذا الصدد ، وقد فسر البعض امن الطاقة على انه توافر إمدادات الطاقة بشكل مستمر، بطريقة تضمن النمو الاقتصادي في كل من الدول المنتجة والمستهلكة بأقلّ تكلفة اجتماعية، وأقل تذبذب في الأسعار، وقال آخرون ان معنى أمن الطاقة هو تأمين إمدادات النفط في وقت تتوقف فيه بعض الدول المصدّرة عن الإنتاج. والمفهوم التقليدي لمصطلح أمن المعروض يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية إيجاد آليات واضحة لسعر ملائم، ومن يحدد ويتحكم في هذا السعر، وكيفية الوصول إلى سعر ملائم يلبي رغبة كلًا من الدول المنتجة والدولة المستهلكة، فالسعر المناسب لدولة مستهلكة قد لا يناسب الدول المنتجة التي تطمح دائمًا إلى زيادة الأسعار، وخاصة لو أن الدول المنتجة بالفعل هي الدول النامية والتي عادة تكون معتمدة بشكل رئيسي على عائدات تصدير تلك الموارد في أمنها القومي الاقتصادي، في حين الدول المستهلكة ترغب بسعر منخفض لأن السعر المرتفع يثقل اعبائها الاقتصادية، فالسعران المنخفض والمرتفع لموارد الطاقة يشكلا عاملًا مهمًا لأمن الطاقة. وبنظرة عامة، فإن حالات ارتفاع أسعار الموارد المختلفة من الطاقة على المدى الطويل لا يصب دائمًا في مصلحة الدول المنتجة، لما له من آثار سلبية على التكامل التجاري الدولي، وبالأخص فإن ارتفاع أسعار الموارد سوف يؤدي بالتبعية إلى ارتفاع تكاليف تصنيع السلع القابلة للتبادل التجاري الدولي، مما يؤثر على الدول المنتجة لموارد الطاقة المختلفة والتي تستورد تلك السلع من الأسواق العالمية، وهذا ما حدث في عام ٢٠٠٨ والأزمة المالية العالمية في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، وكشف عن تلك العلاقة التأثيرية التبادلية بين الدول المستهلكة والدول المنتجة.
اختلاف مفهوم وتعريف أمن الطاقة ، وتتمحور كل مفاهيم أمن الطاقة حول لاعبين أساسيين وهما “مستهلكي ومنتجي الطاقة”، مستهلكي الطاقة من جميع الدول الصناعية الكبرى تدور حول أولوياتها لتجنب نقص أو انقطاع إمدادات الطاقة، بالإضافة إلى ضرورة تنويع مصادرها، والعمل على تأمين البنية التحتية للدول المنتجة للمساعدة في توصيل الطاقة إلى الأسواق العالمية، وفي حين يرى منتجي الطاقة بمصادرها المختلفة أن أمن الطاقة يكون من خلال الوصول إلى أسعار ملائمة للجميع في أسواق الطاقة العالمية، مع وجود أسواق مستهلكة، وتطوير البنى التحتية للمنشاة النفطية.
وقد حددت المفوضية الأوروبية أربعة دعائم رئيسة يستند عليها أمن الطاقة الأوروبي وهي:
العمل على التنويع في مصادر الطاقة، وهو الأمر الذي من شأنه التقليل من التبعية لمورد أو لدولة معينة.
إدارة بند الطلب، عن طريق طرح مفاهيم مختلفة تتعلق بمبدأ كفاءة استخدام الطاقة، بهدف خفض استهلاك الطاقة قدر الإمكان.
إدارة قوية والتحكم بالعرض الخارجي، عن طريق الدخول في شراكات قوية مع الدول الرئيسة التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في تأمين متطلباته من النفط والغاز.
العمل على تجنب الأزمات في سوق الطاقة، عن طريق قناعة مفادها، أن تحقيق أمن العرض يتطلب بالضرورة بأن تكون الأسواق منتظمة بصورة قوية مما لا يسمح بحدوث أزمات.
بينما يستند المفهوم الروسي لأمن الطاقة على مبدأ تحقيق أمن الطلب، وأسعار مرتفعة، والتزامات وإمدادات طويلة الأجل وبشكل مستدام، والوصول الآمن إلى الأسواق العالمية وبالأخص القارة العجوز دون الإعاقة من دول العبور، والعمل على مد أنابيب الطاقة والغاز إلى قلب الاتحاد الأوربي، والعمل بقوة على خلق توازن في أسواق الطاقة الروسية لمنع تقييد الدب الروسي بسوق واحدة.
ويتمثل المفهوم العام لأمن الطاقة الأمريكي في العمل على خفض الاعتماد على موارد الطاقة المستوردة ، عن طريق عمليات الترويج لأنواع مختلفة من الوقود المنتج محليًا مثل الإيثانول، والعمل علي خفض المخاطر والصدمات السعرية عن طريق تنوع الموردين، واستهداف الاعتماد على البدائل البيولوجية للطاقة البديلة للوقود الأحفوري ..
ويتبلور مفهوم أمن الطاقة الصيني على ضرورة تأمين واردات الطاقة بالتحرك على المسارين الداخلي والخارجي بهدف تنويع الامدادات وتحقيق أمن الطاقة. بينما تسعى اليابان وكوريا الى تأمين الكميات الكافية من النفط والغاز الطبيعي المسال باسعار مناسبة للحفاظ على قدراتها الصناعية التنافسية .
ومن خلال تحليل وفهم تلك المفاهيم السابقة حول أمن الطاقة واختلاف مفهومها من دولة لأخرى، فمن الممكن صياغة تعريف مناسب لمفهوم أمن الطاقة وهو توافر الكميات المطلوبة في الأسواق العالمية بأسعار مناسبة ومستقرة ومستدامة، مع ضرورة العمل على تنمية مصادر الطاقة المتاحة من خلال التكنولوجيا، ومع البحث عن مصادر جديدة تلبي الحاجة المتزايدة للطاقة، إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة، مع توافر الضمانات المناسبة للحفاظ على البيئة.
في ظل تصاعد العلاقة بين حالة الصراع والتنافس وفرض النفوذ وبين الموارد، أصبحت استراتيجيات السياسة الخارجية للعديد من البلدان تتعامل مع قضايا أمن الطاقة وتطوير البنية التحتية الخاصة بها بالاضافة إلى تشکيل نظام طاقة مشترک، کعوامل جيوسياسية رئيسية تتحدد معها نفوذ الدولة ومدى تأثيرها، ويتم التعامل مع أمن الطاقة کمتغير أساسي لقوة الدولة وکأداة حاسمة لفرض النفوذ، وقد تعددت التعريفات المطروحة لأمن الطاقة ووفقا لمصالح الدولة، وأهداف أمن الطاقة، والمفاهيم الجيوسياسية التي تتناول أمن الطاقة من خلال المعايير الأربعة الرئيسية لموارد الطاقة وعلاقتها بقوة الدولة ونفوذها السياسي، وحاليا تصل استثمارات سوق الطاقة العالمي الى حوالي 2.4 تريليون دولار ، ويرتبط أمن الطاقة بالعديد من التحديات التي لها آثارها الواضحة على استراتيجية أمن الطاقة العالمية والإقليمية، وهو الأمر الذي يدفع بالدول الكبرى إلى تبني سياسات العمل على امتلاك أدوات متنوعة تتفق مع الأوضاع الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي ومن أهم تلك التحديات:
حدوث تغيرات سياسية وأمنية جوهرية في الدول المنتجة للطاقة والبترول.
التحديات التي من الممكن أن تواجهها شركات البترول العالمية، وهذه التحديات يمكن تلخيصها في ثلاثة نقاط رئيسية والتي من الممكن أن تحد من قدرة وفاعلية تلك الشركات وبالتالي قدرتها على التصدير إلى السوق العالمية وهي : التهديدات الأمنية التي قد يتعرض لها موظفيها ومنشأتها ، والتهديدات التي قد تنتج عن مصالح سياسية، وذلك عن طريق تغير في قوانين عقود الاستثمار ، والصورة السلبية عند الشعوب بحق الشركات العالمية والتي توصف بأنها شركات عدوة الشعوب وسارقة لخيراتها.
حدوث اختلال في توازن عمليتي العرض والطلب في أسواق الطاقة العالمية، بسبب التزايد المستمر في استهلاك موارد الطاقة وبالأخص البترول والغاز، وأيضًا مع تزايد النمو السكاني العالمي وخاصة في دول شرق القارة الآسيوية مثل دولتي الصين والهند، وبالتالي فإن موارد الطاقة المتاحة بكافة مصادرها مازالت غير كافية على تلبية الطلب العالمي المتزايد وبقوة الذي يشهد ارتفاعًا ملحوظًا سنويًا.
القيود المفروضة على امدادات الطاقة المختلفة، وتم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع أساسية وهي:
إعاقة الحظر، وهي التي تنشأ من فرض دولة مستهلكة قيود على استيراد من دولة منتجة معينة.
إعاقة من خلال فرض قيود على الصادرات، وتنشأ عندما ترغب دولة منتجة أو مجموعة من الدول المنتج في فرض قيود على صادراتها لأسباب سياسية أو استراتيجية.
إعاقة لأسباب قهرية، وتنشأ عندما لا يستطيع المنتج أو المورد تصدير إنتاجه من الطاقة وذلك نتيجة لظروف داخلية أو خارجية مثل الحرب والأوبئة العالمية.
استهداف المنظمات الإرهابية لمصادر الطاقة وبناها التحتية وامداداتها الرئيسية.
التحديات التي تواجهها شركات البترول العالمية، وهذه ثلاث تحديات رئيسية تحد من قدرتها وفاعليتها وبالتالي قدرتها على التصدير إلى السوق العالمية وهي : التحدي الأول: الصورة السلبية عند الشعوب بحق هذه الشركات التي توصف بأنَّها شركات عدوة الشعوب وسارقة لخيراتها. و التحدي الثاني: يتعلق بالتهديدات الأمنية التي قد يتعرض لها موظفيها ومنشأتها. والتحدي الثالث: التهديدات التي قد تنجم من مصالح سياسية، وذلك عن طريق تغير في قوانين عقود الاستثمار.
حدوث تغير امني وسياسي جوهري في الدولة المعنية.
يعود مفهوم أمن الطاقة إلى بداية الحرب العالمية الأولى، عندما حوّلت البحرية البريطانية سفنها من الفحم إلى النفط، بهدف زيادة سرعتها. وذلك بفكرة من تشرشل 1911 ثم شاع استعمال هذا المفهوم بشكل كبير بعد المقاطعة النفطية التي فرضتها بعض الدول العربية على الولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل في حرب اكتوبر 1973م. واعتبروا ان حظر قطع موارد الطاقة هو تهديد عسكري ، ثم حظر ما بعد الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979، وبعد التهديدات الإرهابية لمنشأة البترول الضخمة في دول الخليج العربي، ذات الثقل الاستراتيجي في السوق الدولية للطاقة ، وعليه ارتفعت أسعار البترول بشكل كبير. وبعد هذه الأحداث الدولية أصبح مفهوم أمن الطاقة واضحاً في إستراتيجية الأمن القومي للدول الصناعية الكبرى، فقد عَمِلَتْ هذه الدول على صوغ إستراتيجية قومية محكمة للحفاظ على الطاقة داخلياً وخارجياً، وبدأت بصرف الأموال على الأبحاث والدراسات المختصة بأمن الطاقة. ونتيجة الاهتمام بأمن الطاقة، تأسّست وكالة الطاقة الدولية عام 1974 ومنذ ذلك الحين بدأت الإشكالية في تحديد مفهوم واحد لأمن الطاقة سواء من قبل الدارسين والباحثين. أو من قبل جهة الدول المنتجة وكذا من قبل جهة الدول المستهلكة، فهناك أبعاد سياسية وأمنية وبيئية، وعوامل اقتصادية متعلقة بعوامل الطلب والعرض وجميعها عوامل مؤثرة في تحديد مفهوم أمن الطاقة.
ان اختلال منظومة أمن الطاقة العالمي قد يحدث لأسباب طبيعية، كالظروف المناخية من أعاصير وزلازل وغيرهما من الظروف الطبيعية التي تؤثر في إمدادات الطاقة من مصادرها المتعددة، فالظروف الطبيعية تختلف في تأثيرها بناء على نوع مصدر الطاقة، فعلى سبيل المثال، الغيوم لن تؤثر في مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري، لكنها تؤثر بشدة في الطاقة الشمسية. سرعة الرياح، على سبيل المثال، لن تؤثر في الطاقة الشمسية ولا في الوقود الأحفوري، لكنها تؤثر بلا شك في طاقة الرياح، والأمثلة على تباين تأثير الظروف الطبيعية في مصادر الطاقة كثيرة جدا لا يسع المقال لذكرها. اختلال منظومة أمن الطاقة العالمي قد يحدث أيضا لأسباب فنية بحتة، والأسباب الفنية تختلف باختلاف مصادر الطاقة، فالمشكلات الفنية التي قد تعرض أسواق النفط للخطر تختلف عن الأسباب الفنية التي قد تهدد منشآت الطاقة النووية للاستخدام السلمي. او المحطات الشمسية والمائية والرياحية ، ولذلك من الطبيعي أن يسلط العالم الضوء على تقلبات أسواق النفط ويتأثر بها بصورة أكبر، لكون النفط يتربع على صدارة مصادر الطاقة العالمية ، وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل الطاقة وأمنها هو تعاطي بعض الدول وصناع القرار مع هذا الملف برعونة، وبنظرة ضيقة تخدم أجندات سياسية لتحقيق أهداف آنية ليس لمستقبل أمن الطاقة العالمي مكان في هذه الأجندات .
جميع دول العالم أو، خاصة القوى العظمى عالمياً حينما تسعى إلى امتلاك مصادر الطاقة والتحكم في مفاتيحها عالمياً تكون طامحة إلى تحقيق الكثير من الأهداف، من أهمها:
أولاً: إن امتلاك الدولة لمصادر الطاقة تنعكس آثاره على سرعة دوران عجلة الاقتصاد القومي لها، وهو الأمر الذي يعمل على تعزيز نفوذها وقوتها كدولة ذات طابع سياسي واقتصادي، خاصة مما سينعكس على حضورها بشكل فعال وقوي على المستويين الإقليمي والدولي، وهو الأمر الذي يضمن لها أيضاً دورا فعالا في القضايا الدولية،
ثانياً: مع امتلاك الدولة لمصادر الطاقة ومنابعها تحصل على مزايا اقتصادية وسياسية، ومن أهمها ميزة توفير عنصر الأمن، الذي يأتي مصاحباً له حالات من الاستقرار السياسي المستمر ويعتبر ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والسياسية في الدولة، مما ينعكس آثاره على انطلاق الدولة خارجياً وتعزيز سياستها الدولية. بل إنها أصبحت اليوم تحتل مرتبة في غاية الأهمية في مختلف الأجندات الدولية السياسية والاقتصادية، وتحتل مصادر الطاقة أهمية بالغة في عملية تشكيل ملامح المشهد الجيوسياسي ولها انعكاسات وآثار بالغة الأهمية فى العلاقات الدولية، حيث كانت ولازالت مصدراً للأزمات والصراعات الإقليمية والدولية، إذ لا يمكن تصور استمرار رفاهية الدول الكبرى والقوي العظمي عالمياً دون ضمان لبوابات العبور إلى مصادر الطاقة المختلفة، ومن هنا أصبحت الطاقة ومصادرها ضمن مقررات العلاقات الدولية والأمن الدولي.
لقد كان النفط أو البترول واكتشاف مصادره ومنابعه وكذلك طرق حمايته وإيصاله، من أهم الأسباب والعوامل التي لعبت دوراً اساسياً في الحرب العالمية الأولى والثانية، ورسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم، وتشكل مصر أحد أهم مراكز الغاز في الشرق الأوسط لامتلاكها منابع غاز كبيرة في شرق المتوسط وفي مياهها الإقليمية الشمالية ولوجود محطات تسيل فريدة ومميزة للغاز وتصديره لديها، بالإضافة إلى دور مصر وأهميتها في “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يشكل احدى معادلات الإقليم الجديدة، لقد دخلت الكهرباء الى مصر عام 1893 وتم انشاء اول وزارة للكهرباء 1964 وتعرضت مصر لأزمة انقطاعات الكهرباء 2013 -2014 نظرا لزيادة الإستهلاك عن الإنتاج وسارعت آنذاك بوضع وتنفيذ الخطة العاجلة وتنفيذ صيانة المحطات وانشاء محطات جديدة وتوفير وقود وتنفيذ مشروعات طاقة متجددة ( شمسية ورياح ) وتنفيذ الربط الكهربائي الدولي والتوعية بالترشيد وبنظم كفاءة الطاقة وتطوير شبكات النقل والتوزيع وانشاء مراكز للتحكم وتركيب عدادات ذكية ومسبقة الدفع وجاري انشاء المحطة النووية ضمن مزيج تنوع الطاقة ومنتدى غاز المتوسط وغير ذلك من الجهود التي قفزت بترتيب مصر عالميا ، وهكذا نستطيع القول أن الاستقرار والسلام والأمن الدولي و المجتمعي والشعبي مرتبط بقدر كبير بأزمة الطاقة والتحديات الموجودة لأمن الطاقة وبالحروب والصراعات وإعادة هيكلة العلاقات الدولية والتحالفات السياسية والعسكرية لأجل تحقيق ذلك الأمن. ويمكننا القول، إن رسم الخرائط الجديدة للمنطقة والعالم وظهور المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة مرتبط بمنابع الغاز والطاقة بشكل عام وبطرق الإمداد والإيصال وخطوط مد الأنابيب واسعار الاستهلاك، وبالتالي يتصدر أمن الطاقة و الأمن الغازي العالمي وأمن الغذاء والأمن المائي ودورة الاقتصاد والحياة المرافقة والتداعيات الحاصلة واختلال توازن أمن الطاقة، نتيجة الأزمة الأوكرانية صادرة اهتمامات النظام العالمي وكذلك محط أنظار وترقب واحساس المجتمعات وشعوب المنطقة والعالم، ولأجل تجاوز أزمات المنطقة والعالم ومنها أزمة الطاقة على كافة المستويات، لابد من التخلص من الذهنية و العقلية الدولتية السلطوية ومقارباتها ومنطق الاقتصاد السياسي للرأسمالية الاحتكارية ولا بد من رؤية اقتصادية مجتمعية ديمقراطية وتشاركية محلية وإقليمية وعالمية تتجاوز منطق الربح الأعظمي والهيمنة والنهب للنظام العالمي الرأسمالي الذي تسبب بالأزمة الحالية وبكل الأزمات منذ يوم سيادته لنظم للحياة والإدارة والتي لا تزيد الواقع والحياة سوى بوساً وسوءً وتناحراً وصراعات من أجل الهيمنة والمركزية في النظام العالمي، في حين أن بالإمكان أن تكون الطاقة والتشارك والتكامل فيها أساساً لحل القضايا الوطنية ولبناء نظم ديمقراطية وأمم ديمقراطية وكونفدراليات ديمقراطية تتجاوز الأبعاد القوموية الفاشية والسلطوية الدولتية التحكمية في استغلال الطاقة وكل الثروات الطبيعية لأجل الحكم والسيطرة واستغلال الأخر واقصائه وتصفيته بدل التشارك والاحترام والعيش المشترك والحياة المستقرة الحرة والديمقراطية التي يجب أن تكون. ويُرجح أن تؤثر هذه التغيرات بشكل كبير في علاقة دول الخليج العربي ببقية دول العالم، خاصة أن المملكة السعودية وحدها تزود الصين بما يصل إلى 18% من احتياجاتها من النفط الخام، وسط قلق تبديه الدول الغربية بشأن الطموحات السياسية الصينية المستقبلية في المنطقة ، يأتي ذلك مع أحدث تقرير صادر عن السوق النفطية لـ«وكالة الطاقة» في مارس 2023، الذي توقع أن الطلب العالمي على النفط «سيتسارع بشكل حاد» خلال العام المقبل، خاصة مع قيام روسيا بتخفيض إنتاجها بدلًا من الخضوع لسقف الأسعار الدولي، وفي وقت «يتقلص» فيه احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي بعد أن أيدت إدارة «بايدن» عمليات سحب متعددة خلال عام 2022. ، وهناك عنصر آخر أصبح يتحدى المكانة الرائدة لدول الخليج في سوق الطاقة العالمية، وهو تركيز الغرب على تعزيز مصادر الطاقة المتجددة من أجل تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن الحالي، علاوة على ذلك، حتى في حالة حدوث التحول نحو الاقتصاد الأخضر في سوق الطاقة العالمية، فإن هذا لا يعني أن الغرب سيكتسب سيطرة واضحة على منافسيه. فمع قيام دول الخليج بتسريع وتيرة استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وإنتاج الهيدروجين، فقد أولت الصين أيضًا اهتمامًا كبيرًا لمبادراتها الخاصة بتوليد الطاقة الخضراء، وهي رائدة العالم بلا منازع في التوسع في مجال الطاقة المتجددة .
في الأعوام الخمسة الأخيرة شهد العالم كثيرا من المتغيرات والأحداث الجوهرية، وواجه كثيرا من التحديات التي أثرت فيه وفي مفاصله الحيوية في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها. جائحة كورونا التي شلت الاقتصاد العالمي وطالت جل الأنشطة الاقتصادية، ولم تكن أسواق الطاقة عموما، وأسواق النفط خصوصا، بمعزل من آثار هذه الجائحة الحادة، حيث انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي فرضه كثير من الدول. أدى إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر، إلى انخفاض الطلب على النفط ومشتقاته ومنها وقود الطائرات، وغيرهما من العوامل التي هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية، وسجلت أسعارا لم يسبق لها مثيل. وتعطل سلاسل الإمداد والعقوبات والتهديدات النووية ، وتسبب حرب روسيا اوكرانيا في ارتفاع اسعار الطاقة الأحفورية ، فزاد نمو قطاع الطاقة المتجددة . في النهاية يمكن القول أنَّ هناك علاقة تأثيرية بين الأمن القومي وأمن الطاقة، اصبح أمن الطاقة مكون أساسي للأمن القومي، واصبح حماية أمن الطاقة لا يقل عن أهمية حماية الأراضي ضد أي عدوان خارجي الأمر الذي دفع الدول للتنافس للسيطرة على الحصة الأكبر من موارد الطاقة، الأمر الذي دفع الدول إلى وضع استراتيجيات لتحقيق أمن الطاقة. لاشك ان أزمات الطاقة المستقبلية يمكن أن تحبط طموحات التوصل إلى الانبعاثات الصفرية وجهود معالجة ظاهرة الاحترار وكوارث التغيرات المناخية ، ويبقى الأمل بالتعاون لتحقيق الهدف السابع ضمن اهداف التنمية المستدامة والتي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، بضرورة توفير طاقة نظيفة وبأسعار معقولة للجميع..
د.م/ محمد سليمان اليماني
رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة
Dr-msm@live.com