يستعرض البنك الأوروبي للاستثمار والمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء “سيغاب” حالة قطاع التمويل الأصغر في أفريقيا في سياق أزمة كوفيد-19، في التقرير الأخير للبنك الأوروبي للاستثمار حول التمويل في أفريقيا.
وأشار التقرير إلى أنّ الرقمنة ساعدت في تعزيز قدرة مزوّدي خدمات التمويل الأصغر الأفارقة على الصمود والاستمرار في خدمة عملائهم، ومع ذلك، فإن قطاع التمويل الأصغر لم يجتاز الصعوبات ولم تتخلّص منها بعد، حيث أن آثار هذه الجائحة لن تزول نهائيًا في وقت قصير، وحتّى المؤسسات الكبيرة والراسخة قد تواجه صعوبات في إعادة استئناف عمليات الإقراض في الوقت الذي تتعامل فيه مع القروض المتعثرة في دفاترها، ما الذي يجب توفيره لكي تستمر الرقمنة في تحفيز الشمول المالي في أفريقيا؟ وكيف يمكن لمؤسسات التمويل الإنمائي والمؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الأوروبي للاستثمار، أن تساهم في التحوّل الرقمي الناجح للقطاع المالي؟
التمويل لأغراض الابتكار الرقمي وليس فقط لمؤسسات التقنية المالية
أتاحت الخدمات المالية الرقمية بشمل الجماعات التي لم تحصل على الخدمات سابقًا والتي لم تكن تحظى بالقدر الكافي منها في أفريقيا، وبالتالي زيادة المداخيل والحدّ من الفقر، بدأت رحلة التحوّل الرقمي في إفريقيا، في البداية، عبر المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل مؤسسات التقنية المالية التي ساعدت في إطلاق الخدمات النقدية عبر الأجهزة المحمولة في القارة، ومؤخرًا، دفعت جائحة كوفيد-19 المصارف إلى زيادة عروضها الرقمية أيضًا.
ووفقًا للاستبيان الذي أجري في عام 2021 من قبل البنك الأوروبي للاستثمار والذي شارك فيه 78 مصرفًا أفريقيًا، دفعت الجائحة 9 من بين كل 10 مصارف إلى تسريع الرقمنة، وأفادت جميع تلك المصارف تقريبًا أنها ستستمر في اعتماد القنوات الرقمية بشكل دائم.
ومع رقمنة قطاع الخدمات المالية بالكامل، بدأت مؤسسات التمويل الإنمائي والمؤسسات المالية الدولية بتوفير الدعم للأطراف الفاعلة القديمة والجديدة على حد سواء.
ويعمل البنك الأوروبي للاستثمار مع المفوضية الأوروبية وبنك التنمية الأفريقي، في إطار مبادرة الترويج لأفريقيا، على دعم تطوير منظومة بيئة ديناميكية لرأس المال الاستثماري ونظام الأسهم الخاصة في أفريقيا، حيث تشكّل هذه الأموال مصدرًا رئيسيًا لدعم الشركات الناشئة في أفريقيا، بما في ذلك في مجال التمويل الرقمي، وإن نجاح الاستثمار في هذه الأموال وتحقّق النجاح لدى المستثمرين فيها سيساهم في تحفيز المزيد من التمويل لأغراض الابتكار.
كذلك، يمكن لمؤسسات التمويل الإنمائي والمؤسسات المالية الدولية أيضًا أن تساعد أطراف فاعلة راسخة مثل المصارف ومزوّدي التمويل الأصغر وعملائهم في إدارة التحوّل الرقمي، وأفادت المصارف التي شملها الاستبيان الذي أجراه البنك الأوروبي للاستثمار أنّ الأمن السيبراني والحاجة إلى ترقية البنية التحتية لتقنية المعلومات هما بشكل عام الحواجز الرئيسية أمام تعزيز الرقمنة ، ويمكن تناول هذه الحواجز والفجوات وإزالتها من خلال استثمارات المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التمويل الإنمائي، هذا وأن تقديم عروض رقمية أفضل عبر الجهات الفاعلة الراسخة والجديدة سيساعد في تحفيز خيارات العملاء والمنافسة، ما من شأنه أن يعّزز بدوره كفاءة وديناميكية القطاع المالي.
زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية
في حين أنّ تحسين تغطية الشبكة سيساهم في زيادة إمكانية الوصول إليها، فإنّ تحسين جودتها سيتيح للمؤسسات المالية أن تقدّم مجموعة أوسع وأفضل من الخدمات الرقمية التي تستهدف أيضًا المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة الحجم والعملاء من بين الشركات، وخلال السنوات الخمس الماضية، عمل البنك الأوروبي للاستثمار على جمع 2.5 مليار يورو لمشاريع الاتصال الرقمي في أفريقيا، والتي استهدفت 70% منها شركات القطاع الخاص العاملة في مجالات البنية التحتية والحلول الرقمية الابتكارية، وفي عام 2018، دعمت مشروعًا مع مزوّد خارجي للاتصالات في كينيا “تلكوم كينيا المحدودة” لزيادة تغطية شبكتي الجيل الثالث والجيل الرابع وتحسين عروضها للمؤسسات.
مبادرات تهدف إلى تعزيز الثقافة الرقمية والمالية
وفقًا لتقرير الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول “جي إس إم إيه”، فإنّ 81% من سكّان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا كانوا يعيشون في مناطق تغطيها شبكة النطاق العريض المتنقّل، ولكن 28% فقط استخدموها ، وهو المعدل الأدنى لاستخدام الإنترنت المحمول في العالم. وقد أشار مستخدمو الأجهزة المحمولة الأفارقة المشاركون في الاستبيان الذي أجرته “جي إس إم إيه” إلى أنهم لم يستخدموا الإنترنت المحمول بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكلفته ولكن كثيرين لم يستخدمونه بسبب افتقارهم للمهارات والثقافة الرقمية.
إنّ الجهود المبذولة في تعزيز الثقافة الرقمية والمالية ستدعم استثمارات المؤسسات المالية الدولية. على سبيل المثال، حاليًا، يقوم صندوق الشمول المالي، الذي أنشأه البنك الأوروبي للاستثمار مع حكومة لوكسمبورغ باعتبارها المساهم الوحيد، بتمويل مجموعة من مشاريع بناء القدرات في هذا المجال، وينطوي أحد هذه المشاريع على مساعدة المزوّد المغربي للتمويل الأصغر، مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر، على تدريب الإناث والشباب على الريادة في المشاريع وكيفية إدارة أعمالهم وتنميتها، مع التركيز على رقمنة العمليات والتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى تقديم إرشادات حول كيفية الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية، مثل المحافظ الإلكترونية، واستخدامها.
مُمارسات في حماية العملاء تواكب الابتكار
قد يقع عملاء مزوّدي الخدمات الرقمية فريسة للاحتيال أو المديونية المفرطة. وعلى الرغم من إنّ هذه المخاطر قائمة حاليًا لدى مزوّدي الخدمات التقليديين، ولكنها قد تتفاقم عندما لا يفهم العملاء الخدمات الرقمية جيدًا وعندما لا تكون الخدمات خاضعة لرقابة تنظيمية كاملة، تتوقع أغلب مؤسسات التمويل الإنمائي والمؤسسات المالية الدولية أن يؤيد المستفيدون من التمويل الأصغر مبادئ حماية العملاء القائمة على أفضل الممارسات، وتقوم بتقدير قدرة مزوّدي الخدمات على الالتزام بها أثناء عملية التقييم، ولعّل أهم الجوانب هنا هي الشفافية، حيث يتعين على المؤسسات المالية أن تقدّم شروطًا وأحكامًا واضحة وتتسمّ بالشفافية في كل الخدمات الرقمية والخدمات التقليدية.
لوائح تنظيمية تحدّ من المخاطر وتعزّز المنافسة
لا شكّ أنّ الخدمات المالية الرقمية يمكنها تحفيز الشمول المالي باستمرار. ومع ذلك، قد يفرض التمويل الرقمي أيضًا مخاطر إضافية على كلّ من المؤسسات والعملاء، مثل تهديدات الأمن السيبراني والحيل المالية.
ويتعين على أفريقيا أن تضع لوائح تنظيمية شاملة لمعالجة المخاطر المالية الكلية المرتبطة بهذا التحوّل، وفي عام 2021، وضع 33 بلدًا أفريقيًا لوائح تنظيمية شاملة حول المعاملات الإلكترونية، في حين وضع 39 بلدًا في المنطقة لوائح تنظيمية تتناول الجرائم السيبرانية.
ولابدّ أن تشمل اللوائح التنظيمية كافة الجهات الفاعلة ذات الصلة، وليس فقط المصارف، بهدف ضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلكين في الوقت نفسه، ولكن توفير هذا التوازن لن يكون سهلاً، خاصة مع تطوّر المنتجات والخدمات الرقمية بسرعة ومع دخول أطراف فاعلة وحلول جديدة إلى السوق بشكل مستمر.
تؤدي المؤسسات الدولية دورًا هامًا في دعم عملية وضع اللوائح التنظيمية. على سبيل المثال، تساعد المراكز الإقليمية للمساعدة الفنية التابعة لصندوق النقد الدولي، بدعم من البنك الأوروبي للاستثمار وغيره من شركاء التنمية، السلطات في أفريقيا على تعزيز الإشراف على القطاع المالي وتنظيمه، وتستجيب لطلبات الدعم والمشورة الواردة من أعضائها في مجال تنظيم الخدمات الرقمية والخدمات المالية الرقمية، على سبيل المثال، عمل مركز شرق أفريقيا مؤخرًا مع السلطات المحلية لتمتين عمليات الإشراف على الأمن السيبراني.
معالم المراحل القادمة بدأت تتكشّف
على الرغم من الصعوبات والشكوك التي تخيّم على البيئة الاقتصادية اليوم، فإن المؤسسات المالية الأفريقية تمهّد الطريق نحو خدمات مالية رقمية تتسمّ بقدر أكبر من الفعالية والكفاءة. وتؤدي مؤسسات التمويل الإنمائي والمؤسسات المالية الدولية دورًا محفزًا في دعم التمويل الرقمي من خلال الإقراض، ومزج المؤسسات المالية الأفريقية وتقديم المشورة لها، ولأن التحوّل يجري بسرعة، من المهمّ جدًا أن يسعى صانعو السياسات والمؤسسات المالية إلى مشاركة ملاحظاتهم حول الأساليب الناجحة والتحدّيات.
ويمكن للمؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التمويل الإنمائي المساهمة بشكل كبير من خلال تيسير هذا النوع من تبادل المعرفة، على سبيل المثال، في شهري أكتوبر ونوفمبر 2021، قدّمت أكاديميات الخدمات المصرفية والتمويل الأصغر التابعة لبنك الاستثمار الأوروبي في شرق وغرب ووسط أفريقيا مساحة للمؤسسات المالية وصانعي السياسات لمناقشة تجاربهم في مجال الرقمنة ومشاركة الملاحظات حول كيفية الاستجابة إلى التحديات الناشئة.
*تعمل روبرتا ليزما في قسم الاقتصاد لدى البنك الأوروبي للاستثمار، تستند هذه المقالة على تحليل كلاوديو كالي ونينا فينتون من البنك الأوروبي للاستثمار وهنري غونزاليس من “سيغاب”.
ويقرّ المؤلف بامتنان بالدعم الذي قّدمه زملاؤه في البنك الأوروبي للاستثمار، بمن فيهم فرانشيسكو بوليتو كورتيز وإيما – جاين بول ووحدة الخدمات المالية الشاملة، فضلًا عن أوليفييه إدلمان، رئيس وحدة التمويل الأصغر.
هذه المقالة هي جزء من حلقات المدونة “القدرة على تسديد الديون في قطاع التمويل الأصغر في زمن جائحة كوفيد-19،” التي تنظر في القضايا الرئيسية في ظل جائحة كوفيد-19 والسبل التي يمكن اعتماها في المراحل القادمة في القطاع.