صــــــــــلاح الفائـــــــق
في سابقة تاريخية اقر الفيدرالي الأمريكي رفع نسبة الفائدة الى 0.75% والذي يعتبر النسبة الاعلى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
المشـــــــــــــــكلة
بالرغم من تصريحات مدير الفيدرالي الأمريكي بأن الحرب الروسية كان لها الأثر المباشر في التضخم الحاصل في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن بوادر الأزمة كانت في حزم الانقاذ التي أطلقها الرئيس الامريكي بايدن في العام الماضي لإنعاش الاقتصاد الأمريكي جراء الإغلاق الناجم عن جائحة كورونا في العام 2020، تضمنت خطة الإنقاذ إصدارات نقدية تقدر بـ 2 تريليون دولار أمريكي في شكل إعانات حكومية لزيادة الإنفاق الاستهلاكي، نجم عن ذلك زيادة في الطلب مقابل انخفاض ملحوظ في العرض، كانت خطة الإنقاذ غير واقعية على اعتبار أن البنوك شهدت خلال فترة الجائحة ارتفاع في حجم الودائع جراء زيادة المدخرات.
في ذلك الوقت ظهرت أزمة تدفق السلع في ارتفاع تكاليف النقل وهو ما أسهم في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، كان لدى الصين رؤية أكثر واقعية للأزمة في تطبيق إجراءات تخزين كبير للمواد الغذائية والسلع في حين انشغلت الحكومات في العالم بمحاولات حثيثة للعودة الى النشاط، ولم يمض وقت طويل على هذه الأحداث حتى نشبت الحرب الروسية- الأوكرانية التي تسببت بأزمة كبيرة في تدفق السلع الأساسية ومصادر الطاقة، وأسهمت العقوبات المفروضة على روسيا الى مفاقمة الأزمة في مصادر الطاقة خاصة للقارة الأوروبية على اعتبار أن روسيا تعتبر أكبر منتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية وأول منتج للغاز، وأزمة أخرى في القمح، وأسهم ذلك في ظهور انقسامات ومخاوف لدى الدول ومحاولة حماية اقتصاداتها و/أو الاستفادة من الأزمة لبناء استقلاليتها عن تبعية الدول العظمى المنشغلة بالأزمة، كل هذه الأحداث فرضت إعادة ترتيب الأوضاع وفقا للمعطيات المستجدة.
خلال هذه الفترة شهد المخزون الاحتياطي للنفط الأمريكي انخفاضا نتيجة ارتفاع الطلب على النفط عالميا وأسهم قرار روسيا ببيع مصادر الطاقة بالروبل الى انخفاض الاعتماد على الدولار في أكثر الأسواق رواجا واعتمادا في العالم.
هذه العوامل وأخرى أدت الى ارتفاع التضخم على وجه الخصوص في أمريكا وهو ما دفع الفيدرالي الأمريكي الى اتباع إحدى الوسائل القديمة في مكافحة التضخم برفع سعر الفائدة لامتصاص السيولة وهو ما سيتبعه آثار عميقة على الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
آثار رفع نسبة الفائدة على الاقتصاد الأمريكي
وفقا لآراء المحللين الاقتصاديين بأن رفع نسبة الفائدة سيوجد مزيدا من الأعباء نورد بعض ما ذكر منها:
– ركود تضخمي Stagnation: يشير هذا المصطلح الى حدوث زيادة في السلع في الأسواق في إشارة الى الركود، وارتفاع مضطرد في الأسعار في إشارة الى التضخم، هذه الظاهرة تشير الى صعوبات تواجه المواطنين في شراء السلع، وصعوبات تواجه المنتجين في تصريفها وهو ما يؤدي الى سلسلة من الأحداث تتمثل في زيادة البطالة وإفلاس الشركات.
– يعتبر القطاع العقاري أحد أكثر الأسواق الحيوية للاقتصاد الأمريكي ففي رواج السوق العقاري ينمو الإنتاج ويزداد التشغيل وتقل البطالة ومعها الدخول، ارتفاع سعر الفائدة سيعمل على الحد من نمو هذا القطاع وهو ما سيعود بنتائج عكسية.
– الأسواق المالية: يتوقع أن تتأثر الأسواق المالية أيضا بانخفاض قيم الأسهم والسندات لصالح ارتفاع الطلب على السندات الحكومية بسبب ارتفاع الفائدة وهو ما سيؤدي الى تأثير مباشر على الشركات الأمريكية.
انعكاسات رفع نسبة الفائدة على اقتصادات العالم
يعتبر الاقتصاد الأمريكي القوة المحركة للاقتصاد العالمي، وعطفا على ما حدث اتجهت دول كثيرة إلى رفع سعر الفائدة على الودائع بالدولار الأمريكي، ويعود السبب الى ظاهرة تسمى بالأموال الساخنة والتي ستؤثر على اقتصاد الدول في سلة العملات الأجنبية وعلى وجه الخصوص الدولار الأمريكي الذي يعتبر العملة الأساسية في التبادل التجاري في العالم منذ أزمة نيكسون في مطلع السبعينات من القرن المنصرم.
الأموال الساخنة
يشير المصطلح الى خروج /دخول أموال من دولة أخرى نتيجة مغريات العوائد، في هذا النموذج تتسرب الأموال بالعملة الأمريكية من الدول والاقتصادات النامية الى الولايات المتحدة الأمريكية جراء ارتفاع سعر الفائدة وهو ما سيؤثر حتما على الميزان التجاري والاحتياطي من العملات الأجنبية التي تقود لاحقا الى تضخم اقتصادي، شهدت مصر وتركيا في العقد الماضي لحركة الأموال الساخنة التي أثرت على الاقتصاد.
الاقتصاد في دول الخليج
بالرغم من قيام بعض الدول الخليجية برفع نسبة الفائدة مثل الكويت والإمارات تزامنا مع رفع الفائدة في أمريكا، إلا أن محللين يشيرون الى ضعف تأثير ما حدث على الاقتصاد الخليجي بسبب ارتفاع الطلب على النفط في الفترة الحالية وهو ما سيسهم في استقرار احتياطاتها من الدولار في ظل الأزمة الراهنة، الا أن هذا لا يعني بقائها في مأمن حيث شهد الشهر الماضي تحركات في الولايات المتحدة الأمريكية لاستصدار مشروع قرار يمنحها الحق بمقاضاة دول منظمة المنتجين للنفط OPEC في استغلال الأوضاع بخفض الإنتاج بهدف زيادة الطلب، وهذا لا يستبعد حدوثه في الفترة القادمة.
تأثيرات الأوضاع الراهنة على الاقتصاد اليمني
يصارع الاقتصاد اليمني منذ 8 سنوات أزمات عميقة جعلت البلد على حافة الانهيار على كل الأصعدة، في بلد يعتمد على النفط في تمويل ميزانيته وعجز متكرر في الميزانية العامة للدولة منذ ما يقارب عقدين ونيف الى بلد يعتمد على الإعانات وتحويلات المغتربين بشكل أساسي، تلوح أزمة إنسانية قد تكون الأكبر في القرن الحالي، فمنذ بداية الأزمة لم تكن الاستجابة للاحتياجات الطارئة بحجم الكارثة الإنسانية، في حين تحويلات المغتربين تتناقص بشكل تدريجي بسبب موجة الترحيل لأكبر الجاليات اليمنية في العالم الموجودة في المملكة العربية السعودية، وتأتي الأزمة الأوروبية لتلقي بظلالها على واردات القمح مع توجه للدول المنتجة للاحتفاظ بمخزونها الغذائي لمواجهة أزمة لا يعلم احد متى ستنتهي، في حين تنشغل الدول المانحة بمشاكلها الاقتصادية التي سيحد من قدراتها لتقديم الإعانات لحساب مشاكلها الداخلية، وهو ما يعكس موجات التضخم الجنونية في الآونة الأخيرة بالرغم من استقرار أسعار الصرف.
إلا أن بوادر الأمل تلوح أيضا في التوجه العالمي لإيقاف الحرب في اليمن من خلال الهدنة التي تمت بين الأطراف، وهو ما يستوجب قيام أطراف الصراع إلى الوصول الى تسوية تعيد النشاط الاقتصادي في البلد واستئناف تصدير النفط لتمويل الاقتصاد مع بناء توجه لتعزيز الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية ضمن توجه استراتيجي لتأمين الاحتياجات الطارئة وتقليل الاعتماد على الواردات بما يضمن الاستقلالية الاقتصادية ولو بشكل جزئي.