أصدر صندوق النقد العربي العدد التاسع والعشرين من سلسلة موجز سياسات بعنوان “واقع وآفاق قطاع التمويل متناهي الصغر في الدول العربية”.
الموجز يُلقي الضوء على الوضع الراهن لتطور أنشطة القطاع، والتحديات التي يواجهها، إضافة إلى أوضاع الرقابة على قطاع التمويل متناهي الصغر ومسؤوليات ودور السلطات الإشرافية ذات الصلة في تطوير المؤسسات العاملة به، وضمان التزامها بالمعايير الدولية، بما يدعم تحقيق النمو الاقتصادي الشامل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستقرار المالي.
كما يرصد الموجز تداعيات جائحة كوفيد-19 على أنشطة القطاع، والتدابير المُتبناة من قبل السلطات الإشرافية المعنية لمواجهة تلك الآثار.
وأشار هذا العدد إلى أن قطاع “التمويل متناهي الصغر” يعتبر من بين أهم القطاعات المالية التي تساهم في دعم مستويات النمو الشامل والاحتوائي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، و”التمويل متناهي الصغر” أو “التمويل الأصغر” هو نوع من أنواع الخدمات المالية التي يتم تقديمها للأفراد من ذوي الدخل المنخفض أو العاطلين عن العمل والشركات الصغيرة ومتناهية الصغر التي لا تتوفر لديها فرصة النفاذ إلى الخدمات المالية المُقدمة من خلال مؤسسات التمويل التقليدية وعلى رأسها البنوك.
وأوضح الموجز أن حجم سوق التمويل متناهي الصغر يُقدر على مستوى العالم بنحو 179 مليار دولار أمريكي في عام 2020، فيما يتوقع نمو حجم السوق إلى نحو 497 مليار دولار في عام 2030 بمعدل نمو مركب يبلغ نحو 11 في المائة خلال الفترة (2021-2030)، وفق التقديرات الدولية، يُعزى النمو المتوقع لحجم سوق التمويل متناهي الصغر عالمياً إلى العديد من العوامل من بينها ارتفاع عدد السكان غير المشمولين مالياً الذين يبلغ عددهم 1.7 مليار نسمة على مستوى العالم وفق تقديرات البنك الدولي، وارتفاع فجوة تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى نحو 5.2 تريليون دولار للمؤسسات العاملة في القطاع الرسمي، و2.9 تريليون دولار لمثيلاتها العاملة في القطاع غير الرسمي.
كما تعززت أهمية التمويل متناهي الصغر عالمياً في ضوء الدور الذي يلعبه على صعيد تمكين الحكومات في الدول النامية من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لاسيما فيما يتعلق بالأهداف الرامية إلى خفض مستويات الفقر العالمي، وتمكين المرأة، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير موارد مالية تمكن الدول النامية من تمويل أهداف التنمية المستدامة وسط فجوة تمويلية ارتفعت في أعقاب جائحة كوفيد-19 لتصل إلى نحو 4.2 تريليون دولار مقابل قبل الجائحة وفق تقديرات الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتطرق الموجز إلى واقع قطاع التمويل متناهي الصغر في بعض الدول العربية، حيث أشار إلى ارتفاع عدد مؤسسات التمويل متناهي الصغر في سبع دول عربية توفرت عنها بيانات عن نشاط القطاع ليصل إلى 84 مؤسسة في عام 2021، يتوزع نحو 77 في المائة منها في كل من السودان ومصر اللتان يتوفر بهما العدد الأكبر من هذه المؤسسات بنحو 47 مؤسسة في السودان و18 مؤسسة في مصر، فيما تتوزع باقي المؤسسات في فلسطين، وتونس، وقطر، والسعودية.
سجل كل من إجمالي أصول مؤسسات التمويل متناهي الصغر، والتمويل الممنوح من قبلها تبايناً ما بين الدول العربية خلال الفترة (2015 – 2020)، بما يعكس عدد من العوامل التي تختلف من دولة عربية إلى أخرى، ففي حين سجل إجمالي أصول هذه المؤسسات ارتفاعاً في كل من تونس والسعودية وفلسطين، شهد تراجعاً في كل من السودان، وقطر. كما سجل كذلك حجم التمويلات الممنوحة من قبل هذه المؤسسات ارتفاعاً في كل من تونس وفلسطين والسعودية ومصر، بينما تراجع في كل من السودان وقطر خلال نفس الفترة.
شهد عدد العملاء النشيطين لمؤسسات التمويل متناهي الصغر نمواً ملحوظاً في عدد من الدول العربية خلال الآونة الأخيرة، حيث سجل نمواً بنسبة تقارب 56 في المائة خلال الفترة (2018-2020) في السعودية، ونما بنسبة 38 في المائة في السودان خلال الفترة (2015-2020)، كما زاد عدد عملاء التمويل متناهي الصغر في مصر بنسبة 10 في المائة مؤخراَ ليصل إلى 3.4 مليون عميل بنهاية الربع الثالث من عام 2021، مقابل 3.1 مليون عميل لنفس الفترة من عام 2020.
كما شهدت قيمة التمويلات الممنوحة من قبل مؤسسات التمويل الأصغر في مصر ارتفاعاً لتصل إلى 24.4 مليار جنيه بنهاية شهر سبتمبر من عام 2021 بزيادة نسبتها 35 في المائة، مقارنة بقيمة التمويل الممنوحة من قبل هذه المؤسسات بنهاية شهر سبتمبر من عام 2020، ما يشير في مجمله إلى النمو المتسارع لنشاط القطاع في عدد من الدول العربية.
وفي سبيل الاستفادة من الفرص التي يوفرها التحول الرقمي، اتجهت بعض الدول العربية مثل مصر إلى تقديم منتج التمويل الأصغر “النانو” “Nano Micro finance” الذي تم الترخيص له من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في عام 2019 ويعتمد بشكل أساسي على التقنيات الرقمية بهدف توفير احتياجات ومتطلبات رأس المال العامل لصغار المزارعين والأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص.
وترتكز آلية عمل المنتج على استخدم التقنيات المالية الحديثة في كافة مراحل منح التمويل من خلال استخدام تطبيقات تتوفر من خلال الهواتف الذكية لمنح التمويل متناهي الصغر استناداً إلى نظام لتحليل المعلومات الائتمانية باستخدام تقنيات تعلم الآلة (Machine Learning).
من حيث القروض الممنوحة وفقاً للنوع الاجتماعي، وفي ظل الأهمية الكبيرة التي توليها الحكومات العربية للتمكين الاقتصادي للمرأة، يُلاحظ ان نسبة القروض متناهية الصغر الممنوحة للإناث لا تزال أقل من مثيلاتها الممنوحة للذكور في بعض الدول العربية مثل السعودية وفلسطين بنسبة تبلغ نحو 27 و29 في المائة من إجمالي قروض التمويل متناهي الصغر.
على غرار القطاع المصرفي ككل، تأثرت مؤسسات التمويل متناهي الصغر بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة الصحية التي أضعفت قدرة عملاء هذه المؤسسات على السداد.
ولقد عانى عدد كبير من المستفيدين من توقف نشاطهم وبالتالي لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم، ونتج عن الجائحة نقص التمويل المتاح لمؤسسات القطاع، والضغط على أوضاع السيولة، وتراجع أداء المحافظ، وإجهاد ربحية القطاع الذي تعرض لأول مرة لخسائر في بعض الدول العربية.
أوضح الموجز أن قطاع التمويل متناهي الصغر في الدول العربية يواجه بعدد من التحديات والمخاطر لعل من أهمها الإفراط في المديونية بسبب عدم قدرة عملاء التمويل متناهي الصغر على الوفاء بالقروض بسبب الاقتراض من عدة جهات مختلفة، جراء اضطرارهم للحصول على التمويل اللازم من مصادر متعددة مـن أجـل الوفاء باحتياجاتهم، إضافة إلى تحديات ترتبط بتفاوت مستوى التركيز على إدارة المخاطر وتطبيق ممارسات الحوكمة السليمة بين المؤسسات العاملة في القطاع، بما يؤثر على استقرار ونمو القطاع وقدرته على تحقيق معدلات نمو جيدة، إلى جانب تعزيز ثقة المتعاملين بالسوق، وجذب المزيد من مصادر التمويل.
وفي سبيل العمل على التطوير المستمر للقطاع، تُواصل الجهات الإشرافية المسؤولة عن التنظيم والرقابة على مؤسسات التمويل متناهي الصغر في الدول العربية جهودها لدعم أنشطة القطاع من خلال سن وتحديث القوانين واللوائح التنظيمية ومواصلة عملها في نطاق الرقابة الدورية بهدف رفع معدل نمو القطاع من جهة، واحتواء وإدارة المخاطر المرتبطة به من جهة أخرى.
كما تعزز الجهات الإشرافية جهودها للعمل على تطبيق أحدث الممارسات الخاصة بتطبيق سياسات الحوكمة الرشيدة والامتثال إلى المعايير الدولية الصادرة عن الجهات المشرّعة ذات الصلة، المنظمة للقطاع، ومواكبة التطور التقني اللازم لدعم التمويل الأصغر للفئات المستحقة، علاوة على استمرار جهودها لتيسير النفاذ للخدمات التمويلية المختلفة بما يتوافق مع احتياجات المتعاملين في القطاع وصولاً إلى تعزيز مستويات الشمول المالي.
واستناداً إلى ما سبق، خلص الموجز إلى مجموعة من التوصيات على صعيد السياسات بهدف الاستمرار في تطوير قطاع التمويل متناهي الصغر بما يشمل، دمج قطاع التمويل متناهي الصغر في خطط واستراتيجيات التنمية المستدامة، وتعزيز مصادر تمويل مؤسسات القطاع، والاستفادة من الفرص التي يوفرها التحول الرقمي في خفض كلفة عمليات القطاع ورفع كفاءته، والتركيز على الإدارة الكفؤة لمستويات المخاطر، وتفعيل دور القطاع في التمكين الاقتصادي للمرأة العربية، وتطوير نظم المعلومات الائتمانية الداعمة لقطاع التمويل متناهي الصغر لتقليل مستويات المخاطر والإفراط في المديونية، والتركيز على حماية المستهلكين ونشر الثقافة المالية، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية لتطوير القطاع، علاوة على تشجيع التمويل متناهي الصغر المستدام.