بعد 80 يوماً من حرب أوكرانيا.. كيف تغيرت خريطة التضخم عالمياً؟

ارتباك شديد للاقتصادات في أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وسط تبني البنوك المركزية سياسات أكثر تشدداً للسيطرة على الأسعار.

مجموعة السبع تواجه أزمات شبيهة بحقبة الحرب الباردة بعد اشتعال أزمة الطاقة والغزو الروسي لأوكرانيا

يستعدّ قادة القطاع المالي في مجموعة دول السبع لإصدار أكبر تقييم لهم حتى الآن حول الكيفية التي تغير بها العالم عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا منذ 80 يوماً تقريباً، وهو ما أشعل صدمة تضخم جديدة، وهدد تعافي الاقتصادات في أعقاب جائحة كورونا.

بعد محادثتهم عن بُعد في مستهلّ مارس الماضي، ولقائهم القصير على هامش اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد في أبريل، من المزمع انعقاد اجتماع وزراء ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة السبع وجهاً لوجه، على مدى أيام تبدأ الأربعاء المقبل.

تواجه مجموعة السبع، وهي ملتقى اقتصادي تشكَّل في منتصف سبعينيات القرن الماضي، أصداءً مشابهة لظروف الحقبة القاتمة التي خرجت المجموعة من رحمها، بدءاً من أزمات الطاقة وحتى شبح العدوان الروسي، ففي ذلك الوقت كانت روسيا قد غزت أفغانستان، فيما تشن حرباً الآن على أوكرانيا.

ذكريات الحرب الباردة

حتى موقع الاجتماع سيكون في أماكن داخل وعلى مقربة من مدينة بون، العاصمة السابقة لألمانيا الغربية، ما يعيد إلى الأذهان ذكريات الانقسام الذي أحدثته الحرب الباردة في أوروبا.

منذ تعهد وزراء المالية في 20 أبريل الماضي بـ”الحفاظ وزيادة الضغط المنسق” حدث كثير من الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار، ومن بينها التضخم المستمر في معظم أنحاء العالم.

وأصبحت الاستجابة النقدية العالمية لهذا التضخم واضحة، وتتمثل في رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة لأسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، كما بدل عديد من البنوك المركزية الأخرى موقفه تجاه رفض رفع أسعار الفائدة، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، الذي يستهدف الآن رفعها في يوليو المقبل.

لكن -كما كانت الحال في السبعينيات- لا يزال الوصول إلى حلول أكبر للتحديات التي يطرحها الصدام الدولي أملاً بعيد المنال. ومثلما كان الوضع آنذاك أيضاً، عندما كانت ألمانيا في الصفوف الأولى للهجوم، لا تزال الدولة المضيفة للاجتماع الأكثر هشاشة تجاه الاستجابة الروسية، خصوصاً إذا رفع الرئيس فلاديمير بوتين سقف المخاطر، وحظر إمدادات الغاز عن الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا.

توقعات قاتمة

قد ينعكس تأثير هذا المأزق على تنبؤات المفوضية الأوروبية للمنطقة، المقرر نشرها اليوم الاثنين. وتُظهِر نسخة من التوقعات التي اطلعت عليها “بلومبرغ” أن الاتحاد الأوروبي سيخفض توقعات النمو، في حين سيرفع تقديرات التضخم.

في مناطق أخرى من العالم، قد يخفض بنك الشعب الصيني معدل الإقراض، كما يُرجَّح صعود التضخم في المملكة المتحدة بصورة كبيرة مجدداً.

الولايات المتحدة

من المتوقع إظهار أرقام مبيعات قطاع التجزئة، المزمع صدورها الثلاثاء، أن إنفاق المستهلكين صمد في مواجهة التضخم المتزايد ببداية الربع الثاني من العالم الجاري، ورغم عدم تعديل الأرقام وفقاً للتضخم، مع تركيزها بشكل أساسي على مشتريات البضائع، فإنّ التقدير المتوسط يتجاوز الزيادة بنسبة 0.3% في مؤشر أسعار المستهلك لشهر أبريل.

من المتوقع أن تُظهِر تقارير أمريكية أخرى، منتظر صدورها هذا الأسبوع، بعض التراجع في إنتاج المصانع، بالإضافة إلى انخفاض مبيعات المنازل الجديدة والمساكن التي سبقت ملكيتها في الولايات المتحدة.

عقب رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة هذا الشهر، سيلقي رئيس البنك جيروم باول خطاباً على مجموعة من المستثمرين، وذلك في حدث من المنتظر إقامته يوم الثلاثاء، وفي لقاء مع برنامج “ماركت بليس” (Marketplace) المذاع على قنوات الراديو الأمريكية العامة، الخميس الماضي، كرر باول تأكيده أن المركزي سيرفع على الأرجح سعر الفائدة المرجعي بمقدار نصف نقطة مئوية في كل اجتماع من اجتماعي البنك المقبلين.

خلال الأسبوع الجاري أيضاً، من المقرر تحدث مسؤولين آخرين من بنك الاحتياطي الفيدرالي حول الوضع الاقتصادي والسياسة النقدية، بما في ذلك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، ونظيره في شيكاغو، تشارلز إيفانز.

آسيا

من المتوقع إعلان الصين عن معدل التسهيل الائتماني متوسط الأجل الخاص بها، الاثنين، ويتنبأ بعض الاقتصاديين بإجراء تخفيض بسيط عليه.

يأتي هذا قبل الإعلان عن بيانات تقارير مبيعات التجزئة، والإنتاج الصناعي، والاستثمار، والتوظيف، الخاصة بشهر أبريل، التي من المتوقع إظهارها لحجم الخسارة الاقتصادية التي تكبدها الاقتصاد بسبب الإغلاقات الرامية إلى احتواء تفشي فيروس “أوميكرون”، وهو من سلالة كورونا، ويمكن ملاحظة تأثير هذه الإغلاقات أيضاً في نمو الائتمان.

من المتوقع أن تشكل أرقام التضخم في اليابان أبرز مثال حي على التدهور العالمي، مع ارتفاع الأسعار المنخفضة في الدولة أخيراً إلى مستوى 2%. ويُعقد هذا بصورة أكبر الرسائل التي قدمها بنك اليابان المركزي حول استمرار التحفيزات، إذ تصر طوكيو على أن دعم الاقتصاد يجب أي يحتل صدارة أولوياتها في الوقت الراهن.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، من المتوقع إظهار بيانات الناتج المحلي الإجمالي في اليابان لانكماش اقتصاد الدولة خلال الربع الأول مع تخلف تعافي طوكيو من الجائحة عن نظيراتها في مجموعة دول السبع.

أصدر بنك أستراليا المركزي أيضاً محضر اجتماعه في وقت سابق من هذا الشهر، إذ اتخذ خطوة غير معتادة بشروعه في دورة رفع أسعار الفائدة في أثناء وجود حملة انتخابية، فيما حددت سريلانكا والفلبين أسعار الفائدة يوم الخميس.

أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا

ستجذب سلسلة من التقارير المزمع صدورها في المملكة المتحدة أعين المستثمرين، إذ سيصدر تقرير البطالة، الخميس، ومن المتوقع إشارته إلى زيادة ضيق سوق العمل، كما سيظهر تقرير أسعار المستهلك، الأربعاء، وقد يُظهِر قفزة ملحوظة في التضخم الرئيسي، ويتوقع الاقتصاديون زيادة بمقدار نقطتين مئويتين، مع وصول نتيجة التقدير المتوسط إلى 9.1%.

سيشكل ذلك أسرع تضخم منذ 1982، والأكبر في وتيرة التضخم الأساسي منذ 1980، ما يهيئ المملكة لتجاوز التضخم حاجز الـ10% في الربع الرابع من العام الجاري، وهي النسبة التي لمَّح إليها بنك إنجلترا المركزي هذا الشهر عندما رفع أسعار الفائدة.

وإضافة إلى توقعات الاتحاد الأوروبي المتوقع صدورها الاثنين، قد تلفت تصريحات واضعي السياسات في منطقة اليورو الانتباه، إذ يتوقع تحدث 4 مسؤولين على الأقل من أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، بمن فيهم كريستين لاغارد، رئيسة البنك، التي ستلقي خطاباً بالقرب من فرانكفورت، كما سيصدر محضر الاجتماع الخاص بالقرار الأخير للبنك المركزي يوم الخميس.

بالاتجاه شرقاً، هناك ترجيحات بنمو الاقتصاد الروسي بنحو 3.8% في الربع الأول، وفقاً لمتوسط تقديرات الاقتصاديين. وغالباً ستركز البيانات، المقرر صدورها الأربعاء، على الفترة السابقة لغزو موسكو لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير الماضي.

نشرت “بلومبرغ” في 10 مايو أن وزارة المالية الروسية تتوقع أكبر انكماش منذ ما يقرب من ثلاثة عقود هذا العام، مع تصاعد الضغوط الناتجة عن العقوبات.

وبالاتجاه إلى أقصى الجنوب، من المرجح أن يدفع ارتفاع التضخم المحلي، وتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي، البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة يوم الخميس، ويتوقع المحللون زيادة تتراوح بين 100 و200 نقطة أساس.

من المتوقع أيضاً أن يحافظ المسؤولون في زامبيا على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، الأربعاء، مع ميل التضخم إلى الانخفاض.

ومن المرجح أن تؤدي أسعار النفط والغذاء المتزايدة إلى مراجعة صعودية لتوقعات التضخم الخاصة بالبنك المركزي في جنوب أفريقيا، مما يدفعه إلى رفع سعر الفائدة القياسي يوم الخميس، وتُرجِّح رهانات السوق بالكامل إقرار زيادة بمقدار ربع نقطة، مع احتمال 94% لإقرار زيادة أكبر.

أمريكا اللاتينية

من المتوقع نشر بيرو والبرازيل وكولومبيا، الاثنين، بيانات المؤشر غير المباشر للناتج المحلي الإجمالي الخاص بشهر مارس، ومن المرجح أن تشير القراءات البيروفية والبرازيلية إلى تباطؤ الزخم، في حين أن قراءة كولومبيا -التي ستصدر جنباً إلى جنب مع تقرير الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول- يجب أن تكون متسقة مع توقعات النمو القوية للاقتصاد في 2022.

من المزمع إظهار بيانات الإنتاج الخاصة بالربع الأول في تشيلي تباطؤاً عن وتيرتها السريعة خلال 2021، التي تحققت بفضل تدابير التحفيز الاستثنائية، لكن من الآن فصاعداً قد يؤدي مزيج من الانضباط المالي، والزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة إلى معاناة الاقتصاد من الركود.

وفي ما يتعلق بتوقعات التضخم والنمو في تشيلي، فقد نشر البنك المركزي، الجمعة، محضر اجتماعه في 5 مايو، حينما رفع واضعو السياسات سعر الفائدة الرئيسي إلى 8.25% -بعدما كانت 0.5% فقط في يوليو الماضي- ويبدو أنهم قد يقرون تشديداً نقدياً أكثر.

من المتوقع تباطؤ قراءة المؤشر غير المباشر للناتج المحلي الإجمالي للأرجنتين في مارس، بعد تحقيقه قفزة كبيرة في فبراير، وتنبأ الاقتصاديون الذين استطلع البنك المركزي آراءهم في أبريل بتحقيق نمو بنسبة 3.5% هذا العام، مرتفعاً من 3.2% في توقع مارس الماضي، لكنهم عززوا أيضاً توقعات التضخم إلى 65.1% مقارنة بـ59.2% من قبل.

ومن المرجح أن تدفع أسعار المستهلكين المتزايدة لمسؤولي السياسة النقدية في أورغواي وبارغواي إلى تمديد رفع أسعار الفائدة في الاجتماعات المرتقبة خلال الأسابيع المقبلة.

اقتصاد الشرق

اخبار ذات صلة