هل وصلت الأسواق إلى قاع الهبوط أم أن الأسوأ آت؟

على الرغم من ارتفاع مؤشرات الأسهم في الأسواق الرئيسة بنهاية تعاملات الأسبوع يوم الجمعة 13 مايو (أيار)، فإن ذلك لم يعوض خسائر الأسهم خلال الأسبوع لينهي معظم الأسواق الأسبوع السابع من الهبوط المتتالي، وكان المؤشر الأعلى ارتفاعاً في تعاملات الجمعة مؤشر “ناسداك” لشركات التكنولوجيا، وأضاف المؤشر نحو أربع نقاط مئوية (أغلق الجمعة على ارتفاع بنسبة 3.8 في المئة)، لكنه في المتوسط الأسبوعي أنهى الأسبوع على انخفاض بنسبة 2.8 في المئة، وارتفع مؤشر “داو جونز” للشركات الصناعية الجمعة بنسبة 1.5 في المئة، لكنه أنهى الأسبوع على انخفاض بنسبة 2.1 في المئة، أما مؤشر “أس أند بي” للشركات الكبرى، الذي يعد قياسياً لمؤشرات أسهم الأسواق الرئيسة، فأضاف ما نسبته 2.4 في المئة لقيمته في تعاملات الجمعة، لكنه أنهى الأسبوع منخفضاً بالنسبة نفسها تقريباً نتيجة الخسائر الهائلة خلال الأسبوع.

يرجع المحللون هذا الهبوط المستمر في الأسواق نتيجة عمليات البيع الكبيرة للأسهم في الأسابيع الماضية إلى زيادة مخاوف المستثمرين من تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية بقدر أكبر من المتوقع، أي رفع سعر الفائدة أكثر والتخلص من الأصول المتراكمة على الحساب الحالي للبنوك المركزية بشكل أكبر وأسرع، ويعني ذلك نقص السيولة في السوق من ناحية وزيادة كلفة الاقتراض من ناحية أخرى، كذلك يسارع المستثمرون للتخلص من الأصول العالية المخاطر والأكثر حساسية لارتفاع أسعار الفائدة، مثلما حدث مع العملات المشفرة التي هوت أسعارها إلى أدنى مستوياتها ومع أسهم شركات التكنولوجيا.

ويتعلق الأمر كله بالتوقعات، فارتفاع أسعار الفائدة بنسب كبيرة وبسرعة لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم يجعل الأرباح المستقبلية للمستثمرين في شركات النمو السريع (مثل شركات التكنولوجيا) أقل قيمة في ما بعد، ومع تخلص البنوك المركزية من الأصول التي راكمتها في فترة التيسير الكمي خلال أزمة وباء كورونا، تنخفض أسعار السندات ويرتفع معدل العائد عليها. لذا، يتحول المستثمرون إلى السندات ويتخلصون من الأسهم الحساسة لسعر الفائدة.

هبوط وليس انهياراً

يتوقع بعض المحللين أن تشهد الأسواق الأسبوع المقبل تحسناً يخفف من آثار الهبوط المستمر في الأسابيع الأخيرة، ومبرر هؤلاء أن الأسواق ربما هضمت الآن تبعات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا وتأثيرها في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وإن كان أغلب المحللين يرون أن الأسوأ لم يأتِ بعد، وأن عملية التصحيح ستستمر حتى تصل مؤشرات الأسهم إلى قاع الهبوط قبل أن تعاود الارتفاع.

في مقابلة مع شبكة “سي أن بي سي” الأميركية يقول سكوت ريدلر من موقع “تي ثري لايف دوت كوم” الذي يتابع تقنيات السوق قصيرة الأجل، “هل يعني تحرك السوق الحالي أننا وصلنا إلى أقصى هبوط هذا العام؟ على الأرجح لا، لكن ذلك الهبوط قد يؤدي إلى موجة ارتفاع أخرى، ففي أوقات ارتفاع المؤشرات يحتاج القفز للأعلى إلى أسابيع ليحدث، أما في وقت الهبوط فمجرد قفزة ارتفاع تكفي”.

ويجد ذلك التحليل مبرراً وجيهاً في أن من أسباب ارتفاع الأسواق الجمعة، وليست الأميركية فحسب بل إن الأوروبية كلها أيضاً أغلقت نهاية الأسبوع على ارتفاع كبير وكذلك في آسيا، وقد عاد المستثمرون إلى اقتناص الفرص وشراء أسهم الشركات التي هبطت بنحو 70 في المئة في الأسابيع الماضية، وأسهم في ذلك أن سوق السندات توقفت نسبياً عن التحرك القوي، إذ انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية متوسطة الأجل لمدة عشر سنوات من نسبة 3.2 في المئة إلى نسبة 2.9 في المئة، وانخفاض العائد يعني عودة سعر السندات للارتفاع قليلاً، ربما سبب إقبال المستثمرين الذين قاموا بتصفية مراكزهم في الأسهم بشراء السندات بكميات كبيرة فزاد الطلب على العرض في سوق السندات.

ويركز المحللون والاستشاريون في المؤسسات المالية وشركات الاستثمار على مدى استجابة السوق لتوقعات رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لأسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية أخرى، وسواء لمرتين أو ثلاث مرات في الأشهر المقبلة، وكتب الاستراتيجيون في “بنك أوف أميركا” في مذكرة لهم الجمعة أنهم لا يرون بعد هروباً كاملاً لرأس المال من أسواق الأسهم، على الرغم من معدلات الهبوط في المؤشرات، ونقلت وكالة “رويترز” عن ويلي ديلويتش من شركة أبحاث السوق “أول ستار تشارتس” قوله إنه لا يركز الآن على مستوى القاع للهبوط بل يتطلع لمدى إمكانية أن يكون الارتفاع المقبل مستداماً لفترة، ويضيف “يحاول كثير (من المستثمرين) الآن اقتناص الفرص بشراء الأسهم المنهارة، وهذا جهد بلا طائل… ربما الأفضل الآن التنحي جانباً وترك فترة الاضطراب تأخذ مداها”.

أسبوع بيانات تضخم ومؤشرات الفائدة

تركز الأسواق الأسبوع المقبل على صدور بيانات مهمة تساعد على تقدير التوقعات بالنسبة إلى معدلات التضخم واحتمالات النمو الاقتصادي، أو الانكماش الذي قد يؤدي إلى ركود، ويشهد الأسبوع المقبل صدور بيانات مبيعات التجزئة وبيانات الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة والصين، أي أكبر اقتصادين في العالم، كذلك تصدر الأسبوع المقبل أرقام التضخم في بريطانيا بالإضافة إلى أرقام الوظائف وبيانات سوق العمل.

وستكون تلك البيانات مؤشراً مهماً على توقعات ارتفاع معدلات التضخم، وإذا ما كان تشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية يمكن أن يوقف ارتفاعها أم لا، بالإضافة إلى أن أرقام الإنتاج وسوق العمل ستفيد المحللين والمستثمرين في تعديل توقعاتهم لاحتمالات النمو الاقتصادي أو الركود، خصوصاً في ظل عدم الوضوح للتأثير الكامل للحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا على الاقتصاد العالمي، ومدى تأثير الإغلاقات في الصين نتيجة انتشار وباء كورونا مجدداً على الاقتصاد الصيني والتجارة العالمية.

وعلى الرغم من أن الأسواق تأثرت أكثر بارتفاع أسعار الفائدة وتوقعات الركود الاقتصادي، بما جعل موسم إفصاح الشركات عن بياناتها المالية للربع الأول يمر مرور الكرام، فإن الأسبوع المقبل يحمل إفصاحات شركات لها علاقة بمؤشرات التضخم والنمو، لذا، فهي محط أنظار السوق، حين تعلن سلاسل مبيعات التجزئة الكبرى مثل “وول مارت” و”هوم ديبو” وغيرها بياناتها المالية وتوقعات أدائها لبقية العام.

وعلى الأرجح، برأي كثير من المحللين والمتعاملين في السوق، أن الأسبوع المقبل سيكون متبايناً في أداء أسواق الأسهم الرئيسة في العالم، ومن غير الواضح إن كان احتمال التحسن في مؤشرات الأسهم سيكفي لوقف موجة الهبوط وانحدارها نحو الانهيار أم لا.

اندبندنت عربية

اخبار ذات صلة