تتطلع البنوك المركزية إلى مشهد وآفاق تتسم بعدم اليقين، لكن يعتقد الكثير من المتابعين أن حقبة الهدف الواحد لسياسة البنوك المركزية والتي تستهدف التضخم عبر أداة واحدة هي أسعار الفائدة، قد ولت.
هذا ما جاء في صدارة تقرير لـ”برايس وترهاوس كوبرز” في صيف عام 2016، والذي قال آنذاك، إنه بات يُتوقع الآن من البنوك المركزية على نحو متزايد أن تفي بعدد من المهام، بما في ذلك احتواء التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي وحماية الاستقرار المالي والتصدي للأزمات.
حذر التقرير من أن قدرة البنوك المركزية على تحقيق هذه المهام أصبحت مقيدة، نظرًا لاعتياد الأسواق على التدابير الاستثنائية التي أعقبت الأزمة المالية والمتمثلة في خفض أسعار الفائدة ومنح الحوافز المالية، وهو الأمر الذي تجلى في اضطرابات “وول ستريت” نهاية العام الماضي عندما بدأ الفيدرالي تشديد سياسته.
حاولت “برايس وترهاوس كوبرز” تسليط الضوء في تقريرها على التحديات التي ستواجه البنوك المركزية حتى عام 2020 وكيفية التغلب عليها، لكن مع قرب عام 2019 من نهايته، لا يبدو أن الأوضاع تغيرت كثيرًا، فعدم اليقين أصبح أسوأ، والبنوك المركزية لا تزال تنتهج نفس السياسات.
في الولايات المتحدة، اضطر الفيدرالي للتراجع عن تشديد سياسته مطلع هذا العام، بعد اضطرابات الأسواق في ديسمبر، وسلك مسارًا مغايرًا بالتحول إلى خفض الفائدة، وقرر توسيع ميزانيته العمومية ومواصلة ضخ الأموال في أسواق الريبو، وفقًا لخطة يُعتقد أنها ستمتد حتى نهاية الربع الأول من العام القادم على الأقل.
ترى البنوك المركزية نفسها أن ذخيرتها في معركة دفع التضخم إلى الارتفاع أوشكت على النفاد بعد تراجع أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة بشدة، وأنه قد حان الوقت للحكومات كي تتولى زمام المبادرة وأن تستخدم السياسات المالية.
ومع ذلك، فإن مراجعة عابرة لخطط الموازنات لعدد من الاقتصادات الرئيسية، تظهر أن الحكومات لا تزال بطيئة في الاستجابة للدعوات المتزايدة من البنوك المركزية والمحللين، رغم أن الاقتراض أصبح رخيصًا للغاية وفي بعض الحالات أصبح مجانا.
خطط الحكومات للتحفيز المالي في عام 2020
الولايات المتحدة
– وعد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الذي يسعى لإعادة انتخابه العام القادم، بتخفيضات ضريبية “كبيرة جدًا” خلال عام 2020.
– من المفترض أن يستفيد الأمريكيون ذوي الدخل المتوسط منها، وهو ما يرجعه اقتصاديون إلى الرأي السائد بأن الجولة الأولى من التخفيضات نفعت الأثرياء فقط.
– مع ذلك، فإن أي حزمة خفض ضريبي تحتاج إلى دعم المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب، والذين يمتلكون في الوقت الراهن أولويات إنفاق مختلفة.
الصين
– أعلنت الحكومة المركزية في بكين عن تخفيضات ضريبية بقيمة تريلوني يوان (283 مليار دولار) هذا العام، وحفزت المقاطعات على زيادة الإنفاق على البنية التحتية.
– سيؤدي العجز المتضخم، والحاجة إلى إبقاء ديون البلاد الهائلة تحت السيطرة، إلى الحد من الحوافز خلال العام القادم.
اليابان
– رفعت البلاد مؤخرًا ضريبة المبيعات للمساعدة في تقليص الدين العام، ومع ذلك، أكد رئيس الوزراء “شينزو آبي” من جديد عزمه تطبيق تدابير مالية “دون تردد” لمنع تعثر النشاط الاقتصادي.
– إن أسعار الفائدة على السندات الحكومية منخفضة للغاية، ويمتلك البنك المركزي جزءًا كبيرًا من الديون، لذلك يمكن القول إن البلاد لديها مجال واسع للاقتراض.
ألمانيا
– تواجه برلين ضغوط كبيرة لتخفيف القيود المالية، ليس فقط لأجل اقتصادها المتعثر، بل أيضًا لأجل اقتصادات جيرانها في منطقة اليورو.
– في حين أن الحكومة تكثف من استثماراتها وتدرس بالفعل تطبيق تدابير مالية محفزة (مثل إعانات لمنتجي السيارات الكهربائية وشطب ضرائب الشركات)، فإن المسؤولين لم يلتزموا رسميًا بعد بإجراءات التحفيز تلك.
المملكة المتحدة
– قد لا تعكس توقعات صندوق النقد الدولي بشأن الزيادة المتواضعة في الإنفاق التطورات الأخيرة المتعلقة بالبلاد، والتي باتت دون شك تشير إلى تخفيف للسياسة المالية بشكل كبير بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات العامة المتوقعة.
– تعهد رئيس الوزراء “بوريس جونسون” بالمزيد من الإنفاق وخفض الضرائب، ويدرس حزب العمل برنامج استثمار رأس مالي قيمته 250 مليار جنيه إسترليني (324 مليار دولار).
الهند
– قد لا تكون استجابة الحكومة المرتجلة للتباطؤ (بما في ذلك التخفيض المفاجئ لضرائب الشركات في سبتمبر، والذي يكلف الحكومة نحو 20 مليار دولار) كافية لإطلاق العنان للنشاط الاقتصادي.
– يعتقد بعض المحللين أنه من شبه المؤكد، أنه تم تعطيل محاولات احتواء عجز الحكومة المركزي للعام المالي الذي ينتهي في مارس 2020.
البرازيل
– تسعى الحكومة الجديدة إلى الحد من الإنفاق للوفاء بتعهدات حملة “جاير بولسونارو” الانتخابية، بخفض الديون وتعزيز أوضاع المالية العامة للدولة.
– لكن مع تباطؤ النمو الذي يعني بطبيعة الحال تراجع الضرائب، يكافح صانعو السياسات للامتثال لفكرة الحد من زيادة الإنفاق العام.
– حتى إذا استمر تراجع العجز بشكل أبطأ من المخطط له، فإن أي رهانات على التحفيز المالي قد تلاشت.
روسيا
– تعهد الرئيس “فلاديمير بوتين” بإنفاق جديد قدره 25.7 تريليون روبل (402 مليار دولار) يمتد على مدار ست سنوات، بهدف رفع معدل النمو السنوي إلى 4%، بحلول الموعد الذي تنتهي فيه ولايته في 2024.
– يشكك المعلقون في إمكانية تحقيق ذلك، لكن على أي حال، يعتبرونها بداية للابعتاد عن الموازنات المتشددة التي عرفتها روسيا على مدار سنوات.
المصادر: بزنس ويك، تقرير “برايس وترهاوس كوبرز”، نيويورك تايمز / أرقام