عبده أحمد الصياد*
تساهم برامج تطوير السياسات النقدية والائتمانية في تحفيز النمو الاقتصادي وإدارة السيولة في الاقتصاد بطريقة مرنة لتلبي احتياجات النشاط الاقتصادي من خلال التناغم والمزيج الفاعل بين أدوات السياسات النقدية والسياسات المالية والبرامج الاقتصادية الأخرى لتحريك وتحفيز عجلة الطلب الكلي للاقتصاد وبالتالي زيادة الإنتاج المحلي والوصول إلى الاستقرار الاقتصادي للبلد وبإدارة فاعلة للمعادلة الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي للبلد ومكوناتها ، والتي تشمل الاستهلاك ، والإنفاق الحكومي ، الاستثمار ، الصادرات – الواردات ، وتعمل جميع السياسات الاقتصادية جنباً إلى جنب بشكل متزامن ومتكامل في آن واحد سواءً السياسات النقدية أو السياسات المالية أو البرامج الاقتصادية الأخرى بحيث تصب في اتجاه المساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة للبلد والمتمثلة في الأهداف الثلاثة الرئيسية (تحقيق نمو للناتج المحلي ، وتخفيض معدل البطالة ، وتخفيض معدل التضخم ) .
إن تحويل هذا البرنامج إلى واقع ملموس يتطلب قيام الجهات ذات العلاقة بمجموعة من النشاطات والسياسات والإجراءات والمشاريع أهمها :-
– التخلص التدريجي من سياسة أذون الخزانة والتوجه نحو إصدار صكوك إسلامية والتي تعتبر نتاج للفكر المالي الإسلامي وتشهد عملية التمويل بإصدار الصكوك الإسلامية نمواً وانتشاراً متسارعاً في العالم وأصبحت على نطاق عالمي واسع في العالم الإسلامي أو الغربي ، وقد عبرت القارات وطوعت من أجلها البيئات القانونية ، وإن الالتفات إلى أهمية الصكوك الإسلامية باعتبارها أداة من أدوات الاقتصاد الحقيقي لتمويل الموازنة العامة للدولة يتطلب جهداً استثنائياً يتناسب مع الحاجة لهذه الأداة وأهميتها في المساهمة في تحقيق نهضة اقتصادية تنموية للبلد ، وبهذا الصدد فإنه يتطلب هيكلة وحدة الصكوك الإسلامية بشكل مؤسسي فاعل لإدارة وإصدار الصكوك وما يرتبط بها ، وتجهيز القدرات والكوادر لإعداد موازنة مبرمجة للدولة للمشاريع والمشتريات والأصول التي سيتم تمويلها من خلال الصكوك الإسلامية بشكل أدق وأعمق مما هو عليه الآن ، وتحديد أولويات المشروعات التنموية والاستثمارية في الموازنة تشمل مجالات الطاقة والصحة والتعليم والقطاع الصناعي والقطاع السمكي والزراعي وقطاع التعدين وغيرها من القطاعات الرئيسية .
– تشجيع البنك المركزي اليمني للبنوك على عمل ائتلاف بنكي لتكوين محافظ أو صناديق استثمارية مشتركة لتمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة خصوصاً تمويل مشروعات تنموية كبرى ، وتقديم المحفزات لها .
– تهيئة الظروف وإيجاد قطاعات مساندة تتمثل في شركات ضمان التمويل ومراكز الأبحاث في القطاع المصرفي والرقم الوطني ومكتب الائتمان المركزي ووكالة التصنيف الائتماني وإيجاد السجل العيني لتفعيل التأجير التمويلي ، وبناء نظام لإنشاء السوق المالي والإسراع في تدشين سوق الأوراق المالية وهو ما سينعكس على أن تكون أدوات السياسات النقدية أكثر فاعلية وذات تأثير واضح وملموس أكثر مما هي عليه الآن .
– قيام معهد الدراسات المصرفية بالتركيز على إدخال برامج التدريب المتخصصة والنوعية في مجال الصيرفة الإسلامية بما فيها الصكوك الإسلامية واستقطاب المدربين أصحاب خبرات عملية في هذه المجالات .
– بناء احتياطات من النقد الأجنبي بما يمكن البنك المركزي من التدخل في سوق النقد الأجنبي وتحقيق الاستقرار النقدي ، وبحيث يكون الاحتياطي كافٍ لمواجهة قيمة الواردات باعتبار تعاملات القطاع الخارجي والذي يندرج فيه فاتورة الاستيراد من أهم العوامل التي تؤثر بدرجة رئيسية على سعر الصرف في اليمن .
– تحسين المؤشرات المالية للدولة بما يؤدي إلى تحسين التصنيف الائتماني من خلال عدد من المؤشرات أو ما يطلق عليها مؤشرات الاستدامة المالية ( حجم الدين العام ، مؤشرات القدرة على الاقتراض ، ومؤشرات القدرة على سداد الدين العام ، مؤشرات الثقة بسداد الدين الخارجي ) ويتم استخدام هذه المؤشرات لقياس عبء المديونية العامة على الدولة بما يمكن من معرفة مدى قدرة الدولة على تحمل عبء الدين ، إضافة إلى أنها تمكن من تحديد مستوى ملاءة الدولة ، وبالتالي تحليل مستوى المخاطر المرتبطة بالملاءة والسيولة للبلد .
– قيام البنك المركزي اليمني بتحديد مؤشر لتكلفة التمويل وكذلك مؤشر للعائد على الودائع سواءً بالريال اليمني أو العملات الأجنبية على أن يتم تخفيض هذه المؤشرات ، فتخفيض مؤشر تكلفة التمويل سيؤدي إلى زيادة الطلب على التمويلات وبالتالي توفير مصادر تمويل لتنفيذ مشاريع استثمارية جديدة وزيادة حجم الاستثمارات في البلد تساهم في تخفيض حدة الفقر وخفض معدلات البطالة وتعظيم الناتج المحلي .
– توفير سيولة نقدية للبنوك هو مفتاح النجاح لقيام البنوك بدورها في عملية التنمية وزيادة قدرتها على توليد الائتمان والتمويلات من خلال ضخ تمويلاتها للقطاعات الاقتصادية المختلفة في البلد ، لكن هذا لن يتأتى في الحالة اليمنية إلا من خلال قدرة الحكومة على الحل الجزئي أو الكلي لسداد الدين العام المحلي والمتمثل في أذون الخزانة وسندات الحكومة وأرصدة البنوك طرف البنك المركزي اليمني والتي لم تتمكن البنوك من تسييلها ، والتأكيد على تمكين الجهات المشاركة فيها من الاستفادة من المبالغ المتراكمة فيها ، وفي نفس الوقت إيجاد طرق بديلة لتمويل أي فجوة في الموازنة العامة للدولة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية ، ويمكن استعراض عدد من البدائل والحلول بهذا الشأن على النحو التالي :-
• إنشاء محفظة أسهم الاستثمار الحكومي .
هي عبارة عن صكوك مالية مسنودة بأصول حقيقة تمثل نصيب الحكومة في بعض المؤسسات والشركات والوحدات الاقتصادية المملوكة كلياً أو جزئياً لها وبالتالي فإن المستثمرين في هذه الشهادات يعتبرون مشاركين للحكومة في المنافع المتوقعة من عمل هذه المؤسسات ، بحيث يقوم البنك المركزي (وحدة الصكوك الإسلامية) بتكليف من الحكومة بإصدار شهادات المشاركة ومسك حساباتها والذي يمثل الوكيل لإصدار الصكوك نيابة عن الحكومة .
• إنشاء محفظة استثمارية عقارية .
يتم إنشاء محفظة استثمارية عقارية يديرها ائتلاف بنكي بحيث يتم تخصيص أراضي تابعة للدولة في جميع عواصم المحافظات وتتولى البنوك تطويرها عقارياً وإدخال الخدمات عليها وبيعها بحيث يتم خصم قيمتها من ديون وزارة المالية تجاه البنوك ، ويمكن للبنوك أن تستقطب إيداعات جديدة من المودعين للاكتتاب في هذه المحفظة ، كما سوف تستفيد البنوك من السيولة النقدية التي سوف يتم توريدها مقابل الحجز من المشتريين ، ويمكن استقطاب شريحة المغتربين للاستفادة من هذه الأراضي المخططة والتي سيتم تصميم البناء عليها بما يخدم الصورة الجمالية والحضارية لبلدنا ويتم إلزام المستفيدين بتنفيذ نفس التصميم المعتمد عند البناء على هذه الأراضي .
• إنشاء محفظة صكوك تمويل الحكومة .
صكوك تمويل الحكومة ويقصد بها الوثيقة ذات القيمة الاسمية التي يحق لحاملها المشاركة في تمويل النفقات الاستثمارية للدولة عن طريق صكوك (الإجارة والمرابحة والاستصناع والمضاربة ) ، وتهدف هذه الصكوك إلى توفير تمويل حقيقي للموازنة العامة للدولة على أن تقوم وزارة المالية بوضع خطة لنفقاتها الاستثمارية للفترة القادمة ، ويتم اعتماد هذه المبالغ وتوزيعها على أنواع الصكوك ، بحيث يقوم البنك المركزي (وحدة الصكوك الإسلامية ) بتكليف من الحكومة بإصدار نشرات الاكتتاب في هذه الصكوك ومسك حساباتها .
• إنشاء الصناديق الاستثمارية :
وهي عبارة عن صناديق استثمارية لتجميع موارد مالية عن طريق الاكتتاب العام يتم استخراجها في تشكيلة متنوعة من الأوراق المالية المختارة بعناية ودقة ، وتقوم فكرة الصندوق على تملك حصة من حقوق ملكية شركات أو مؤسسات قائمة أو إنشاء شركات جديدة يتولى الصندوق إنشاءها وسيكون على شكل شراكة مع الملاك وفق خطة وإستراتيجية يرسمها الصندوق وتقوم على إدارته لجنة خبراء متخصصين في مجالات الاستثمار ، مع ضرورة وجود سوق مالي لتسجيل الصندوق في هذا السوق ، وبما يؤدي إلى مرونة عالية في تسييل صكوك الصناديق بعد إدراجها بالسوق المالي ، وتهدف صناديق الاستثمار إلى تحقيق أفضل العوائد على الأموال المستثمرة عن طريق المساهمة في شركات محلية خاصة أو حكومية من اجل تنمية قيمتها وإعادة هيكلتها ، ومن هذه الصناديق على سبيل المثال لا الحصر : ( الصندوق السمكي ، الصندوق الزراعي ، صندوق التعدين ، صندوق الإسكان ، الصندوق التجاري ، صندوق النقل ، … الخ ) ، وقد تتخذ صناديق الاستثمار أشكالاً مختلفة ومتنوعة .
وفي الأخير فإن تزويد البنوك وفي أوقات منتظمة بتوجيهات وإجراءات السياسات النقدية وتمكينها من الحصول على المعلومات المطلوبة في هذا الخصوص مما سيعمل على زيادة فاعلية السياسات النقدية وتمكين الجمهور في ضوء ذلك من بناء قرارات سليمة فضلاً عن خلق مزيد من الالتزام من قبل البنك المركزي اليمني للوفاء بأهداف السياسات النقدية .
عضو مجلس إدارة جمعية البنوك*
Alsayyad73@gmail.com
المصدر : مجلة المصارف العدد (15) مايو 2021