أمل محمد أمين*
على الرغم من شدة الحر خرجت للتبضع.. كانت الشوارع شبه فارغة ولا يوجد بالمحال الكثير من الزبائن.. ابتسمت وأنا اتذكّر الوضع قبل بداية شهر رمضان والصفوف البشرية أمام آلات دفع النقود تُشكل خطوطاً متعرّجة ذكرتني بلعبة السلم والثعبان.
إن مشهد التزاحم على شراء السلع التموينيّة قبل رمضان مكرّر ومعتاد في معظم الدول العربية، ومنها مصر، بل ويُنظَر إلى الأم التي لا تخزن الأطعمة قبل رمضان على أنها ربة منزل مهملة وخارجة عن النطاق الاجتماعي..
لا أعرف مَن بدأ تلك العادات الاستهلاكية الشرِهة لتصبح جزءاً أساسياً من استعدادات المجتمع لهذا الشهر الكريم الذي يتجلى الهدف الأساسي منه في تعليم المؤمن وتدريبه على كبح شهواته ومنها الحرمان من الطعام.. ومع الوقت تحوّل شهر الصوم إلى شهر العزائم والتباهي بين النساء على التفنن في إعداد مختلف الأصناف والحلويات بدلاً من المنافسة على التعبد والصلاة.
وعلى الرغم من الضائقة الاقتصادية التي يمرّ بها العالم فإن جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين المصرية قدّر قيمة استهلاك السلع الغذائيّة خلال الشهر الفضيل بنحو 100 مليار جنيه، في تصاعد سنويّ مستمر، حيث قُدرت فاتورة الاستهلاك السنوي في شهر رمضان 2020 بـ70 مليار جنيه، وقرابة 50 مليار جنيه في عام 2019.
ووفقاً لبحوث وبيانات الدخل والإنفاق للجهاز المركزيّ للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أكثر من 85% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية في الشهر الكريم، ويرتفع حجم الاستهلاك بنسبة تقترب من 150% في رمضان، أي يعادل حجم استهلاك 3 أشهر في السنة!!
قضية أمن قوميّ
لا يقتصر إهمالنا على إهدار الطعام والتبذير في الأنفاق فالشيء نفسه ينطبق على إهدار المواطنين للمياه في مصر والتي تعتبر الآن مع أزمة سد النهضة خطيئة لا تُغتفر. فمن المؤلم أن تضخ شركات المياه في مصر 11 مليار متر مكعب، بينما الاستهلاك لا يتعدّى 3.5 مليار متر مكعب، ما يعني أنه ما بين 50% إلى 60٪ يضيع في الشبكات المتهالكة ويخرج حوالي 70% من نسبة المياه المتبقية كصرف صحي.
وعلى الرغم من معظم المياه يتمّ إهدارها بسبب شبكة الصرف الصحيّ المتهالكة إلا أن عاداتنا اليوميّة تؤدي إلى إهدار كميات ضخمة من المياه وبعض تلك الأشياء أصبحت روتيناً في حياة المواطن المصريّ ومنها غسيل السيارات وترك الحنفيّة مفتوحة خلال غسيل الأسنان، وخلال الوضوء وبعض الأمهات تعتبر أن استحمام الأطفال فرصة لتلهية الطفل بعيداً عنها فتترك أطفالها لفترات طويلة في الحمام يعبثون في المياه، والعديد من المنازل فيها الحنفيات والمواسير صدئة وغير صالحة بالإضافة إلى الفاقد الناتج عن انفجار مواسير المياه، كل هذا الإهمال أدى إلى وصول نسبة فاقد المياه في مصر إلى 30% والأرقام العالميّة تحسب نسبة الفاقد من 10 إلى 15% ويمكن النزول إلى تلك النسبة إذا تمّ الاهتمام بالبنية التحتيّة فنحن لدينا شبكات تفوق الـ 30 سنة وتحتاج إلى إحلال وتجديد وهي تحتاج إلى نحو 8 مليارات جنيه وهى تمثل من 20 إلى 30% من إجمالى أطوال الشبكات.
ختاماً لقد تأثرت ثقافتنا وطمست الهوية العربيّة داخلنا، فأصبحنا نقلد الشعوب الأخرى في اقتناء الماركات العالمية ومجاراة الموضة واللهاث وراء أحدث الموديلات سواء في الهواتف المحمولة أو السيارات أو الملابس وأصبح الوعي العربي غائبًا لا يبالي بخطورة الإسراف مع الإهمال. وهو أمر غريب، فإذا كانت الشعوب العربية يُعرف عنها التديّن فلماذا لا نعمل بقول الله تعالى في كتابه الكريم “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”.
إنه أمر جديد على مجتمعنا كل هذا الإسراف والتبذير فهل العولمة هي السبب؟ هل هي الرغبة في تقليد الشعوب الأخرى في طريقة الحياة مع الإحساس بفوقية الآخر وأنهم أكثر تحضرًا، أم أن السبب عدم الإحساس بالانتماء للوطن وضرورة الحفاظ على ممتلكاته.
من يدفع الثمن؟
ويبقى السؤال الأهم من يدفع فاتورة الإسراف؟.. فإذا كان المنفق لا يملك المال لشراء السلع، فلا بد من أن يسلك طريق الحرام والرشوة والفساد ليلبي رغباته في امتلاك ما يفوق قدراته!! وحتى إذا كان يملك ما يكفي من المال، فإن المبالغة في الاستهلاك ستؤذي الأجيال القادمة لا محالة التي ستواجه شحاً وندرة في الموارد نتيجة أفعال أجدادهم..
*كاتبة من مصر.