الكاتب والشاعر محمد عبد الوهاب الشيباني يواصل الكتابة عن الهامة المصرفية اليمنية حسين السفاري (5)

باب السبح حين كان جسراً بين عالمين.
أمام باب السبح توقفنا وقال هذا السوق ظل حاضراً في وعي الكثير من المثقفين والكتاب اليمنيين طيلة فترة الستينيات والسبعينيات، لأنه كان ولم يزل يقع في تخوم صنعاء الجديدة، ، ويمر منه الجميع إلى صنعاء القديمة ؛ فهو سوق بطابعه العام ، وجزء من إرث صنعاء التاريخي بمنتوجاته وطابع التعاملات فيه، ويقال أنه نشأ لتلبية احتياجات سكان منطقة بير العزب الحديثة ، ويختصر على المتسوقين الذهاب إلى سوق صنعاء الأشهر ” سوق الملح”.
صنعاء بمأكولاتها التقليدية وحلوياتها ومخبوزاتها وثقافتها كانت ولم تزل موجودة في السوق ، الذي ينفتح في ذات الوقت على المدينة الجديدة بمظاهر الحداثة التي ارتبطت بها. لم تزل بائعات الخبز الصنعاني ( الملوج ) ، وبائعي البرعي ، ومعدي وجبة القنم (الكباب) والشعوبية والرواني حاضرين في ذاكرتي وأطعمتهم لم تزل بأطراف لساني، غير أن مطعماً مختلفاً كان يقال له (مطعم الشوكاني) لم أزل أستعيده ، كلما قادني الحنين لأكل اللحم الغنمي ؛ فقد كان (مطعم لاهب) متخصصاً بتحضير اللحم البقري إلى جانب السلتة ، ومطعم الشوكاني متخصصاً بتحضير اللحم الغنمي بطريقة رائعة.. لم أزل أتذكر أني كنت أغادر البنك مع أحد الأصدقاء إلى هذا المطعم لشرب المرق ، الذي كان يقدمه ثخيناً وشهياً ، والسِّر في ذلك كما عرفت لاحقاً ، أن طباخي المطعم كانوا يستخدمون الدقيق والبهارات لإكسابه هذا القوام اللزج اللذيذ.
بمجاورة الباب شمالاً يمكن للواحد منا مشاهدة مجموعة من المباني التابعة لوزارة الداخلية، وتعرف الآن بمجمع وقسم (جمال جميل) ، والتي كانت فيما مضى مجموعة من الحوانيت الترابية ، التي نهضت عليها المباني الحجرية، وإلى جوارها قامت إحدى العمارات الحديثة التي شيدها البنك اليمني للإنشاء والتعمير على أساسات مؤسسة التجارة الخارجية و تشغلها اليوم مجموعة من إدارته الحيوية ، وإلى جوارها تقع مباني وزارة العمل ، وكانت من أحدث المباني التي ورثتها الجمهورية إلى جانب القصر الجمهوري ( دار الوصول) من دولة الإمامة، وهذا المبنى كان يطل على( سجن الرادع) ، والذي صار في أدبيات الحركة الوطنية واحدة من ظلامات العهد الامامي إلى جانب سجن القلعة في الميدان، وإن هدم مبانيه ، دون الحفاظ عليها كمزارات، وتحويلها إلى حمامات عامة ، واحدة من الجنايات الكبيرة التي مارسها التنفيذيون في السلطة في تدمير المعالم التاريخية في عموم اليمن.
مقابل الرادع إلى جهة الغرب تبرز البوابة الحديثة للتوجيه المعنوي ، والتي كانت فيما مضى جزء من دار السعادة ، أو مقر حكم الأمام يحيى حميد الدين ، والذي على سوره الشرقي النوبة الطينية الشهيرة ، والتي كان يقال أن الإمام استخدمها لمرات عديدة سجناً خاصاً لأبنائه ، الذين يتفننون بسرقة ريالاته الفضية، التي كان يحتفظ بها في خيَش ثخينة في غرفة نومه.
هذه الدار ، وحسب المرويات الكثيرة، أن الاتراك في احتلاهم الثاني لليمن مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر أنشأوها لتكون مشفى حديث ، واستقدموا إليه أطباء فرنسيين وكان يقدم خدمات طبية راقية، اعتبرها أحد الرحالة الطليان الذين زاروا صنعاء في تلك الفترة من أنظف مشافي المشرق، غير أن الامام يحيى حين داخل صنعاء في العام 1918 حولها إلى سكن شخصي ، ونقل المشفى بمعداته إلى اصطبل الخيول خارج قاع اليهود ( المستشفى الجمهوري حالياً).
أنشأ الامام الى جوار دار السعادة داراً صغيراً عرف بدار الشكر، يقابلها دار أخرى عرفت بدار الحمد، على أطراف منطقة بير العزب وسكنها ولده الأمير علي، الذي كانت له الكثير من القصص والحكايات المتصلة بالعربدة والادمان.
الى جوار دار الشكر غرباً أنشأ البنك اليمني للإنشاء والتعمير مبناه الحديث مطلع السبعينيات تقريباً ، بعد أن بدأ نشاطه بعد أشهر قليلة من ثورة سبتمبر في مبني قديم كان يقال له مبنى البنك السعودي يطل على الجهة الشمالية من ميدان شرارة ، بمواجهة المدرسة المتوسطة والمدرسة العلمية ، قبل ان ينتقل إلى مبنى حديث في مدخل شارع الذهب جوار فندق النصر منتصف الستينيات.
كان بالقرب من البنك الأهلي السعودي وإلى جوار بيوت الامير صمصام (عبد الامام) كان هناك محلاً تجارياً مشهوراً يمتلكه أحمد ابراهيم اسحاق ، وكان يقوم بتوفير السلع التجارية العصرية منذ ايام الامامة ، و قبل نشؤ المحلات التجارية المعاصرة في شارع علي عبد المغني، وكان يقوم شخصياً باستيرادها من مدينة عدن، وإن زبائنه كانوا من ساكني وساكنات القصور في المحيط.
ارتبطت حكاية بيت الهجوة في مدخل الشارع المؤدي لدار البشائر بحادثة احراق دبابة الثورة ،التي حاولت اقتحام القصر في الساعات الأولى من قيامها، وبعدها بمسافة غير بعيدة كان هناك أول دوبي ( غاسل ملابس) يفتح محلاً بالقرب من القصر ، الذي تحول بعد الثورة إلى مقر إقامة لبعثة الصليب الأحمر يحتوي مطعماً حديثاً وملهي ليلياً في المدينة التي كانت لتوها تنفض عن تاريخها غبار القرون.
في الجهة الجنوبية من الميدان ، والذي صار جزءً من اطراف شارع جمال عبد الناصر الشرقية افتتحتُ محلاً تجارياً أثناء عملي في المؤسسة ، وكان هذا المحل مختص ببيع المفروشات ، في مبنى يقال له بيت السنباني أمام دار الضيافة ( المتحف الحربي) ، وكان في إقدامي على هذه المغامرة اثبات وجود لوالدي، وإن العمل العام لم يقتل بداخلي التاجر، غير أن والدي جاء بسيارات نقل وحمل محتويات المحل ونقلها إلى الحديدة، لإجباري على أن اكون بقربه أثناء تأسيسنا لتجارتنا في الحديدة.

اخبار ذات صلة