لم يتخيل معظم اليمنيين أبداً أن يأتي يوم يعز فيه النوم خشية ألا يجدوا الطعام لأطفالهم؛ لكن الحروب مدمرة وآثارها بعيدة المدى، لقد ترك الصراع في اليمن، وهو يوغل في عامه السادس، البلاد في حالة من الدمار لدرجة أن الجانب الأكبر من الشعب اليمني يعاني الأمرين من أجل العثور على عمل لتوفير الطعام والضرورات الأخرى للحياة.
يعاني نحو ثلثي إجمالي تعداد سكان البلاد البالغ 30 مليون نسمة من الجوع، ومن بين هؤلاء، يحتاج 14.4 مليون يمني إلى مساعدات غذائية فورية للبقاء على قيد الحياة؛ و10 ملايين بحاجة إلى مساعدة غذائية بشكل حاد.
إن انتشار الفقر والجوع يتجاوز المعاناة الفردية حيث يؤدي إلى تهتك النسيج الاجتماعي لليمن ويضرب الشعور بالانتماء للمجتمع في مقتل.
خسارة عقدين كاملين من التنمية البشرية
لم تبدد الحرب في اليمن ما تحقق من مكاسب سابقة في التنمية البشرية فحسب، بل أعادتها إلى الخلف لعقدين من الزمن، وذلك وفقاً لدراسة أُجريت بطلب من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان أثر الحرب في اليمن. بحلول عام 2016، كانت الحرب قد تسببت بالفعل في أضرار تتراوح قيمتها ما بين 4 و5 مليارات دولار في البنية التحتية للبلاد، بالإضافة إلى ما يقرب من 89 مليار دولار في الناتج الاقتصادي المفقود، وتراجعت قيمة العملة اليمنية في ظل انكماش إجمالي الناتج المحلي بنحو 28%؛ وتضاعفت معدلات البطالة؛ وتتوّفر منتجات الوقود بصورة متقطعة في أحسن الأحوال؛ وأصبح 60% من اليمنيين عاطلين عن العمل.
يعاني اليمنيون مما يصفه الكثيرون بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
كل هذا زاد من العبء الثقيل الذي يحمله اليمنيون بالفعل؛ ويتخذ هذا العبء أشكالاً متعددة منها الضيق النفسي والقلق السائد بشأن سبل كسب عيشهم وصحتهم وتعليم أطفالهم وكيف يسددون إيجارات مساكنهم وما إذا كان عليهم وعائلاتهم الفرار من منازلهم لإعادة توطينهم في مكان أكثر أماناً.
ويعيش غالبية اليمنيين على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، لكن التكلفة المرتفعة للغذاء أعلى بنسبة من 73% إلى 178% مما كانت عليه قبل تفاقم الأزمة في عام 2015، وتشكل تداعيات انتشار الفقر المدقع والجوع وانهيار نظام التعليم قيودا شديدة على النمو الاقتصادي في المستقبل، مما يضع البلاد على طريق طويل الأجل من المشاق والصعاب للأجيال القادمة.
وإقراراً بتلك الصعاب، دخل البنك الدولي في شراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن في عام 2016 من خلال مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن بتكلفة قدرها 400 مليون دولار، والذي تم إطلاقه في لحظة محورية عندما كان حدوث تحول نوعي في المفاهيم والأفكار بشأن المساعدات الإنمائية ضرورياً لمنع استمرار تآكل التنمية البشرية في اليمن. وخلقت هذه الشراكة نقطة انطلاق لمبادرات التنمية للعمل جنباً إلى جنب مع الإجراءات التدخلية الإنسانية لبناء القدرة على الصمود في المجتمعات المحلية والأفراد والمساعدة في تمهيد الطريق للتعافي في المستقبل.
وقد استثمرت الشراكة بين البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن في مؤسستين وطنيتين حيويتين وهما الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة، فضلاً عن الشبكات المحلية التابعة لهما، ويعتمد ملايين اليمنيين المتأثرين بالأوضاع الهشة والصراعات والعنف على الخدمات الحيوية التي تقدمها هذه البرامج.
إعادة بناء الحياة والمجتمعات المحلية اليمنية من جديد
إن الصراع في اليمن له تأثير خطير على أكثر من ثلث الشركات اليمنية حيث يضطر الكثير منها إلى تقليص عملياتها وعمالتها، وما بين مارس/آذار عام 2015 وديسمبر/كانون الأول 2018، عانت الكثير من البنية التحتية المدنية في اليمن من أضرار الحرب، مما أوقف إنتاج المواد الغذائية والسلع وتخزينها وتوزيعها؛ وأدى ذلك إلى تسريح جماعي للعمالة وأزمة سيولة في الأسواق المحلية، مما اضطر الكثير من الناس إلى بيع ممتلكاتهم لتغطية نفقاتهم ونفقات من يعولونهم.
وبينما فقد الآلاف وظائفهم وسبل كسب عيشهم وأكلت الحرب رؤوس أموالهم، اضُطر أرباب الأعمال والعمال على حد سواء إلى الإنفاق من مدخراتهم، لكن التضخم جعل تلبية ضروريات الحياة أمرا بعيد المنال؛ حيث لم يعد بإمكان الكثيرين تحمل تكلفة الحصول على الغذاء أو الدواء، أما المستلزمات الأخرى التي كانت تُعد ذات يوم من السلع الأساسية فقد أصبحت باهظة التكلفة حتى بالنسبة لليمنيين الذين لديهم مصدر دخل.
وفي خضم ذلك، ساعد مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن على استعادة الشعور بالأمل، ويدرك القائمون على هذا المشروع أن زيادة فرص تحقيق الدخل وتحقيق سبل كسب العيش المتاحة للفئات الأكثر احتياجاً من اليمنيين – بما في ذلك النساء والشباب والنازحون داخلياً – ستقوي الأسر المعيشية المحلية ومساعدتها على التكيف وجعلهم قادرين على الإسهام الإيجابي في مجتمعاتهم.
تهدف مشاريع النقد مقابل العمل والتوظيف بأجر المنضوية تحت مظلة مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن إلى تلبية احتياجات اليمنيين الأكثر إلحاحاً على نطاق واسع، وكان للمشروع دور فعال في إنعاش المجتمعات المحلية وأتاح للمواطنين اليمنيين الحصول على الخدمات الأساسية أثناء تنفيذ ما يقارب من 2400 مشروع من مشاريع النقد مقابل العمل، ومشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية المجتمعية الصغيرة في جميع أنحاء اليمن؛ ويؤدي المشروع تدريجياً إلى تقليص أوجه المعاناة وتقليل أوجه عدم المساواة في المجتمع.
لقد دعم المشروع ما يقارب من 11 ألف منشأة عمل صغيرة لخلق أكثر من 400 ألف فرصة عمل لليمنيين ممن لا يملكون خيارات أخرى لتحقيق الدخل، ووفر لما يقارب من 5 ملايين يمني إمدادات المياه والغذاء وخدمات الصحة والتعليم والصرف الصحي والطرق، ومع تلقي اليمنيين التدريب وأنشطة بناء القدرات في مجموعة متنوعة من المهارات وانفتاح أبواب العمل أمامهم في مشاريع البنية التحتية المجتمعية الصغيرة، استعاد الكثير منهم كرامتهم وفخرهم وشعورهم بالأمل.
**بتمويل ودعم من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، يتم تنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن من جانب الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويوفر هذا المشروع بتكلفة 400 مليون دولار محفزات اقتصادية على هيئة مشاريع كبيرة للنقد مقابل العمل، ودعم لمنشآت الأعمال الصغيرة، وإصلاحات كثيفة العمالة للأصول الاجتماعية والاقتصادية، بهدف أن يعود كل ذلك بالفائدة على الأسر المعيشية والمجتمعات المحلية الأكثر احتياجاً في ربوع اليمن.
تريسي فيينينغز- مديرة مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن-
المصدر- البنك الدولي
اخبار ذات صلة
-
الدكتورة ماجي دميان تكتب: الذكاء الاصطناعي والاقتصاد وسوق العمل
ثار مؤخرا الحديث عن “الذكاء الاصطناعي” كمصطلح وكعلم وتداولت... -
من المستفيد من الاغراق السلعي في السوق اليمنية؟
صادق الجابري أتابع وغيري ما يجري من استهداف ممنهج... -
عبدالرحمن الكحلاني نجاح يتأكد و ثقة تتعمد
كتب/ علي عمار بادي ذي بدء لابد ان انوه...