الهامة المصرفية اليمنية حسين السفاري (2)

عن وصوله الى صنعاء لأول مرة مطلع العام 63 يقول وصلتها مع العميد الأكوع وآخرين ليلاً ، ومباشرة ذهبنا الى القصر الجمهوري ، وكانت المدينة غارقة في الوحل والظلمة ؛ تدبرت مكاناً للمبيت ضمن عشرات الواصلين الى القصر ، يتلبسهم حماس الدفاع عن الثورة ، ولم يسمح الرئيس السلال للعميد الأكوع بالسفر الى قريته بسنحان خشية مخاطر أمنية .
يقول كان استدعائي الى صنعاء من تعز بعد أن ظهرت بوادر الانقسام بين تيار السلال و تيار البيضاني ، وتم احتسابي على تيار السلال، بعد أن دخلت بخلاف مع التيار المحسوب على البيضاني في تعز ، فعملوا على إزاحتي من الموقع الذي أشغله في القيادة ومن مدينة تعز برمتها.
بدأ يتعرف على المدينة والتقى بكثير من الشخصيات السياسية التي ارتبطت بالاتحاد اليمني وعرفها في مدينة عدن والقاهرة وعلى راسهم النعمان الإبن وعلي محمد عبده ، كان شاهد على سجالات طويله بين محمد النعمان وآخرين في ليالي صنعاء الباردة يتذكر منهم علي بن علي صبرة . المدينة التي بدأت تثب الى الحياة بعد ليل القرون.. لم يكن بها فندق للإقامة عدا سماسر” نُزُل” المدينة القديمة بأوضاعها المزرية، ولم يكن بها مطاعم ، لكنها بدأت رويداً رويداً تتعصرن مع صعود رؤوس أموال بعض التجار اليمنيين من عدن إليها ، فنشأت الفنادق والمطاعم والمباني الحديثة في المنطقة الواقعة بين منطقة شرارة ( ميدان التحرير ) وسور المدينة القديمة، وصارت تعرف لاحقاً بشارع علي عبد المغني. وصارت في أدبيات الدراسات الاجتماعية والتاريخية تعرف بمدينة صنعاء الجديدة ، بعماراتها الاسمنتية وشرافاتها الواسعة، التي تختلف كلية عن نمط العمارة الصنعائية التقليدية والمشيدة بالطين المحروق ، والنورة والجص.
يقول السفاري بقيت في صنعاء لأشهر قليلة ، وتم تحويلي الى وزارة الخارجية ، حيث قام باختباري محسن السري الذي أجازني للعمل في الخارجية ، لأن لغتي الانجليزية كانت رفيعة بفعل دراستي بمدارس عدن. أذكر في تلك الفترة عرض علي عبد الغني مطهر العمل وكيلاً لوزارة الصناعة الناشئة ، لكني فضلت الخارجية.
تم ترشيحي للعمل كقائم بالأعمال في سفارة الجمهورية العربية اليمنية في يوغسلافيا ، بمعية السفير محمد أحمد النعمان ، فسافرت عن طريق القاهرة على طائرة نقل عسكرية مصرية بكراسيها الحديدية ، ومن المصادفات العجيبة أنه كان من ضمن ركاب الطائرة عبد الرحمن البيضاني في خروجه الإشكالي من اليمن.
لم أبق في يوغسلافيا غير ستة أشهر ، وتم نقلي إلى المانيا ، لأن السفارة في بلجراد شكلت عبئاً على الخارجية لعدم ارتباطها بأعمال حقيقية ؛ وقال إن العمل الوحيد الذي قمت به أني استطعت الحصول على مولد كهربائي ضخم هدية من الحكومة اليوغسلافية ، وتم شحنه الى الحديدة ، وظل يعمل لسنوات طويلة في كهرباء صنعاء . وحين وصلت المانيا وجدت السفارة غارقة في الديون للمشافي والجهات الصحية الأخرى، لأن أمراء المملكة المتوكلية وكبار موظفيها ، قبل ثورة سبتمبر، كانوا يذهبون للاستشفاء هناك على حساب الحكومة ، التي تأخرت بدفع ما عليها من التزامات لتلك الجهات ، حتى أن طاقم السفارة ، من جراء شح الامكانيات ، كان يتناوب على تنظيفها، لعدم وجود عمال نظافة فيها ، وحين علمتُ أن وزير المالية في حكومة الثورة المرحوم عبد الغني علي أحمد في القاهرة سافرت إلى هناك لعرض مشكلة ديون السفارة عليه، لكني عدت خائباً. فقررت العودة الى المانيا لتصفية أعمالي ، والعودة الى عدن لإحساسي أن العمل في الدوائر الرسمية كان على حساب تجارة والدي . اتصلت بالوالد وأخبرته بعودتي الى عدن ، فطلب مني البقاء هناك حتي يصل الى المانيا للاستشفاء من امراض المناطق الاستوائية التي أصابته وهو يعمل بين جيبوتي والشيخ سعيد في مرحلة مبكرة من عمره ، وبعد وصوله تم عرضه على طبيب الماني مشهور في مدينة هامبورج كان إسمه “برفسور مور” الذي كان يتزين معصمه الأيسر بساعة ثمينة عليها صورة الإمام أحمد ،وحصل عليها هدية منه أثناء عمله ضمن بعثة طبية المانية في اليمن.
عدت مع والدي الى عدن ، وبدأت أتفرغ لأعماله التجارية ، وأول ما فعلته انتقلت الى الحديدة لفتح فرع تجاري هناك ، وكنت أقوم بشحن البضائع من عدن الى الحديدة على سفينة أسمها الظافر يمتلكها التاجر الوجيه ، وتوسعت أعمالنا بتوكيلات جديدة للمنتجات المصرية مثل “منجا قها ” وثلاجات ايديال ، وبعدها بقليل استحوذنا على توكيل شركة مرسيدس الألمانية في الشمال ، وفتحنا ورشة ووفرنا قطاع الغيار لمنتجات الشركة من السيارات والشاحنات وغيرها.
يقول في تلك الفترة نفذنا بناء عمارة السفاري في ميدان التحرير بالحديدة كواحدة من المباني الحديثة في المدينة ، التي بدأت تنهض اقتصادياً بسبب نشاط الميناء ، وانتقال العديد من رجال الاعمال ” التجار” من عدن اليها بحثاً عن فرص استثمارية ، إلى جانب وجود الطريق الحيوي الذي يربطها بالعاصمة ، والذي نفذته الحكومة الصينية في أواخر سنوات كم الإمامة.
لم تنقطع علاقتي بعدن وصنعاء ، فقد كنت أصعد للثانية من أجل انجاز رخص الاستيراد، ومتابعة المعاملات ، وأتذكر من صنعاء تلك الأيام انها بدأت تستوعب الكثير من الخدمات الجديدة كالمطاعم والفنادق ، اذ تحول قصر البشائر الى مطعم حديث ، وإن موظفي الصليب الأحمر في اليمن حولوا جزءَ من طابقه الأسفل الى ملهى ومرقص ؛ وعلى الرصيف الغربي من شارع علي عبده المغني أنشأ علي أحمد شعلان شقيق وزير البلديات محمد احمد شعلان فندق المخا ، والذي تحول الى واحد من رموز صنعاء الجديدة ومزاراتها . أما المناضل عبده الدحان والد الصديق صالح الدحان فقد حوَّل أحد المباني الصنعائية بالقرب من التحرير الى فندق شعبي أسماه فندق صنعاء ، والذي اشتهر بكونه ملتقى للجميع من السياسيين ومن كل الأطياف.
“يتبع”
من صفحة محمد عبد الوهاب الشيباني في الفيس بوك

اخبار ذات صلة