كانت المرة الأولى التى رأيت فيها السيدة سعاد جارتنا الجديدة وهي تضع حقائبها في المصعد متجهة على الأغلب إلى شقتها، هي إمرأة في العقد الخامس من العمر تتشح بالسواد ويبدو الحزن والسكينة على ملامح وجهها.
“مسكينة” هكذا وصفها بواب العمارة، واستكمل الرواية ” خسرت إبنها منذ عدة أشهر وهذا ما دفعها للبحث عن سكن جديد هي وبناتها”.
لم أرى السيدة سعاد مرة أخرى حتى وصلني خبر وفاة والدتها فذهبت إلى شقتها لأقدم واجب العزاء .. وبقيت معها حتى رحل آخر الضيوف وعندما فرغت الصالة من الجميع انفجرت سعاد في البكاء حزنا على أمها حاولت مواستها وبدأت تحكي لي قصتها قالت ” كنا عائلة شديدة الثراء وكان زوجي رحمة الله عليه يعمل في السياحة وفي أحد الأيام قرر أن يترك العمل لدى الآخرين ويبدأ عمله الخاص، وبالفعل جمع كل أموالنا السائلة وباع عدد من العقارات وذهب إلى أحد الدول العربية لاستئجار فندق فاخر هناك، وتنهدت سعاد” كان مشروع واعد وناجح في البداية لكن قامت الثورة في هذا البلد وتوقفت السياحة تماما وخسرنا كل أموالنا التي استأجرنا بها هذا الفندق وعندما عاد زوجي الى مصر لما يساعده أصدقائه القدامى عقابا له على محاولة الانفصال والاستقلال بعمل جديد، وحاول كثيرا الحصول على عمل مرة أخرى لكنه فشل على مدار عام مما تسبب في مرضه ووفاته بسكتة دماغية” ، وبكت بحسرة وهي تتذكر ابنها حسن الذي لم يستطع تقبل الوضع الاقتصادي الجديد لعائلته على عكس أختيه فاتجه إلى المخدرات والمسكنات مما سبب انهيار رئتيه وفشل وظائف الكلى ووفاته.
أصابني الذهول من رواية السيدة المنكوبة وشعرت بتعاطف شديد لروايتها وتعجبت من قوة إيمانها التي مكنتها من تقبل هذه الفواجع والاستمرار لكن ما رسخ في عقلي إن الاستثمار ليس بالبساطة التي اعتقدتها وربما يكون في التجارة تسعة أعشار الرزق لكن الأمر ليس سهل أبدًا بل به مخاطرة كبيرة، لكن الفضول دفعني لمعرفة أسباب فشل المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الأقل نظريًا وبعد قراءة متأنية في الموضوع وجدت أن هناك العديد من
الأسباب التي تقف وراء فشل المشاريع الصغيرة..
ويعتبر سوء الإدارة على رأس قائمة أسباب الفشل بالإضافة إلى عدم كفاية رأس المال والموقع غير المناسب وغياب التخطيط.
عندما تمضي الأمور على نحو سيئ بالنسبة لأي مشروع تجاري، إعلم أن السبب في الأغلب هو المدير والذي عادة ما يكون هو نفسه المالك.
تشير الدراسات إلى أن ضعف الإدارة مسؤول وحده عن فشل أكثر من 80% من المشاريع الصغيرة، بينما تفشل الـ20% المتبقية لأسباب أخرى خارجة عن السيطرة.
بعض الناس يتحمسون فورًا لفكرة الاستقلالية ويندفعون إلى تأسيس مشاريع صغيرة دون أن يقيموا قدرتهم على الإدارة.
قد يكون لديه كافة المعلومات التجارية التي يحتاجها أي شخص يريد العمل بهذا المجال، ولكن الإدارة ليست معلومات صماء بقدر ما هي أسلوب.
وهذا الأسلوب يمتلكه البعض بالفعل، بينما يفتقر إليه آخرون ويحتاجون لبذل الجهد من أجل اكتسابه، فالشخص الذي يتمتع بمهارات التواصل وفي نفس الوقت يحترم ويقدر موظفيه يمكنه أن يقود المشروع إلى النجاح، ولكن نفس الشخص إذا لم يكن يمتلك غريزة التجارة وحس السوق لن يستطيع النجاة بالمشروع لمدة أسبوعين وليس لعشرة أعوام.
كما يعتبر عدم كفاية رأس المال أحد أشهر أسباب فشل المشاريع الصغيرة، وربما هو أكثرها وضوحًا.
والكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة يقللون من تقديراتهم للتكاليف المتوقعة لإدارة النشاط التجاري، وهذا الخطأ يؤدي إلى خسارة صاحب المشروع لأمواله، بل قد يدفعه أحياناً للاستدانة.
وقد يهمل صاحب المشروع التخطيط والتنبؤ بالتكاليف المتوقعة للمشروع.
وتقييم كل شيء بما في ذلك الإيجارات والكهرباء والرواتب.
لأن الحسابات الخاطئة لهذه التكاليف قد تضر بهامش الربح وتضرب الجدوى المالية للمشروع في مقتل.
من المهم أن يحتفظ صاحب المشروع بما يسمى “الوسادة النقدية”، وهي عبارة عن نسبة لا تقل عن 20% من رأس مال المشروع يتم الاحتفاظ بها جانبًا تحسبًا لوقوع أي حدث غير سار.
أيضا من الممكن أن يؤدي الموقع السيئ إلى فشل النشاط التجاري
فإذا كان مقر المشروع يقع في مكان خفي وغير مريح يصعب الوصول إليه فلا يهم مدى استثنائية المنتج أو الخدمة التي يقدمها المشروع لأنه خسر ميزة خطيرة وهي الظهور.
ومن الأسباب الشهيرة التي تؤدي إلى الفشل .. الخلط بين الشخصية المالية للمشروع والذمة المالية لصاحبه مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب وخيمة، وقد يصل الأمر إلى تصفية المشروع بعد أن استنفذ صاحبه الإيرادات على مصاريفه الشخصية.
أيضا فشلت الكثير من المشاريع بسبب غياب التخطيط، ولذلك من المهم جدًا أن يتم وضع خطة عمل للمشروع قبل أن يتواجد فعليًا على الأرض، وليس بالضرورة أن تكون أفضل خطة في العالم أو مكونة من 40 صفحة مفصلة، ولكن يجب على الأقل أن توضح الخطة الجوانب الرئيسية للسوق وطبيعة المنافسة.
ختامًا
المشروعات الصغيرة كانت ولا تزال قلب معظم الاقتصادات الحديثة. فهي تساهم في خلق فرص عمل وتقديم منتجات جديدة إلى السوق وتعزيز دخل الأفراد، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن العديد من الجوانب الإيجابية في الكثير من الاقتصادات.
ولكن رغم هذا الدور الاقتصادي الحيوي، تشير الدراسات إلى أن حوالي 50% من المشاريع الجديدة تفشل في البقاء على قيد الحياة بعد أول 5 سنوات، بينما لا يحتفل بالذكرى السنوية العاشرة سوى الثلث. وهذا هو السبب في أن فكرة تأسيس عمل تجاري صغير أصبحت بمثابة اقتراح مخيف بالنسبة لكثيرين ربما يحتاج هؤلاء الى دورات تدريبية تساهم في صقل مهاراتهم في إدارة المشروع وهنا يأتي دور الحكومة في توفير هذه الدورات لمساعدة هؤلاء المستثمرين المبتدئين على خوض غمار المنافسة دون مخاطرة..
اخبار ذات صلة
-
الدكتورة ماجي دميان تكتب: الذكاء الاصطناعي والاقتصاد وسوق العمل
ثار مؤخرا الحديث عن “الذكاء الاصطناعي” كمصطلح وكعلم وتداولت... -
من المستفيد من الاغراق السلعي في السوق اليمنية؟
صادق الجابري أتابع وغيري ما يجري من استهداف ممنهج... -
عبدالرحمن الكحلاني نجاح يتأكد و ثقة تتعمد
كتب/ علي عمار بادي ذي بدء لابد ان انوه...