عندما كنا صغارا اعتدنا ان نسمع الكبار يصفونا المتلون والصامت بالحرباء ولم يكن هذا الوصف مقتصرا على أجدادنا بل وجدت عشرات المقالات التي تهين أشخاصا بوصفهم بالحرباء، وربما يكون التلون امرا لا تقبله النفس البشرية مع الأشخاص الذين يغيرون مبادئهم وأخلاقهم. لكن ماذا بالنسبة للأفكار؟! تعلمت من الحياة أن الإنسان عليه أن يغير أفكاره ويتعلم من الخطأ ويصحح اتجاهاته فهل يعتبر هذا تلونا؟ لا اعتقد هذا بل الثبات وعدم التغيير هو موت فكري وروحي، تحضرني هنا مقولة للرئيس أنور السادات “الذين لا يستطيعون تغيير نسيج أفكارهم، لن يكونوا قادرين على تغيير الواقع، ولن يحرزوا أبداً أي تقدم” لكن هل التغيير سهل؟ وهل علينا اكتساب مهارات وقدرات معينة للتغيير؟ التغيير صعب وشاق جدًا لقد استمرت دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر سنة في مكة.. وكانت مقاومة التغيير الذي طلبه محمد عنيفة إلى درجة التخطيط لقتله مما دفعه إلى أن يهاجر مع مجموعة من الصحابة إلى المدينة المنورة لتستمر الدعوة لمدة عشر سنوات أخرى. وكان كل ما يطلبه رسول الله هو تغيير الأخلاق ” إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق”.. قد تبدو مهمة سهلة لكن أحيانا تغيير طبائع البشر قد تكون مهمة مستحيلة ” لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم” ولذلك يعتبر رسول الله أعظم القادة الذين أنجبهم التاريخ لأنه انتشل أمة كاملة من الجهل والتخلف لينقلها إلى الحضارة والرقي. وبالعودة إلى أسباب وعوامل التغيير علينا ان نتطرق إلى معادلة ظريفة هي معادلة التغيير (Formula for Change) تم إنشاؤها بواسطة ريتشارد باكهارد ، وديفيد غلايتشر وتوفر هذه المعادلة نموذجًا لتقييم نقاط القوة النسبية التي تؤثر على النجاح المحتمل أو غير ذلك لبرامج التغيير التنظيمي. وبحسب المعادلة يجب أن تكون هناك ثلاثة عوامل لحدوث التغيير التنظيمي الجاد. وهذه العوامل هي: ع x ر x أ > م ع = عدم الرضا عن كيفية سير الأمور الآن. ر = رؤية خاصة بما يمكن تحقيقه. أ = أولاً، الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتحقيق الرؤية. إذا كان ناتج هذه العوامل الثلاثة أكبر من م = المقاومة. عندئذٍ يكون التغيير ممكنًا. ونظرًا لأن العوامل (ع) و(ر) و(أ) تتضاعف، إذا كان أي عامل غير موجود أو منخفضًا، فسيكون الناتج منخفضًا وبالتالي سيكون غير قادر على التغلب على المقاومة. ولضمان الحصول على تغيير ناجح لابد من استخدام التأثير والتفكير الإستراتيجي من أجل خلق رؤية وتحديد تلك الخطوات الحاسمة المبكرة لتحقيق هذه الرؤية. علاوة على ذلك، يجب أن ندرك وتقبل عامل عدم الرضا الموجود وعلاجه عن طريق التحليل التنافسي لتحديد الحاجة إلى التغيير. وتعتبر أهم أدوات التغيير هو الوعي وأن يكون الإنسان على معرفة بواقعه وجوانبه الإيجابية والسلبية ، فمن المهم أن يواجه الإنسان نفسه بأخطائه وعيوبه كما يكون على علم بنقاط قوته فيعمل على تحسين تلك النقاط والتخلص من ضعفه، وربما من أكثر ما يساعد الإنسان على التحرر من سجنه الفكري.. القراءة والسفر ومقابلة الآخرين للتعلم من الحياة، وربما تكون أكبر عوائق التغيير هي الخبرات السابقة التي تجعل الإنسان خائفا من الفشل والمحاولة مرة أخرى، والعامل الثاني في التغيير هو الإرادة والإصرار على الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع الجديد، وفي هذه المرحلة على الإنسان أن يعلم أنه إذا لم ينجح في تحقيق هدفه فسيضع الله أمامه هدف جديد قادر على تحقيقه، ولا يمكن أن نصل إلى أي نقطة دون التقدم نحوها وهذا يعني العمل ثم العمل. ختامًا “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” لكن الجميع يفكر في تغيير العالم لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه، قبل ان ننظر إلى الحرباء نظرة احتقار علينا أن نتعلم منها استراتيجية التكيف والموائمة مع حدة النظر وأن نتوقف عن تبني القوالب الثابتة في تحليل الأمور فالسر في عمل التغيير يكمن في أن تركز طاقاتك ليس في محاربة القديم بل في بناء شيء جديد..