السعودية تسحب 51 مليار دولار من الاحتياطي لتغطية خسائر استثمارات بن سلمان

لندن ــ العربي الجديد
أظهرت بيانات رسمية أن المملكة العربية السعودية خسرت نحو 51 مليار دولار من أصولها الاحتياطية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وسط وتيرة متسارعة لاستنزاف الأموال المتراكمة على مدار عقود، من أجل تغطية الخسائر الناجمة عن تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا الجديد الذي أطاح استثمارات المملكة في صناديق ومشروعات عالمية تبناها وليّ العهد محمد بن سلمان.
وكشفت البيانات التي رصدها “العربي الجديد” من خلال النشرات الرسمية لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) عن تراجع إجمالي الأصول الاحتياطية في إبريل/ نيسان الماضي إلى 1.682 تريليون ريال (448.5 مليار دولار)، مقابل 1.873 تريليون ريال بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2019.
ووفق النشرة الإحصائية الشهرية الأخيرة، التي نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودي على موقعها الإلكتروني في وقت متأخر من مساء الأحد، سجل الشهر الماضي وحده تراجعاً في الأصول الاحتياطية بنحو 24.8 مليار دولار بما يقارب نصف ما استُنزف منذ بداية العام.
وتظهر مؤشرات السحب من الاحتياطي خلال السنوات الأربع الماضية، أن المملكة قد تخسر ما جنته من أموال على مدار عقود في خزائنها تماماً في غضون سنوات معدودة.
وبحسب رصد “العربي الجديد”، فقدت السعودية نحو 167.7 مليار دولار من الاحتياطي منذ نهاية عام 2015، مع بدء انهيار أسعار النفط، بينما فشلت خطط تنويع الاقتصاد التي روّج لها ولى العهد في “رؤية 2030” التي أُعلنَت قبل أكثر من ثلاث سنوات.
وبدت توقعات صندوق النقد الدولي للسعودية، أكثر تشاؤماً، إذ حذر في تقرير له في مارس/آذار الماضي من اندثار ثروات المملكة في عام 2035، إذا لم تتخذ “إصلاحات جذرية في سياساتها المالية” التي ترتكز أساساً على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج التي توقع أن تندثر أيضا ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024، ثم سلطنة عُمان في 2029، والكويت في 2052.
وزادت جائحة كورونا من الضغوط المالية التي تتعرض لها السعودية، إذ سببت خسائر فادحة لاستثمارات خارجية تبناها وليّ العهد خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب بيان صادر عن وزير المالية محمد الجدعان، يوم الجمعة الماضي، حولت المملكة ما إجماليه 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي لتمويل استثمارات لصندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي، في مارس/ آذار وإبريل نيسان، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن التحويلات التي قال إنها جرت “بشكل استثنائي”.
لكن مجموعة سوفت بنك اليابانية، ذكرت في 18 مايو/ أيار الماضي، أنها سجلت خسائر تشغيلية سنوية بقيمة 1.9 تريليون ين (18 مليار دولار) في صندوق رؤية العملاق التابع لها، الذي تساهم فيه السعودية بحصة كبيرة تقارب النصف، مشيرة إلى تراجع استثمارات الصندوق في قطاع التكنولوجيا لما دون التكلفة، ما دفع المجموعة إلى تسجيل أكبر خسائر لها على الإطلاق.
واستثمارات الصندوق البالغة 75 مليار دولار في 88 شركة ناشئة أصبحت بقيمة 69.6 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار بعد تكبد خسائر تقارب 10 مليارات دولار في شركتي “وي ورك” و”أوبر تكنولوجيز” وحدهما.
وسجلت سوفت بنك خسارة بقيمة 7.5 مليارات دولار في استثمارات أخرى في قطاع التكنولوجيا عزتها أساساً إلى الصدمة الاقتصادية بسبب تفشي كورونا.
وافتتح صندوقَ رؤية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 كل من ولي العهد السعودي وماسايوشي سون، رئيس مجموعة سوفت بنك. وفي مايو/ أيار 2017 أصبح الصندوق أكبر صندوق للاستثمار المباشر، بعد أن جمع أكثر من 93 مليار دولار، منها نحو 45 مليار دولار من السعودية، كذلك يساهم فيه صندوق الاستثمار الإماراتي “مبادلة”.
وفي تقرير لها في 17 مايو/ أيار، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط تأثيرات سلبية في الطموحات والأحلام الكبيرة التي كان يخطط لها بن سلمان.
واعتبر التقرير الذي نشرته الصحيفة تحت عنوان “رفاهية السعودية وأحلامها الكبيرة تصطدم بالحائط”، أن جائحة كورونا ليست وحدها التي تعيد تشكيل نمط حياة السعوديين، بل إن انخفاض أسعار النفط يسرق من المملكة الثروة الهائلة التي اكتسبتها.
ووصف التقرير الأزمتين بأنهما “ضربتان موجعتان تهددان بإغراق الأجندة الاجتماعية والاقتصادية لمحمد بن سلمان”، في ظل غياب السياحة أيضاً التي ظهرت كحركة جديدة لتنويع مصادر الدخل في المملكة.
ولم تقتصر عمليات سحب الأموال لتغطية الخسائر وسد العجز المالي للمملكة على الأصول الاحتياطية، بل امتدت إلى تقليص الاستثمار في أدوات الدين الأميركية التي تعد السعودية أكبر الدول الخليجية استثماراً فيها.
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، منتصف الشهر الماضي، أن السعودية قلصت حيازتها بنحو 25.3 مليار دولار في مارس/ آذار لتهبط إلى 159.1 مليار دولار، مقابل 184.4 مليار دولار في نهاية فبراير/ شباط.
وزادت السعودية من وتيرة الاقتراض، حيث طرحت سندات دولية في إبريل/ نيسان بقيمة 7 مليارات دولار بفائدة مرتفعة كثيراً عن باقي دول الخليج، وبآجال وصلت إلى 40 عاماً، لتنافس مصر التي طرحت سندات على آجال بهذه المدة كأول دولة في المنطقة تزيد مدة الاستدانة إلى هذا الحد.
ومع الارتدادات العنيفة التي يسببها كورونا، وتهاوي عائدات النفط، اندفعت المملكة إلى إجراءات وصفها وزير المالية بـ”المؤلمة”، لكنه أكد أنْ لا مفرّ منها.
وتقرر إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%، بدءاً من الأول من يوليو/ تموز، وفق منشور رسمي أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس) في 11 مايو/ أيار الماضي.
كذلك “ألغت الحكومة أو أجلت”، وفق المنشور، بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفضت اعتمادات عدد من المبادرات والبرامج والمشاريع الكبرى للعام المالي 2020.
وربما طاولت الإجراءات التقشفية الحكومية رواتب الموظفين، حيث كشفت الحكومة عن “تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين، وينتظر إعلان توصية بشأنها الأسبوع المقبل.

اخبار ذات صلة