قراءة فاحصة بمقال رسالة من أ.د. بن حبتور بشأن خذلان حكام … العالم العربي / الإسلامي بمؤتمر نيويورك لقضية فلسطين

قلنا من قبل ان كاتبنا الهمام لا يترك الفرص تمر عليه مرور الكرام بدعممة وتلك هي طبيعة المناضل الثوري المشتبك، حيث تتحول لدية المبادئ والقناعات الثورية الى ثقافة سلوك يومي يمارسه كفطرة جبل عليها وليس سهل عليه مغادرتها، مهما كانت قساواة الظروف والأوضاع او سلاستها ويُسر ما تحوزه من مكنونات وبصرف النظر عن ملابسات نشأتها، وذلك ما تميز به دولة البروف / عبد العزيز بن حبتور … ليس مجاملة او تدليس بل هو تقرير واقع يعلمه جل معاصريه من رفاق – زملاء مهنة – أصدقاء – وكذا الفرقاء والخصوم، فهو يأبى ان يترك فرصة إعلاء شأن الانتصارات والمكاسب التي تحققها قضية الشعب الفلسطيني كما لا يترك فرص التنكيل والإذلال باعداء فلسطين الشعب والوطن المغتصب كائناً من كان او يكونون، ولعل هذا المقال الذي نحن بصدد تقديم قراءة فاحصة لمحتواه اصدق دليل الصوابية ما ذهبنا اليه من حكم موضوعي عادل بلغناه بيقين دراية … وعميق معرفة بشخص الكاتب انار الله بصره وبصيرته بتوفيق رضوانه …

من خلال عنوان هجومي مباشر لكنه طويل الى حد ما احتجت الى التصرف باختصاره لجعله ترويسة لهذة القراءة الفاحصة التي نسجل فيها ما يلي: لقد كان ولوج المقال بمقدمة توضيحية عن طبيعة الحدث (موضوعه – مكان انعقاده – الدعاة الممولين – المشاركين فيه )، لكن الإستهلال كان بليغاً جداً في اشارته الى اللحظة الفارقة في تاريخ امتنا العربية والتي تشهد واحدة من اشد معارك الصراع الوجودي الفلسطيني ضد العدو الصهيوامريكي، تخوضه الفصائل الجهادية الفلسطينية بمعية محور المقاومة لتهشيم وإزالة المشروع الاستيطاني الصهيوني، موضحاً كيف جاء انعقاد مؤتمر نيويورك لمناقشة “حل الدولتين” بدعوة وتمويل من المملكة العربية السعودية + الجمهورية الفرنسية في تلك اللحظة الفارقة، والذي حضره عدد من الدول العربية والإسلامية والغربية كذلك على مدى ثلاثة أيام بلياليها وعقد بالمقر الرئيس لمنظمة الأمم المتحدة ، بمضمونه النهائي الذي يشرعن للاغتصاب الصهيوني لفلسطين الوطن التاريخي والشرعي للشعب الفلسطيني، مؤتمر لو قيض له النجاح لأعطى للفلسطينيين فتات ارض مجزئه ومقسمة تبعثرها المغتصبات التي تعج بقطعان المستوطنين.
واصل الكاتب الفطن تسطيره بنفس تنديدي أن الحضور بالمؤتمر ناقشوا على مدى الأيام الثلاث ما بين أيديهم من مقترح، دون أي اعتبار لوقائع الميدان ومجريات الأمور على الأرض وحجم الدماء والتضحيات والمعاناة من نزيف الأرواح وشلالات الاشلاء والدماء التي يقدمها الشعب الفلسطيني يومياً، مؤكداً ان المبادرة ليست نقاش سیاسي بل انه تحول لمسار خياني و وصمة عار في وجه كل من بصم بالتوقيع على وثيقة المخرجات ،وبان هذا، الموقف المخزي سيحفظ في سجل تاريخ الامة، وهو ما يستوجب رفع صرخة كل صاحب ضمير حي بوجه من وقعوا على تلك الوثيقة المنفصلين عن الواقع هروباً من تحمل المسؤلية في نصرة الشعب الفلسطيني لنيل كامل حقوقه المشروعة .
ثلاثة أيام من النقاشات التي لا طائل منها كأنها مثل الحرث في البحر ترأسها وزيرا خارجية فرنسا والسعودية خرجت ببيان هزيل عديم الفائدة فقط لتبرئة الذمة …

ما يحز بالنفس هو توقيت الانعقاد الذي تزامن مع تصاعد الصراع والمواجهة مع العدو الصهيوامريكي بتهشيم غطرسته وتمريغ انفه من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة بمعية اليمن “جيش + شعب + قيادة ثورية وكذلك المقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية ومع الجميع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادتها + جيشها + شعبها” كمحور عربي / إسلامي مقاوم نهض موحداً منذ انطلاق طوفان الأقصى المبارك في السابع من أكتوبر ۲۰۲۳م مستمراً حتى تاريخ انتهاء مؤتمر الخيانة وما بعده بعون الله وتوفيقه وهذا يعني ان انعقاد “المؤتمر سيء الصيت” جاء بعد اكثر من ۲۲ شهر من المنازلة التي خاضها محور المقاومة العربي / الإسلامي ضد المحور الصهيوامريكي والأوروبيين الصهاينة + والمتصهينين العرب والمسلمين.
و برغم حالة عدم التكافؤ العسكري الأمني الاقتصادي / التقني في هذه المعركة و التفوق الكبير لصالح محور العدوان، إلا أن قيادة محور المقاومة استطاعت جعل كفة السجال والمنازلة تميل لمصلحتها من خلال انضباطية القيادة والسيطرة وتوظيفها الإبداعي لإرتفاع الروح المعنوية / الإيمانية لمجاهديها بغض النظر عن التضحيات والخسائر المادية والبشرية التي قدمتها، وهو امر طبيعي في مثل هذه المواجهات التي يكون فيها المحتل الاستعماري المدعوم بقوة الغرب الجماعي المهيمن عالمياً منذ قرون على جغرافيا وثروات دول الجنوب، لكن تفوقه وهيمنته تلك لم تعكس على مر التاريخ نتائج قتاله مع مقاومة الشعوب في سبيل تحررها ونيل استقلالها والامثلة عديدة بهذا الشأن ..

وهنا يذهب الكاتب بنا كعاداته الاكاديمية الى التاريخ تأصيلاً لإجابته ومجسداً في سرده أروع الدلالات التي صنعتها الاحداث والوقائع التاريخية المجيدة حيث يورد لنا حقائق الهزائم والانكسارات التي ألحقت بقوى الاستعمار والهيمنة الغربية، والجميل انه لم يغص بنا عميقاً جداً لدرجة استحضار معارك التتار والحروب الصليبية بل اكتفى بنماذج تحررية من القرن العشرين تسهل الإحاطة بها، مثل ميادين المجد وساحات البطولة في فيتنام والجزائر وكوبا الاشتراكية واليمن الديمقراطية وأفغانستان والصومال والعراق ولبنان، وكلها نماذج تثلج الصدور وتسر القلوب سطرت فيها الشعوب الحرة ملاحم كفاحية تحررية ستتذكرها الأجيال بفخر ولن تنس ذكراها من اذهان القوى الاستعمارية كذلك ..
كما ان الكاتب الفذ لم يغفل جرعة التنكيل والإذلال التي يصبها على رؤوس قوى التنمر والاستكبار ومطاياهم من العربان اهل الذاكرة المعطوبة كما اسماهم، وتلك العادة التي لطالما اشتهر بها واعتاد ممارسته عليهم في مثل هكذا محطات مفصلية …

وفي الفقرة الأخيرة قبل المرتكزات السبعة والخلاصة المعتاد تسطيرهما، يأخذنا الكاتب الرصين الى ساحة أخرى من ساحات الأكاديميا، وهي ساحة الأرقام والاحصائيات التي تبهج أسارير القارئ اللبيب والمهتم الفطن لأهميتها الدلالية والتوثيقية في ترسيخ السردية بأذهان الأجيال، حيث وجدناه يطالعنا نصاً بما يلي: تخيلوا معى ولو للحظة واحدة أن

يأتي مؤتمر نيويورك الصهيوني المشبوه بعد عقد سلسلة من المؤتمرات العربية والإسلامية الخيانية، وشعبنا الفلسطيني في قمة قتاله ومقاومته وعظمته وكبريائه، ودفع مقابل هذا الصمود ما يزيد على ٦٠ ألف شهيد، نصفهم من الأطفال والنساء، وكذلك أزيد من ۱۳۰ ألف جريح وجريحة، أزيد من نصفهم من الأطفال والنساء، مع تدمير قرابة ٦٥% من البنية التحتية والخدمات والمساكن في قطاع غزة، وهي الاثمان الباهظة التي تتزامن مع تجويع وإفقار مليونين وثلاثمئة ألف مواطن فلسطيني غزي، محاصر من الغذاء والماء والدواء) .
تلك هي روعة اي كاتب للمقالة السياسية عندما يكون أكاديمي ومثقف ثوري يحمل هموم وتطلعات شعبه وأمته .. ولم يكتف دولة البروفسور / عبد العزيز بن حبتور ، بما سلف من تسطير لمحتوى مقاله العروبي والقومي هذا بل ألفيناه يضيف من روائع الحديث ما يلي نصاً: (ومع ذلك، يأتي هذا المؤتمر الخياني كطعنة خنجر مسموم في ظهر الشعب الفلسطيني البطل المقاوم، وبيد من حضر وشارك وخطط ونفذ من العرب والمسلمين لمؤتمر نيويورك الصهيوني متسائلاً : ألم يفكر هؤلاء الحكام العرب والمسلمين بأن فلسطين وقضيتها التاريخية هي أمانة دينية وأخلاقية وإنسانية وسياسية، ملزمة السداد والدفاع عنها كمسؤولية مطلقة عليهم، للأسباب والدواعي الاستراتيجية ..؟؟ ..
الى هنا وتكفي القراءة الفاحصة مداها لما سلف ولننتقل الى المرتكزات السبعة والخلاصة ….
أولاً :

في هذا المرتكز يتسائل الكاتب مستغرباً بالقول: “كيف يحق لجماعة المؤتمر الخياني ان يطالبوا من المقاومين تسليم أسلحتهم التي يدافعون بها عن قضيتهم، بينما لم يُطلب من عدوهم أي شيء وهو مدجج بالأسلحة التقليدية + النووية التي يهدد بها العالم ..!!

ثانيا :

وكذلك في المرتكز الثاني ايضاً يسائل الحكام المسلمين والعرب باي حق يطلبون من فصائل المقاومة الفلسطينية بمغادرة وطنهم، وهم وابائهم واجدادهم يكافحون منذ اكثر من مئة عام لينعموا بالاستقرار في وطنهم الذي دفعوا من اجله الغالي والنفيس، ولم يُطلب من المغتصب فعل ذلك ..!!!

ثالثاً :
ويتكرر السؤال الاستفساري بإلحاح عن من سمح للحكام العرب والمسلمين بخيانة أرواح ودماء الشهداء الفلسطينيين والعرب والمسلمين، الذين روت انهار دمائهم الأرض الفلسطينية واحيت قضية الشعب الفلسطيني بعد ان كاد يتم دفنها، و بعد أن أصبحت قضية احرار العالم جمعاء تحركت لها شوارع المدن والعواصم في جميع القارات دحضاً لأفك السردية الصهيونية، التي لطالما نافقها النظام الدولي الرسمي وعمل على تكريسها لتترسخ كحقيقة لا تقبل الشك ..!!

رابعاً :

اما هنا فقد جاء سؤال الكاتب عن حجم غباء الحكام العرب والمسلمين ومدى مناعة الفهم لدنهم، من خلال عدم اخذهم للدرس والعبرة من درس اتفاقية أوسلو البائسة وأمر الاخلال ببنودها والتنصل من تنفيذها من قبل الصهايتة، وكيف ان الامريكان كرعاة ايضاً تغاضوا عن كافة الخروقات التي قام بها جيش الاحتلال واجتياحه لاراضي السلطة الفلسطينية بل وتشجيعه لزيادة حجم الاستيطان بما يقارب العشرة اضعاف، فهم لا عهد لهم او ذمة يلتزمون بها للأغيار كما يسمونهم .
خامساً :
تساؤل الكاتب عن مدى جهل وغباء الحكام العرب والمسلمين في فهم وضع ومكانة الكيان الصهيوني عند الامريكان والغرب الاستعماري، والذي كما صرح المستشار الألماني الجديد بان الكيان الصهيوني هو عبارة الذراع الغربية المعنية بتنفيذ المهام القذرة، التي يستنكف الغرب القيام بها”، ليظهر اؤلئك المأفونون كأسوياء واهل حضارة وتمدن امام شعوبهم والعالم اجمع، و رعاة الديمقراطية وحقوق الانسان والمرأة والطفل بل وحقوق الحيوان المتوحش قبل الأليف …

سادساً :
المرتكزان السادس والسابع لا مجال للقراءة الفاحصة او الفكفكة او التلخيص لهما ولا يصلح سوى الذهاب الى نص المقال الأصلي لقرائته على موقع (مؤسسة دار بن حبتور الخيرية للتوثيق والدراسات ).. وسنضع لك عزيزي القارئ الرابط اسفل المقال بإذن الله تعالى .
و في خلاصة المقال، ابدع الكاتب في تقديمه لنا خلاصة مكثفة بمهنية رفيعة المستوى من خلال عدد قليل من الاسطر، مفادها ان عمر القضية الفلسطينية من عمر النكبة ١٩٤٨ م أي ٧٧ سنة من المعاناة والقتل والتشريد بحق المواطنين مسلمين ومسيحيين من قبل عصابات الكيان الغاصب، موضحا ما قدمه أبطال، و أحرار الشعب الفلسطيني خلال هذه المسيرة الثقيلة من قوافل من الشهداء والجرحى والمعوقين والمشردين كقرابين لأرض بلادهم، فكانوا مشاعل نور للتحرر ومصادر فخر لشعبهم وأمتهم، في الوقت الذي سيلعن فيه الجبناء والخونة بكل دين وملة حسب ما ورد ذكرهم السيء في سجلات التاريخ .

ما سلف هو مبلغ إحاطتنا في هذه القراءة الفاحصة، وجهد قدرتنا في الإضاءة على ثنايا ما بين السطور وحواشي المتن لواحد من اروع مقالات صديقي ورفيق الدرب دولة البروف / عبد العزيز صالح بن حبتور .. حفظه الله ووفقه الى سبيل الحق والرشاد ….

بهذا بلغنا الختام .. والله من وراء القصد والمراد …

محمد الجوهري جامعة عدن

اخبار ذات صلة