التغيرات في العالم  .. لما بعد فيروس كورونا

بقلم : جمال عبد الرحمن الحضرمي

عاش المثقف العربي من الخمسينات الى السبعينات من القرن الماضي يشرع ويمتدح أدوار السلطة الحاكمة في حرب التحرير والنضال ضد الاستعمار والصهيونية العالمية منطلقا من مفاهيم وجدت في حينها باسم القومية وقوى التحرر العالمي مدعومة بنظريات دعمتها قوى خارجية تمثلت بالاتحاد السوفيتي والحركات والأحزاب القومية التحررية ، وبدا حينها تأسيس الحركات الإسلامية التي تساند توجهه حينا وتعارضه أحيان أخرى ، وجميعها كان هدفها قيام الحروب والصراعات والاستيلاء على السلطة والثروة في شعوبها ، واستعانت جميعها بموروث ثقافي كبير يدعوا الى القتال ونشر ثقافة الرعب والحرب ، فحقق للاستخبارات العالمية مرادها واوجدت للأقليات في الوطن العربي دورا هاما فتربع المسيحيون على عرش القومية العربية ، واوجدوا الاخوان المسلمين لامتصاص توجهات عامة السنة ، وصنعوا من أقليات عربية من أصول إيرانية او كردية او افريقية أنشطة تتناسب مع جذورها العقائدية فكان لهم ذلك ، وعاشوا في رحم الأنظمة العربية وكان لهم الدور الأبرز في ادارتها تحت مسميات مختلفة ، وفرخت الأحزاب وتوسعت وخاصة في الأنظمة الهشة والمفككة ، اما أنظمة الحكم الملكي فكانت ومازالت ادارتها تحت اشراف الوصاية التاج البريطاني والتدخل الأمريكي لاحقا ، وفي كل ذلك كان لمثقفي الوطن العربي دورا في تبرير تصرفات الأنظمة والأحزاب ولوكان ذلك ضد مصالح شعوبهم ، فأصبحت مبرراتهم وادوارهم حسب توزعهم للأدوار في حينة من مثقفي التوجه القومي الى الإسلامي فالعالمي الليبرالي  او الاشتراكي او العلماني ، وبما ينسجم مع تطلعات الأنظمة وسلوكها ، فيقرب منهم من يقرب ويبعد منهم من يبعد بحسب النظام السياسي في كل مرحلة وحكومة .

وهذا النهج للمثقفين استمر حتى سقوط الاتحاد السوفيتي ، الذي اصبح مبررا لسقوط عدد من أنظمة العالم والوطن العربي مدعين بان الديموقراطية هي البديل للدكتاتورية والأنظمة الاشتراكية فبدا الترويج لها وكان لدور الثقافة الغربية ونعيمها في ظل الديموقراطية مساحة واسعة في تفكير مثقفي العالم والوطني العربي خاصة ، فانتشروا يبشرون بها وكانت ومازالت مقرونة بوجود النظام العلماني لإدارة الحكم في الوطن العربي ، ولكن باعتراف كثير من السياسيين الغربين قد فشل هذا النهج منذ سقوط الاتحاد السوفيتي حتى مطلع القرن الواحد والعشرين لتاتي بشائر الفوضى الخلاقة في مؤتمر الدوحة على يد (كوندرا رايز) وزيرة الخارجية الامريكية التي دعت اليها ووضعت لها الوسائل والطرق اعتمادا على التيارات الدينية للوصول الى السلطة فأسقطت الانظمة العربية الواحدة تلو الأخرى منذ عام 2011م في مصر والجزائر وليبيا واليمن والاحتلال المباشر لأمريكا في العراق مستندين في كل تصرفاتهم على القوى الدينية في الوطن العربي ، معتقدين ان هذه القوى بما تمتلكه من قاعدة شعبية كبيرة سوف تساعدهم على خلق الاستقرار في الوطن العربي وتطبيق مفاهيم الديموقراطية والعلمانية الإدارية المستقرة ناقلين تجربة تركيا الحديثة باعتبارها نموذجا في الوطن العربي او التجربة في الجمهورية الإسلامية ، ولكن الزمن كان يسابقهم في وجود نموذج اخر في الشرق العربي ممثلا بالتجربة الإسلامية في ايران وطموحها في تصدير الثورة والتوسع الإقليمي ورغبتها في ان يسود نظام إسلامي جديد في المنطقة اصطدم ذلك مع التوجه الغربي في تسليم الاخوان المسلمين السلطة في عدد من الدول العربية فوجدت الثورات المضادة لها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا لتظهر قوى سياسية تعلن رفضها لمفهوم الفوضى الخلاقة وتبعاتها وادواتها ويتجدد الصراع الى ما لانهاية حتى الان ، وهنا لابد من وضع علامة استفهام جديدة بعد بروز قوى سياسية عالمية جديدة ضد التوجه الرأسمالي اللاإنساني في الصين وكوريا وروسيا الاتحادية ، وبعد ان انكشف هشاشته في إيجاد نظام صحي عالمي قادر على حماية العالم من فيروس خطير هدم صرح الاقتصاد العالمي واستغاثة منه الدول الغنية قبل الفقيرة ليسقط الجميع في فخ عدم إنسانية النظام العالمي القائم الذي استخدم العلم ضد حياة الناس واستقرارهم ووجود البشرية جمعاء ، وبدأت الدعوات لدى مثقفو العالم الى ضرورة استبدال النظام السياسي العالمي القائم على تفرد الولايات المتحدة بالسيطرة على الاقتصاد العالمي وثرواته بنظام عالمي انساني قادر على تحقيق التوازن في المجتمعات وحمايتها من الكوارث والحروب وتوزيع السلطة وتسهيل التجارة الدولية وانتقالها في ظل وجود عولمة شديدة الانتشار حتى في الامراض فهل سيوجد هذا النظام بعد انتشار وباء كرونا في 2020 م ، ام هو بداية لنهاية البشرية من هذه الأرض ؟؟  

اخبار ذات صلة