– هزمنا العراق واقصيناهم من البطولة – مقبرة ذمار أجبرتني على الاعتزال – لعبتُ لأهلي تعز وشعب صنعاء وعشقت الوحدة – احتكرت كأس هداف الدوري ثلاثة مواسم متتالية – مثّلتُ اليمن في كرة القدم وتنس الطاولة والسّلّة – مواجهتي مع أخي يحيى كانت معارك طاحنة.. والخاسر منا يذهب إلى النوم – اكتسحنا الامبراطور مرتين (8/1) ، (6/1) والسبب علي محسن مريسي
ثمة لاعبون من الزمن الرياضي الجميل يأسرونك بنُبل أحلامهم وتواضعهم وعمق تفكيرهم، ناهيك عن نجوميتهم الطاغية، فتأسف – فعلاً – عن تأخر لقائك بهم.. أحمد سعد العذري – كابتن وحدة صنعاء، والمنتخبات الوطنية في سبعينيات القرن الماضي، أحد هؤلاء العمالقة الذين لا يصدؤون ولا يتغير معدنهم النفيس.. لا يزال، كما وصفه زملاؤه ومحبوه (عبق الرياضة وأيقونته الساحرة).. يتكئ على تاريخ حافل بالعطاء معمّد بالأهداف والانتصارات والإجابات التي ضربت ساقيه وركبته اليسرى بصورة واضحة آثارها، مرسومة حتى اليوم.. الهداف الكبير أحمد سعد ضيف صفحاتنا مرارًا، بحثتُ عنه والتقيته في ليلة شتاء قارسة، أخبرتُه بأنني أريد محاورته.. بدا مترددًا، لكنه بعد إلحاح وافق وأعطاني موعدًا.. وبالفعل كان عند وعده وموعده، حينها أدركتُ بأن انتظاري له في عز البرد قليل في حق شخصية لا تتكرر كثيرًا .. شخصية يجب أن تتعلم منها الأجيال المتعاقبة.. شخصية رياضية رائعة يُفترض تكريمها منذ زمن.. لن نطيل الحديث عن نجم كبير، وهو بلا شكّ يستحق ذلك وأكثر.. ندعكم مع حوار الذكريات المختصرة والحصري الذي اجراه معه الزميل انور عون – سكرتير تحرير – صحيفة “شباب ورياضة”:-
– حيرتي في سؤال البداية.. قطعها الكابتن أحمد سعد قائلاً: لعلك تريد أن تعرف نبذة عن مسيرتي الرياضية.. ومن هنا بدأ حديثه قائلاً: لقد مارستُ خلال مشواري الرياضي عدة ألعاب، مثّلتُ فيها الوطن.. ومن ذلك: (كرة القدم، تنس الطاولة، كرة السلة، وألعاب القوى).. ففي كرة القدم لعبتُ لوحدة صنعاء في مختلف المراكز، ومثّلتُ اليمن في مناسبات عدة في ليبيا وتبوك، والدورة العربية الثالثة في الجزائر، وكانت المشاركة الأبرز في دمشق مع المنتخب العسكري، وفيها هزمنا المنتخب العراقي (2/0)، وأقصيناهم من البطولة.. كما شاركتُ مع منتخب اليمن في تنس الطاولة في بطولة آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وفي الصين مع زملائي (أحمد زايد – علي بن علي – عبدالملك محمد مطهر – والمرحوم عبدالودود المطري).. وشاركتُ – أيضًا – باسم بلادنا في كرة السلة مع (عبدالله عزوة – حسين أبو الغيث – عبدالرحمن الآنسي وصالح الصباحي)، ولعبنا ضد المنتخب الفرنسي الذي تواجد في ذلك الوقت في جيبوتي، واخترتُ بعدها مدربًا للمنتخب، وعسكرنا في روسيا ثم توجهنا إلى الدورة العربية في المغرب.. أيضًا كنتُ ضمن أفضل خمسة أبطال في سباق المسافات الطويلة إلى جانب أحمد الشعباني، والإخوة عبدربه، وعلي القاضي، وعلي محمد غالب. * عدنا بالكابتن إلى كرة القدم وسألناه عن أسباب انضمامه إلى الوحدة رغم أن أخاه الأكبر يحيى – رحمه الله – كان نجمًا أهلاويًّا؟! – كانت بدايتي في ناشئي الأهلي، لكن بعد التحاقي بكلية الشرطة والتقائي بلاعبي الوحدة (محمد الرعيني – عبدالرحمن إسحاق – مطهر إسحاق) أصبحت وحداويًّا، وأيضًا رأيتُ في ذلك حلاوة للمنافسة مع أخي يحيى. * الأهلي والوحدة صراع تقليدي معروف.. كيف كانت المنافسة مع شقيقك؟ – حين كنتُ ألعبُ مدافعًا كانت المواجهة شرسة؛ كون يحيى كان مهاجمًا قويًّا، حيث ترى التحامًا عنيفًا، لا بد أن يُسقط أحدنا الأخر أرضًا، لتعلو – ساعتها – ،أصوات جماهير الأهلي ضدي قائلين: (هو أخوك يا عذري). * وبعد المباراة كيف يكون اللقاء في المنزل، ولمن كانت تنحاز الأسرة؟ – المهزوم كان يذهب للنوم مباشرة، أما الأسرة فقد كانت محايدة، لكنها تُجامل المنتصر بعض الشيء.. ودعني أوضّح هنا أن تلك المعارك العنيفة بين لاعبي الفريقين بشكل عام تنتهي مع صافرة النهاية لترى الجميع معًا، وكأنّ شيئًا لم يكن.. نخرج لنتمشّى ونتناول العَشاء معًا؛ لإيماننا بمبدأ التنافس الشريف النابع عن وعيٍ وقيمٍ تربينا عليها. * من مركز المدافع إلى مهاجم اعتلى عرش الهدافين.. ما سرّ هذا التحول؟ – كانت لديَّ نزعة هجومية في مركز الظهير الأيسر، ولطالما أحرزتُ أهدافًا، وصنعتُ كرات (مقشرة) للمهاجمين.. فعلتها كثيرًا أمام أهلي الحديدة، وأحرزت هدفًا من منتصف الملعب، وأمام الصقر – المُطعّم بأفضل نجوم عدن – انطلقتُ وراوغت المدافعين، وصنعتُ كرات لزملائي، وهذه الإمكانات الهجومية التي كنتُ أمتلكها لفتت نظر زميلي عبدالله الروضي، الذي نصحني باللعب مهاجمًا صريحًا، وعلى الفور بدأتُ رحلتي التهديفية واحتكرتُ لقب كأس أهداف الدوري ثلاثة مواسم متتالية. * ومَن هو منافسك على لقب الهداف؟ – عدة لاعبين.. أتذكّرُ الموسم الذي سجلتُ فيه (36) هدفًا، مع أنني لعبتُ ثلث الموسم، كان ينافسني شكيب البشيري من شعب صنعاء، وزميلي في الفريق نصر الجرادي، ولكلّ منهما (34) هدفًا. * ألم تأخذ المنافسة مع زميلك نصر نوعًا من الأنانية في ظل الرصيد التهديفي المتقارب؟ – أبدًا.. كلانا كان يبحث عن الآخر ليمرر له أهدافًا حاسمة؛ لأن هدفنا – جميعًا – هو فوز نادينا قبل أيّ شيء. * هناك مباراة شهيرة للوحدة أمام الأهلي انتهت لصالحكم بنتيجة ثقيلة.. حدِّثنا عنها؟ – صحيح انتهت بفوزنا (8/1) أحرز فيها نصر أربعة أهداف، وهذا الفوز الكاسح سببه الكابتن علي محسن مريسي (رحمه الله)، الذي كان يدرّب الأهلي.. حيث تعمد استفزازنا بتصريحات عِدة (حتشوفوا حنعمل فيكم إيه حنكسبكم بالراحة….إلخ).. فنزلنا المباراة مهاجمين منذ البداية ولقنّاهم درسًا قاسيًا، ثم تَحَدّونا مرة أخرى بهدف ردّ الاعتبار، وتكررت التصريحات، وفزنا مرة أخرى (6/1). * ماذا عن أفضل أهدافك؟ – أهداف كثيرة أعتزّ بها، منها هدف أمام أهلي الحديدة بطريقة (دبل كيك)، وسمّوني بعدها (القلاب)، وأحرزتُ مثلها عدة أهداف، أيضًا هدف في مرمى الأحرار في عدن عند مشاركتي مع شعب صنعاء.. وهدف في مرمى المجد عندما أُرسِلت إليّ كرة، وأنا وجمال حمدي على خطٍّ واحد في منتصف الملعب، فحاول أن يلتفّ لأخذ الكرة، لكنه لم يكمل التفافه إلاّ وقد أسكنت الكرة في الشباك. * أبرز مهاجم واجهته وأنت مدافع، وأفضل مدافع قابلته كمهاجم؟ – أفضل مهاجم أخي يحيى؛ كونه يمتاز بقوة جسمانية وحُسن تهديفي، ويبقى جواد محسن هو أفضل مدافع على الإطلاق، فعلى الرغم من أنه جاء من عدن في آخر أيامه كلاعب، إلا أنه قدّم مستويات كبيرة، ويكفي أنه كان يراوغ المهاجمين في منطقته بكل ثقة. * أفضل لاعب يمني على مرّ التاريخ، وأيضًا: من هو الحارس الأفضل؟ – علي محسن مريسي، والحارس الأفضل يحيى الظرافي، وكان دائمًا بين الظرافي وأخي يحيى تحدٍّ من نوع خاص مع كل مباراة نلعبها.. تحدٍّ كان يزيد من حلاوة المباراة. * وماذا عن شقيقيك الآخرين؟ – عبدالله كان يلعب في الزهرة وخالد كان شعباويًّا. * لاعب توسمتُ فيه امتدادًا لك؟ – خالد العرشي وعبد الناصر عباس. *ومَن هي الأندية التي كانت متميزة في تلك الفترة؟ – الشعب في إب، والأهلي والجيل في الحديدة، والوحدة والأهلي والشعب في صنعاء، والأهلي والطليعة في تعز، وأذكر هنا أنني كنتُ في زيارة لأسرتي في تعز، وطُلِب مني اللعب مع أهلي تعز ضد أهلي صنعاء، وشاركت – فعلاً – في تلك المباراة. * خلال العام 80/81 أحرزت لقب هداف الدوري وتوقفت بعدها نهائيًّا.. لماذا؟ – نظر إليّ وكأنه يسترجع ذكرى أليمة، وقال: نعم توقفتُ مجبرًا بعد مباراة خضناها في ذمار، ذهبنا للّعب في ملعب هو في الأصل مقبرة (مسحوها) لتصبح ملعبًا، وأثناء انطلاقي بالكرة سقطت رجلي في حفرة فكانت النهاية الإجبارية لمسيرتي الكروية.. أجريتُ عملية في القاهرة ثم في لندن، وهناك قال لي الدكتور: (ستوب فتبول) فكانت الطامة على رأسي لأنني كنتُ قادرًا على العطاء لعدة سنوات أخرى، وتألمتُ أكثر على الجمهور الذي كان ينتظر أهدافي ويسعد بها. * ولماذا لم نرَكَ بعدها إداريًّا ومدربًا؟ – الإصابة أجبرتني على الابتعاد نهائيًّا، ثم عدتُ في العام 84م كرئيس للبعثة اليمنية في أولمبياد لوس أنجلوس.. وكذلك شاركت مع الكشافة في استراليا العام 89م. * ناديك (الوحدة).. كيف تراه الآن، وهل تذهب إليه؟ – أذهب بين الحين والآخر، وأرى النادي الآن أفضل بكثير من السابق من حيث المنشآت والملعب والمدرجات والمسبح الذي نتمنى اكتماله، وهذا بفضل الإدارة برئاسة أمين جمعان، ونتمنى التطوير أكثر وأكثر ليثمر في النهاية للصالح العام. * والرياضة هل تمارسها أو توقفت نهائيًّا؟ -لا زالت أمارس تنس الطاولة كلّ يوم بعد المغرب رغم بعض الآلام في رجلي المصابة. * كلمة أخيرة؟ -أتمنى من شبابنا أن يهتموا بأنفسهم ويبتعدوا عمّا يضر بصحتهم ومستقبلهم، وأن يتفوق كل واحد في مجاله.
* بطاقتك الشخصية: – أحمد سعد أحمد العذري -68 عامًا – لديّ سبعة أولاد ثلاث ذكور (سامي، سمير، سامح).
** قالـوا عنـه:
الكابتن المخضرم مطهر إسحاق قال: شهادتي فيه مجروحة، لكن دعني أقول: إن أحمد سعد العذري ضمن أفضل خمسة لاعبين في تاريخ الكرة اليمنية مع (علي الورقي، يحيى الظرافي، جواد محسن، علي الحمامي)، عرفته منذ كنا في المدرسة الابتدائية.. وهو رجل بما تحمله الكلمة من معنى، صاحب إخلاق، ووفاء، وشهامة، وموهبة فذة لا تُضاهى.
وتحدث الكابتن عبدالله مظفر لاعب نادي وحدة صنعاء سابقًا، والأمين العام المساعد للنادي قائلاً: الكابتن أحمد سعد العذري شاهدته يلعب لنادي الوحدة في الستينيات حتى نهاية السبعينيات في الدفاع، وكان المدافع الصلب، بعد ذلك تحول إلى الهجوم فكان هدافًا من طراز فريد، وهو هداف الدوري لموسم (78/79) بستة وثلاثين هدفًا، وهذا الرقم لم يتم كسره – حتى الآن – في تاريخ الكرة اليمنية. النجم أحمد العذري – لاعب المنتخب الوطني لكرة القدم، ولاعب منتخب اليمن لتنس الطاولة، ولاعب كرة السلة لنادي الوحدة. لعبتُ مع العذري في فريق النادي لتنس الطاولة، وكذلك لعبت معه في فريق كرة القدم للنادي.. إنه موهبة نادرة لا تتكرر، ولن تتكرر في تاريخ الرياضة اليمنية.
نقلاً عن صحيفة “شباب ورياضة” اليمنية عدد شهر فيراير ٢٠٢٠ م