في مشهد يتشابه بمسرحيات العبث السياسي، تحولت وزارة النفط، بقيادة سعيد الشماسي الذي لا يجيد حتى التعامل مع برنامج الإكسل رغم أنه يحمل شهادة دكتوراه في المحاسبة، ووكيله طلال حيدرة الذي فشل حتى في تسجيل هدف رياضي رغم أنه خريج دبلوم تربية رياضية، إلى معمل تجارب للفوضى والنهب المؤسسي.
لم تعد الأولوية لديهم في إدارة القطاع النفطي، بل تقسيمه كغنيمة بين الوزير ومن يستخدمهم لتنفيذ اجندة تعطيل مهام الهيئة.
القانون بالنسبة لهم مجرد “وجهة نظر”، والمال العام ليس إلا خزينة خاصة تُفتح عند الحاجة، بينما القطاع النفطي يترنح بفعل القرارات العشوائية والمصالح الضيقة.
في أحدث فصول هذه المسرحية، قرر الشماسي وحيدرة منح البطولة لدومية مأجورة تلعب أدوارًا مصطنعة لخدمة أجندتهم، وعلى رأسهم محمود هشيل المقطري، الذي انتهت فترة رئاسة النقابة العمالية منذ عامين لكنه ما زال يؤدي دور “رئيس النقابة”، مدعومًا بتوجيهات مباشرة من الوزارة.
هذا الرجل الذي لم ينجح في شيء، وليس لديه أدني قدرة للعمل وقد تم اعطاءه فرصة بمدير عام بضغط وتوصيات من قيادة الوزارة لكنه فشل وتم عزله.
لذلك الان يريد ان ينتقم بتغطية فشله من خلال تحريض الموظفين، وإغلاق بوابة الهيئة لغرض تمرير ما يريدونه الذين دعموه
والهدف العام تعطيل عمل الهيئة لغرض تمرير الخروقات القانونية.
لكن أي فيلم رديء يحتاج إلى المزيد من الكومبارس، وهنا يأتي دور أسامة هيثمي، الذي لا يفرق بين التوقيع على شيك والتوقيع على كشف الحضور، لكنه يجيد شيئًا واحدًا: تنفيذ توجيهات الفاسدين دون سؤال. فجأة، قررت وزارة النفط استخدامه كواجهة مالية، فوجهت أوامرها إلى وزارة المالية لإلغاء توقيع رئيس الهيئة في البنك المركزي واستبداله بهيثمي، وكأنه فجأة أصبح خبيرًا ماليًا، بينما هو بالكاد يستطيع التفرقة بين المخصصات المالية والنثريات الشخصية!
وفي مفارقة مضحكة، قررت الوزارة إعادة تشغيل مسمى “مكتب الهيئة في عدن”، رغم أنها نفسها ألغته رسميًا بقرار دمجه في الهيئة العامة لاستكشاف وإنتاج النفط. تناسوا أنهم هم من دمجوه، والآن يريدون إحياءه مجددًا عندما احتاجوا إلى قناة مالية لسحب الإيرادات. يبدو أن الذاكرة قصيرة عندما يتعلق الأمر بتمرير الفساد، لكن الأسوأ هو نظرتهم الدونية لموظفي الهيئة، الذين يتم استخدامهم كأدوات عند الحاجة، ثم التخلص منهم عندما تنتهي المهمة.
أما الحقيقة الكبرى، فهي أن هؤلاء المتباكين على حقوق الموظفين ليسوا سوى مجموعة لصوص محترفين، ينتظرون الفرصة لاستعادة ما كانوا يسرقونه لسنوات من رواتب واكراميات وبدل علاج وبدل انتاج لأسماء موظفين معارين ومتوفين ومتعاقدين ومتقاعدين واسماء مزدوجين ومغتربين في كشوفات مكتب عدن، ويقوم اولئك المأجورين باستلام مستحقاتهم
لذلك يظهر هشيل المقطري ومن معه كمدافعين عن “حقوق العمال”، والواقع يتابعون كيفية إعادة فتح أبواب السرقة التي أُغلقت أمامهم، بعدما كانت مستحقات الموظفين يستلمون بدلا عنهم.
إن الطريقة التي تم بها نهب المال العام عبر كشوفات الأسماء الوهمية تثير الاشمئزاز، حيث تم إدراج أسماء لمغتربين لم يعودوا إلى البلاد منذ سنوات، وأسماء موظفين ومتقاعدين، وأسماء متوفين ومتعاقدين ومزدوجين وظيفيا بل حتى موظفين معارين إلى جهات أخرى!
كل ذلك كان يتم تحت ستار “حقوق العمال”، لكن في الحقيقة لم يكن أكثر من غطاء لسرقة المال العام بدم بارد،
ومع محاولاتهم لتمرير هذه السرقات، يتجه الشماسي وحيدرة إلى محاولة السطو على رصيد الهيئة في البنك المركزي عبر إجراءات غير قانونية، تسعى لتغيير التوقيعات الرسمية والاستيلاء على الحسابات، دون أي اعتبار للأعراف المالية والإدارية. والغريب في الأمر أنهم يسعون لتنفيذ هذه الجريمة علنًا، دون أي خوف من المحاسبة، وكأن الدولة أصبحت فريسة لهم يقتسمونها كما يشاؤون.
وفي ظل هذا العبث، تلعب وزارة المالية دور “المشاهد السلبي” في هذه المسرحية الرديئة. تتلقى المذكرات، تتابع الطلبات، ثم تحفظها في الأدراج وكأن شيئًا لم يكن. يبدو أن الأموال المودعة في البنك المركزي لم تعد تُدار وفق القوانين، بل وفق معارك النفوذ بين الفاسدين، بينما المالية تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستظل الحسابات البنكية للوحدات التابعة لوزارة النفط رهينة لنزوات الشماسي وحيدرة؟ ومن يستخدمونهم كأدوات قذرة لتمرير النهب؟ متى يدرك هؤلاء أن المناصب ليست مغنمًا شخصيًا بل مسؤولية وطنية؟ ومتى سيتم تحرير وزارة النفط من قبضة عصابة النهب المنظم، التي تمارس الفساد بوقاحة غير مسبوقة؟
وزارة النفط، التي يُفترض أن تكون القلب النابض للاقتصاد الوطني، تحولت إلى مركز فوضى، تُدار الأموال فيه بالمحاصصة، وتُوزع المناصب على أساس الولاء، وتُمنح الصلاحيات لأشخاص لا يملكون حتى المؤهلات التي تبرر وجودهم.
إنها ليست فقط وصفة مثالية لانهيار مؤسسات الدولة، لكنها أيضًا الطريق السريع لسقوط الفاسدين، الذين اعتقدوا أن المال العام ملكية شخصية تُنهب بلا حساب!