محمود ناجي لـ”العربي الجديد”: الانقسام المالي يهدّد بانهيار شامل لاقتصاد اليمن

حاوره محمد راجح

أكد رئيس جمعية البنوك اليمنية، محمود ناجي، أن انقسام المؤسسات المالية بين طرفي الصراع أكبر مشكلة يعاني منها القطاع المصرفي في الوقت الراهن.

وقال ناجي في مقابلة مع “العربي الجديد” إن البنوك غير قادرة على توفير السيولة المالية الكافية للمواطنين، مؤكدا على أن المشاكل التي تواجهها البنوك، لا تتوقف فقط على الاعتداءات والصعوبات في ممارسة البنوك لعملها، لكنها تتعلق أيضا بازدواجية العمل المصرفي والمالي وأزمة السيولة ووجود بنك مركزي برأسين في صنعاء وعدن بدون أي تنسيق بينهما.

وفيما يلي نص الحوار مع رئيس جمعية البنوك اليمنية، محمود ناجي.

– من وجهة نظرك، هل وصلت العملة اليمنية إلى مرحلة الانهيار؟ وكيف يمكن إيقاف انحدارها المتواصل؟

ليس هناك انهيار في العملة بمعنى الكلمة، هناك انخفاض كبير في سعرها وهذا ناتج عما تتعرض له من ضغوط نتيجة للحالة التي يعيشها اليمن من حرب وصراع طاحن، وهذا بالطبع كانت له انعكاسات سلبية على الريال، لكن رغم هذه الظروف الصعبة ما تزال العملة والاقتصاد اليمني بشكل عام في مرحلة المقاومة من أجل عدم الوصول إلى حالة الانهيار التام.
وهناك عوامل كثيرة أثرت على وضعية العملة، مثل الحرب التي دخلت عامها الخامس وهناك نقطة مهمة أخرى وهي الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن، كل ذلك كان له تأثير على انخفاض وتراجع سعر الريال مقابل الدولار، الأمر الذي يقتضي حالياً توحيد المؤسسات المالية والنقدية، إذ لا يمكن الاستمرار في ظل الوضعية الراهنة، لأن استمرار هذا الانقسام يهدد بانهيار اقتصادي شامل.

– وماذا عن وضعية البنوك اليمنية والمخاطر التي تهدد بقاءها؟

البنوك اليمنية واجهت مصاعب كبيرة وتحديات وقدمت تضحيات في سبيل الاستمرار بعملها، وكان التزاما قطعته على نفسها بالوقوف إلى جانب الشعب خلال هذه الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد. وكما هو معروف فإن البنوك هي من تقوم بفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد المواد الأساسية الغذائية والاستهلاكية بحيث تتوفر في الأسواق بصورة مستمرة وبأسعار تكون في متناول المواطن البسيط، وفي سبيل ذلك تعرضت لعديد من المخاطر فقد هوجمت مقراتها وأصولها وفروعها.

وانعكس تأثير الوضع الاقتصادي سلبا على البنوك اليمنية، التي تعاني أزمة سيولة، الأمر الذي أدى إلى سحب كثير من العملاء لودائعهم وانتقالهم من التعامل مع البنوك إلى قطاع وشركات الصرافة، إذ أصبحت شركات ومحال الصرافة تقوم بمهام البنوك وتمارس دوراً أكبر من حجمها والمصرح له بها وفق القوانين المصرفية المعمول بها. وهذا كان على حساب القطاع المصرفي، ولكن بشكل عام قمنا بدورنا بهذا الخصوص وأوجدنا نوعا من التعامل والتنسيق المشترك مع شركات الصرافة.

– كيف أوجدتم تعاملاً مشتركاً وأنتم تتحدثون عن تأثير تضخمها السلبي على البنوك؟

طبعا نتعامل معها لأننا نعيش ظروفا وأوضاعا استثنائية تحتم علينا ذلك، أيضا بالنظر إلى أن هناك مشاكل فُرضت على القطاعين معا أوجبت التشاور وإيجاد نوع من التنسيق المشترك بينهما.

– هذه المخاطر التي تواجهها البنوك اليمنية أثرت على مركزها المالي، خصوصاً أن بعضها اهتز كثيراً بسبب ما يدور من حرب وصراع، فكيف تتعامل البنوك مع المخاطر وتقلّل أضرارها ليستمر بقاؤها في السوق المصرفية؟

صحيح أن هناك ظروفاً ومخاطر عديدة فرضتها الحرب، ورغم ذلك فوضع البنوك اليمنية ما يزال إلى حد ما معقولاً، إلا أنها تواجه صعوبات في تدبير السيولة النقدية الكافية لعملائها، إضافة إلى مواجهتها بعض العقبات المتعلقة بالعلاقة مع مراسليها الخارجيين.
ووسط كل هذه الصعوبات حافظت البنوك على ودائع العملاء بكل الطرق والوسائل وتحملت في سبيل ذلك كل التكاليف الممكنة.

– هل هناك طرق يمكن أن تنقذ البنوك من الانهيار في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية؟

هناك فكرة مطروحة منذ ما قبل الحرب تتمثل في الاندماج وتكوين بنوك كبيرة بدلاً من هذا التعدد الحاصل برؤوس أموال وإمكانات محدودة، فالاندماج فكرة مهمة على البنوك اليمنية العمل عليها خلال الفترة المقبلة لتشكيل قطاع مصرفي قوي لا تهزه أي ظروف وأحداث طارئة، وكذلك حتى تكون لها القدرة على الوجود والمنافسة في السوق المصرفية الإقليمية والدولية.

– كيف تتغلّبون على مشكلة عدم الأمان، خصوصاً في ما يتعلق بنقل الأموال؟

عملية ترحيل الأموال داخليا وخارجيا تنطوي على مخاطر كبيرة، فالطرقات غير آمنة، خصوصا بعد نقل البنك المركزي إلى عدن، وقد رفعنا مذكرة للمركزي بالتجاوز عن الشرط الذي وضعه على البنوك بضرورة التوريد النقدي إلى البنك في عدن بشأن فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد.

بالمجمل نستطيع القول إن كثيرا من المخاطر أثرت على أداء البنوك في تقديم الخدمات المصرفية التي اعتادت تقديمها وبالتالي اقتصر أداؤها على تقديم أقصى حد من الخدمات الضرورية التي تمكنها من البقاء والاستمرار في دورها الاقتصادي وتوفير احتياجات اليمنيين المصرفية والمعيشية، لأنه في ظل الأوضاع الحالية لم تعد البنوك قادرة على التوسع في الائتمان المصرفي وغيره.

– الحرب خلقت بيئة عمل صعبة في كل المناطق اليمنية، فما هي التداعيات المترتبة على الانقسامات المالية؟ وكيف تعمل على تجاوزها؟

هناك كثير من المشاكل التي تواجهها البنوك، لا تتوقف فقط على الاعتداءات والصعوبات في ممارسة البنوك لعملها، لكنها تتعلق أيضا بازدواجية العمل المصرفي والمالي وأزمة السيولة ووجود بنك مركزي برأسين في صنعاء وعدن بدون أي تنسيق بينهما، لهذا ارتأت البنوك التعامل مع البنك المركزي الواقع في دائرة نشاطها كأمر واقع لا بد منه، إضافة إلى التعامل بقدر الاستطاعة مع التعليمات والإجراءات التي يتخذها البنك الآخر.

ونتعامل مع ما فرض علينا كأمر واقع، حيث تقوم البنوك بالتعامل مع البنك المركزي في عدن بخصوص فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية، ومع البنك المركزي في صنعاء في مسألة تنظيم العمل المصرفي بشكل عام إضافة إلى كونه يقع في موقع ومكان النشاط بالنسبة للمراكز الرئيسية للبنوك اليمنية.

وهناك مشاكل ومخاطر وصعوبات جمة فرضها هذا الانقسام الحاصل على البنوك اليمنية، ورغم ذلك يحرص القطاع المصرفي على التعامل مع هذه الأوضاع بأعلى درجات الصبر والمرونة.

– كيف تنظر البنوك اليمنية إلى ما يدور حاليا من صراع كبير على العملة المطبوعة التي يقوم الحوثيون بمصادرتها وإلزام الجميع في صنعاء ومناطق سيطرتهم بعدم التعامل معها؟ وهل فعلاً هناك تأثير سلبي للطبع النقدي يؤدي إلى مزيد من تدهور العملة؟

بالنسبة للطبع النقدي بشكل عام يجب أن يكون وفق ضوابط محددة بحيث لا يؤثر على سعر العملة، ويؤدي إلى مزيد من تهاويها وانحدارها، إذ يتسبب ذلك في مضاعفة الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين، وخاصة أننا بلد يعتمد على الاستيراد بشكل كبير في تغطية الاحتياجات من السلع الغذائية والاستهلاكية. وبالتالي عملية الطبع النقدي بدون أي ضوابط أو على الأقل بدون وجود تنسيق بين الأطراف المعنية، ستؤثر على الأسواق ولها مخاطر كبيرة ومضرة بالقطاعين المصرفي والاقتصادي.

وكما قلت سابقا ينبغي توحيد المؤسسات المالية والنقدية ووضع حد للانقسام الحاصل لإيجاد حل في مشكلة العملة الحاصلة حاليا، أو على الأقل يكون هناك تنسيق مشترك لإدارة هذا الملف بعيداً عن الصراع الراهن. ويجب الابتعاد عن المشاكل والتعامل مع مختلف القضايا الاقتصادية بمعايير مهنية، فاستقرار السياسة المصرفية المضطربة وإيجاد حل لأزمة السيولة في القطاع المصرفي يتطلبان توحيد السياسة النقدية والمؤسسات المالية وتحييدها عن الصراع الراهن.

– ماذا عن إجراءات مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال؟

هذا موضوع مهم، حيث تحرص البنوك على التقيد بقوانين مكافحة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما يقوم البنك المركزي بمراقبة التطورات في القطاع المصرفي بعناية كاملة، وتقدم البنوك اليمنية للبنك المركزي بيانات دورية (يومية، وأسبوعية، وشهرية، وسنوية) تغطي كافة جوانب النشاط المصرفي، وتحرص على التقيد بتعليمات البنك المركزي الرامية إلى توفير الحماية الكاملة لأصول البنوك وأموال المودعين فيها.

كما أن البنوك اليمنية تعمل في إطار القوانين واللوائح والتعليمات المنظمة لتحويل الأموال والهادفة إلى مكافحة غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب، وتحرص كل الحرص على التقيد بتلك الضوابط وفقا للمعايير المعتمدة دوليا.

وتقوم كل من اللجنة الوطنية العليا لمكافحة غسل الأموال، ووحدة جمع المعلومات في البنك المركزي بنشاط فعال في نشر الوعي في الأوساط المالية والمصرفية بخطورة نشاط غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتنفذ العديد من البرامج التعريفية والندوات وورش العمل والحلقات النقاشية الهادفة إلى توضيح الآثار المدمرة لمثل تلك الأنشطة على الاقتصاد الوطني والمصالح العليا للوطن والمواطنين.

– وكيف تتم معرفة العمليات المشبوهة والتي قد تكون متورطة في غسل أموال؟

تُصدر الجهات المختصة العديد من التعميمات الموجهة لجميع المؤسسات العاملة في القطاع المالي تحثها على تكثيف إجراءات الرقابة الداخلية واستيفاء كل الإجراءات الإدارية والقانونية الموضوعة لفرز العمليات المشبوهة إن وجدت والإبلاغ عنها للبنك المركزي والسلطات القضائية المختصة بمكافحة مثل ذلك النشاط الهدام. ولدى البنوك اليمنية وعي تام بأن متانة علاقاتها مع عملائها ومع البنوك المراسلة لها بالخارج تعتمد على فاعلية الإجراءات التي تطبقها في هذا المجال.

اخبار ذات صلة