تعيش في الظل وتقدّم قروضاً وتحقق أرباحاً طائلة في العتم وتخشاها البنوك التي تعمل تحت أشعة الشمس, إنها مؤسسات التمويل الموازي والتي تساوي اليوم قرابة الـ51 ألف مليار دولار ومعروفة باسم بنوك الظل أو La Finance de l’Ombre بالفرنسية أو Shadow Banking بالإنكليزية.
هذا النوع من التمويل وبعدما حقق نمواً بمعدل 14 في المئة عام 2017 تباطأ في العام 2018 وسجل نمواً نسبته 1.7 في المئة فقط، وكان سجل معدل نمو وسطي بنحو 8.5 في المئة بين فترة عامي 2012 و2017 حسب تقرير سنوي حديث لمجلس الاستقرار المالي Financial Stability Board (FSB) d.
تراجُع نمو صيرفة الظل في العام 2018 هو الأول من نوعه منذ تسع سنوات، مسجلاً في العام 2018 حوالي 50.900 مليار دولار مقابل 50.050 مليار دولار عام 2017 أي ما يعادل 13.6 في المئة من مجمل الأصول المالية في العالم والمقدر حجمها بنحو 378.900 مليار دولار.
بنوك الظل أو مؤسسات التمويل الموازي للتمويل المصرفي المعروف تلعب دوراً رائداً وبشكل متزايد في السنوات الأخيرة داخل منظومة المال عالمياً، وتأثر أداؤها عام 2018 وتراجع قياساً للعام الذي سبق بكثير نتيجة تباطؤ أهم محرك لهذه المؤسسات ألا وهو صناديق الاستثمار التي تشكّل لوحدها نسبة 72 في المئة من صيرفة الظل.
صناديق الاستثمار هذه سجلت نمواً شبه معدوم عام 2018 ولم يتعدَ نسبة 0.4 في المئة في العام نفسه بحسب تقرير (FSB)، وللتذكير كانت صناديق الاستثمار في إطار عمل صيرفة الظل تسجل نسبة نمو وسطية بواقع 10 في المئة في السنوات التي سبقت العام 2018، والسبب الرئيسي وراء تراجع أداء صناديق الاستثمار هو التقلب الحاد في معدلات سعر الصرف عالمياً، والتي أثرت على حركة توظيف الأموال من أجل الاستثمار.
انطلاقاً من هنا يرى تقرير (FSB) أنه من الضروري الإسراع في معالجة الأسباب التي أدّت إلى ضعف أداء إدارة الأصول، إن كان على مستوى بنوك الأعمال وصناديق الاستثمار أو شركات ضمانة الإعتمادات وما شابه في سياق عمل صيرفة الظل.
إن وظيفة مجلس الاستقرار المالي، الذي استُحدث من قبل مجموعة العشرين عام 2008 في خضم أزمة العقارات الأميركية، تحوّلت في السنوات التسع الأخيرة إلى التركيز على أداء مؤسسات صيرفة الظل وتقييم المخاطر المحتملة التي قد تنتج عن ذلك النظام المالي العالمي، لا سيما أن الكثير من هذه المؤسسات وُجهت إليها أصابع الإتهام بالوقوف وراء كارثة أزمة العصر التي بدأت عام 2008 عقارية (رهن عقاري) لتنتهي مصرفية ومالية على صعيد العالم.
وفي تلك الفترة كلنا نتذكر الزلزال المالي الذي أحدثته شركة التأمين الأميركية (AIG) قبل أن يبدأ الحديث عن احتمال إفلاسها وإسعافها من قبل السلطات، وبين الانهيار المالي الذي حلّ بشركة (AIG) إلى أي مدى كانت النشاطات المالية التي تقدمها الشركة خارج نطاق القطاع المصرفي مدمرة للأسواق وغير مستقرة للمصارف.
وبما أن تركيز مجلس (FSB) في عمله اليوم متابعة نشاط مؤسسات صيرفة الظل، فلا شك أنه سيضع عيناً على الولايات المتحدة وعيناً على باقي البلدان التي تنشط في صيرفة الظل.
فالولايات المتحدة، وبحسب تقرير (FSB)، تحتضن أكبر عمالقة بنوك الظل مع حجم مالي يقدر بنحو 15200 مليار دولار عام 2018 أي حوالي 30 في المئة من مجمل حجم هذا القطاع، ويلي أميركا في هذا الحجم الصين التي تزن مؤسسات صيرفة الظل فيها قرابة 8000 مليار دولار أي حوالي 15.5 في المئة من الإجمالي العالمي، لكن بحسب التقرير ذاته فإن حصة أميركا من ظاهرة بنوك الظل تتراجع سنوياً منذ العام 2014 بشكل بسيط، بينما حصة هذا النوع من التمويل ترتفع في الصين، وكذلك الأمر في إيرلندا.
إلى جانب هذه الجهات منفردة، يلفت تقرير (FSB) إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا ومنطقة اليورو التي تضم 19 بلداً تحتل مجتمعة أكثرية الأصول التي تتشكل منها أموال بنوك الظل، وفي مقابل هذه المجموعة تنشط دول ناشئة مثل الصين وروسيا والهند في هذا القطاع.
في فرنسا ما زال حجم هذه السوق من التمويل الموازي محدوداً ولا يثير القلق بحسب المجلس الأعلى للاستقرار المالي ويخصع للانضباط ولا يشكل أي نوع من المخاطر. ويتمثل هذا النوع من التمويل في فرنسا بالصناديق النقدية وصناديق الاستثمار. وفي أوروبا عموماً تشكل صيرفة الظل أكثر من 15 بالمئة من القطاع المصرفي التقليدي ويساوي أكثر من 1200 مليار يورو مقابل أكثر من 8000 مليار في المصارف التقليدية.
هذا النوع من التمويل غير التقليدي، والذي لا يخضع لتشريعات رسمية بدأ بالإنتشار في الثمانينيات، ووصل إلى حجم مالي أصبح يشكل تحدياً ومنافسة للقطاع المصرفي المعروف، وبحكم عمله الذي يرتكز على تلبية احتياجات طالبي الاعتماد من أفراد ومستثمرين يلتف على القواعد المصرفية التقليدية التي يرى فيها المستثمر وطالب القرض تعجيزات والتعرض للتدقيق قبل الموافقة على إعطائه الاعتماد المصرفي.
صيرفة الظل تضم تحت لوائها كل عمالقة المال الذين لا تصلهم علاقة تمويل من البنوك المركزية وليس لديهم سلطة طباعة النقود وتمارس منافسة حقيقية للبنوك التقليدية إن كان على صعيد حجم القروض وتسهيل الحصول عليها أو من ناحية معدلات الفائدة عندما تكون هذه الأخيرة مرتفعة.
فمجلس الاستقرار المالي (FSB) الذي أعدّ تقريره الأخير عن بنوك الظل، قرّر التخلّي عن استعمال عبارة (Shadow Banking) أو صيرفة الظل مفضلاً عبارة (NBFI) وهي (Non-Banking Financial Intermediation) أي الوساطة المالية غير المصرفية، والهدف من التسمية الجديدة التخلّص من معنى الظل الذي يحمل في عتمته مخاوف ومتاهات، ولا يتماشى مع مجمل وظائف المال والبنوك.
فالمجلس يقرُّ بصعوبة الحصول دائماً على المعطيات والإحصائيات في هذا القطاع وهي معقدة أحياناً من أجل مقارنتها مع أخرى.
إلى جانب ذلك، حذّر مجلس الاستقرار المالي نهاية العام 2019 حيال المخاطر المرتبطة بالقروض (Leveraged Loans) القروض التي تتحصل عليها شركات مثقلة بالديون.
هذه السوق في هذا النوع من القروض كَبُرَ حجمها في السنوات الأخيرة والدور الذي تلعبه بنوك الظل فيها توسع حجمه أيضاً.
فالتمويل الموازي يفوق حجمه اليوم الـ 120 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي كما يفوق حجمه الـ 50 في المئة من الأصول المصرفية على صعيد العالم.
كل ذلك يحصل في مصارف العتمة في معظم بلدان العالم، فكيف سيكون الحال إذا حصلت هذه المؤسسات يوماً على الامتيازات نفسها التي تتمتع بها بنوك النور؟
مازن حمود- محلل مالي ومصرفي/باريس