أمل محمد أمين تكتب “من يمول حرب السودان”؟

ما زالت الحرب تأكل جسد السودان ويتهم كل طرف من طرفي الصراع الأخر بارتكاب الجرائم وتخريب البلاد وتهجير العباد، وأثارت الأنباء الأخيرة بالإعلان المفاجئ لقوات الدعم السريع بالسودان بتأسيس إدارة مدنية لولاية الجزيرة فى وسط السودان، مخاوف الكثيرون من تقسيم هذا البلد الذى يعانى من صراع بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع منذ نحو عام.

 وكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على ولاية الجزيرة فى 18 من ديسمبر الماضي، بعد أن انسحب الجيش السوداني من حامية مدينة “ودمدنى” عاصمة الولاية وإلى جانب ولاية الجزيرة، تسيطر الدعم السريع بشكل كامل على ولايات غرب دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، لكنها لم تشكل في تلك الولايات إدارات مدنية، بل أوكلت مهمة الإدارة للقيادة العسكرية التابعة له في تلك المناطق.

وفور تعيينه، عقد رئيس الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة صديق محمد مؤتمرا صحفيا، في مدينة “ودمدني” عاصمة ولاية الجزيرة والتي تفتقر الآن لأبسط مقومات الحياة في ظل نقص حاد في السلع الاستهلاكية وتوقف العمل في معظم المستشفيات. وقال إن ما يقومون به تجربة فريدة في الإدارة وناشد المواطنين الذين فروا من الولاية العودة اليها بعد أن طالب الجيش السوداني بالتوقف عن قصف المدن والقري في الولاية بالطائرات الحربية.

وتتعدد الأسئلة حول قدرات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع و طرق تمويل كل منهما ومن يمول الحرب الدائرة حتى الآن؟

تسعون عاما فارق في العمر الزمني للجيشين ولكن مازالت الحرب مستمرة!

يبلغ عمر الجيش السوداني نحو 100 عام، وينتج الجيش معظم احتياجاته العسكرية عن طريق هيئة التصنيع العسكري، بما في ذلك الذخائر بمختلف أحجامها، والمركبات المصفحة والراجمات، بل الطائرات. ونُقل عن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أن القوات المسلحة أصبحت تنتج طائرات مسيّرة (درونات) قتالية وتجسسية، كما يتسلح الجيش براجمات الصواريخ ودبابات روسية الصنع بشكل أساسي من طراز T54إلى 72T، إضافة إلى مدرعات بي تي آر من 50 إلى 60، ومدرعات أخرى، إلى جانب صواريخ جو – جو من طرازات روسية، إضافة إلى آلاف قطع المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، وطائرات مقاتلة من طراز “ميغ” و”سوخوي”، وعدد من الطائرات السمتية وطائرات الهليكوبتر. ويتراوح عدد الجيش السوداني القتالي بين 100 و150 ألفاً بين جندي وضابط. بيد أن ترتيبه بين جيوش العالم وفقاً لتقرير “غلوبال فاير باور” لعام 2023، تراجع من المركز 73 إلى المركز 75، وإلى المرتبة العاشرة بين الجيوش الأفريقية.

وبحسب تقارير صادرة عن منظمات دولية، يبلغ عدد قوات الجيش في السودان نحو 205 آلاف جندي، بينهم 100 ألف (قوات عاملة)، 50 ألفاً (قوات احتياطية)، 55 ألفاً (قوات شبه عسكرية). فيما تصنف القوات الجوية التابعة للجيش، في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، و37 طائرة هجومية، و25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، و12 طائرة تدريب، وقوات برية تشمل قوة تضم 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالمياً، و6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالمياً، وقوة تضم 20 مدفعاً ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالمياً، وفق ما ذكر موقع “العربية”. وقوة تضم مدافع مقطورة 389 مدفعاً، تجعل الجيش السوداني في المرتبة رقم 29 عالمياً، و40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالمياً في هذا السلاح.

كذلك  يمتلك الجيش السوداني أسطولاً حربياً، رغم أنه من غير المتوقع أن يؤثر ذلك في معارك المدن الحالية، يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالمياً، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، وفقاً لموقع “غلوبال فاير بور”. واعتبرته إحصائيات صدرت عام 2021، من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الأفريقي.

ويرجع تأسيس الجيش السوداني الحديث إلى ما عُرف بـ”قوة دفاع السودان” التي كانت تحت إمرة جيش الاحتلال البريطاني، وبعد استقلال البلاد في 1956، تكون الجيش الوطني بفرقة مشاة وفرقة بحرية وأخرى جوية، تحت اسم “الجيش السوداني”. وخاض الجيش السوداني حروباً مديدة ضد القوات المتمردة في جنوب السودان وأقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان، أكسبته خبرة في حروب العصابات، لكنه تعرض لهزات عنيفة عقب استيلاء الإسلاميين على الحكم في البلاد عام 1989 ومحاولتهم “أسلمة الجيش”، وتحويل الحروب من حروب سياسية إلى حروب جهادية. وإزاء ذلك فقد عدداً كبيراً من قادته ذوي الخبرات الكبيرة والتجارب الثرية، بعد محاكمات وإعدامات وإحالات للعمل العام، وإحلال موالين للإسلاميين محلهم.

 أما قوات الدعم السريع  فقد تشكلت قواته في عام 2013، حيث تم إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالسودان إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير. غير أن هذه القوات بقيادة نائب رئيس المجلس السيادي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، نمت بسرعة خلال تلك السنوات القليلة بحيث أصبح البعض يراها جيشاً موازياً في القوة العسكرية للجيش النظامي. ولا يعلم أحد على وجه الدقة عدد وعتاد القوتين العسكريتين، غير أن المعروف أن الدعم السريع لا تمتلك قوة جوية، لذا فقد كان تحركها الأول في الصراع الحالي هو محاصرة القاعدة الجوية للجيش في مدينة مروي بشمال السودان، لكي تحيّد سلاح الجوي التابع للجيش من ضرب معسكراتها في حالة وقوع صدام مسلح بين الطرفين.

وإذا كان الجيش في الموقف الأقوى من حيث الأسلحة والعتاد العسكري، فأن قوات الدعم السريع تتميز بأن ولاءها قوي ومباشر لقائدها حميدتي، وذلك في مقابل تيارات وولاءات متباينة داخل الجيش، رغم أن الحديث يدور حول أن الغلبة داخل الجيش للتيار الإسلامي الذي كان مناصراً للرئيس المعزول عمر البشير.

ويُقدر عدد أفراد قوات الدعم بحوالي 100 ألف فرد ولها قوعد منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ويركز تواجدها على العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، واستولت في وقت سابق على عدد من المقرات مثل جهاز الأمن الوطني، ومبنى لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وتتخذ من تلك المقرات تمركزا لها وتنتشر على الحدود مع دول الجوار الأفريقي.

وفي حين لا تعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها بين حين وآخر تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروز بك آب” مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وفي وقت سابق، نفت الدعم السريع شائعات راجت عن حصولها على أنظمة تجسس دقيقة ومسيرات متطورة، واتهمت جهات لم تسمها بالعمل على تشويه صورتها.

وتعد قوات الدعم السريع أحد التشكيلات للجيش السوداني، رغم تمتعها باستقلالية كبيرة، وهو ما ساهم في وقوع الصدام الحالي بينها وبين القوات المسلحة. في يوليو من عام 2019، تم تعديل قانون قوات الدعم السريع بحذف مادة منه تلغي خضوعها لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش. وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها قوات عسكرية قومية، مشيرة إلى أنها تعمل بموجب “قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017.”

وما يعزز استقلالية الدعم السريع، حصولها على موارد مادية خاصة بها؛ إذ مع تنامي دورها ونفوذها تحدثت تقارير عن سيطرتها على عدة مناجم للذهب، والتي تديرها شركة “الجنيد” المرتبطة بـحميدتي، ناهيك عن حراستها لمناجم في دارفور وكردفان، وفق ما نقلته مؤسسة “كارنيغي”.

كما تسيطر قوات الدعم السريع على منجم ذهب في جبل عامر في غرب السودان منذ 2017، إضافة إلى مناجم أخرى في جنوب إقليم كردفان، وهي تعد مصدراً مهماً لتمويل تلك القوات، وجعلها قوة مادية وعسكرية ذات نفوذ واسع في السودان، بحسب تحليل المؤسسة. وكشف أيضاً تحقيق لوكالة “رويترز” للأنباء عن منح الرئيس المخلوع البشير حق التعدين لـقوات “الدعم السريع” في عام 2018.

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على شركات مسؤولة عن تمويل الحرب في السودان

في يناير الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات على ست شركات ساعدت في تمويل وتسليح الحرب في السودان بين الجيش السوداني بقيادة رئيس أركان الجيش عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الذي كان النائب السابق لعبد الفتاح البرهان.

وقال الاتحاد في بيانه “ما زال الاتحاد الأوروبي يشعر بقلق عميق إزاء الوضع الإنساني في السودان ويؤكد مجدداً دعمه الثابت وتضامنه مع الشعب السوداني”.

جاء في بيان الاتحاد الأوروبي أن من بين الشركات المشمولة بالعقوبات، شركتان في مجال تصنيع الأسلحة والمركبات لصالح الجيش السوداني، هما منظومة الدفاعات الصناعية، التي قدرت بروكسل إيراداتها بملياري دولار في عام 2020، وشركة إس إم تي للصناعات الهندسية، بالإضافة إلى شركة زادنا العالمية للاستثمار المحدودة التي يسيطر عليها الجيش السوداني.

أما الشركات الثلاثة المتورطة في تسليح قوات الدعم السريع، هي شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة وشركة تراديف للتجارة العامة المحدودة وشركة جي إس كيه أدفانس المحدودة، وهي شركات يسيطر عليها دقلو وأخوته.

وبهذه الخطوة اتخذ الاتحاد الأوروبي نفس  خطى الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف في السودان في يونيو 2023، وكذلك المملكة المتحدة التي فرضت العام الماضي عقوبات على شركات مرتبطة بجماعات عسكرية سودانية.

قوات فاغنر

من جهة أخرى أعلنت الإدارة الأمريكية، مؤخرا  أن مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة زودت قوات “الدعم السريع” في السودان بصواريخ أرض – جو، وأضافت الإدارة أنها فرضت عقوبات على رئيس مجموعة “فاغنر” ومديرها الرئيسي في مالي، إيفان ألكساندروفيتش ماسلوف.

وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان: “في الآونة الأخيرة، قامت مجموعة فاغنر بتزويد قوات الدعم السريع السودانية بصواريخ أرض – جو للقتال ضد الجيش السوداني، مما يساهم في نزاع مسلح طويل الأمد لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى في المنطقة”.

وتابعت أن المجموعة الروسية “ربما تحاول إخفاء جهودها للحصول على معدات عسكرية لاستخدامها في أوكرانيا، بما في ذلك العمل من خلال مالي والدول الأخرى التي لها موطئ قدم”.

لقد أودت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023، بما لا يقل عن 13 ألف قتيل وفقا لتقدير متحفظ لمشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها أكليد، فيما تقول الأمم المتحدة إن أكثر من سبعة ملايين من سكان البلاد نزحوا إلى مدن أخرى أو فرّوا خارج البلاد.

واتهم الجانبان المتحاربان بارتكاب جرائم حرب، بينها القصف العشوائي للمناطق السكنية والتعذيب والاحتجاز التعسفي للمدنيين والاعتداء الجنسي على النساء، وقد فشلت كل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى محاولة وقف إراقة الدماء بما فيها المحاولات السعودية لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإغاثية.

وفي نوفمبر 2023، ندّد الاتحاد الأوروبي بتصاعد العنف في منطقة دارفور بالسودان، وحذر من خطر وقوع إبادة جماعية أخرى، بعد أن أسفر الصراع هناك بين عامي 2003 و2008 عن مقتل نحو 300 ألف ونزوح أكثر من مليوني شخص مع استمرار الخسائر الاقتصادية وتمزيق السودان وسرقة موارده. لكن سيظل الشعب السوداني على أمل ظهور قائد الذي يستطيع ان ينهي هذه الحرب ويصل بالبلاد إلى بر السلام.

اخبار ذات صلة