وليد محمد السياغي*
لا يزال قرار منع التعاملات الربوية يلقي بظلاله على القطاع المصرفي اليمني ، حيث تحاول كافة البنوك تكييف أعمالها وخدماتها وإيجاد صيغ وآليات استثمار جديدة لا تتعارض مع مواد القانون. وكما أن القرار يؤثر على البنوك اليمنية بشقيها الإسلامي والتقليدي، إلا أن البنوك التقليدية تواجه صعوبات أكثر من غيرها في التكيف مع هذا القانون في ظل تركز استثماراتها السابقة في أذون الخزانة الحكومية وإحجامها عن منح التمويلات للعملاء، حيث وصلت نسبة التركز في أذون الخزانة لبعض البنوك إلى أكثر من 90% من إجمالي استثماراتها.
والغرض من هذا القانون هو توظيف أموال القطاع المصرفي من خلال التوسع في عملية التمويل ، وكذلك الدخول في استثمارات مباشرة تحقق تنمية اقتصادية حقيقية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
لذلك فإن التحول إلى النظام المصرفي الإسلامي يحتاج إلى توفر بعض المتطلبات الأساسية التي تساعد على نجاح هذا التحول وتحقيق الغرض المرجو وتتمثل بعض هذه المتطلبات في ما يلي:
أولاً: إنشاء محكمة متخصصة بالقضايا المصرفية:
إن طبيعة الصيرفة الإسلامية تقتضي معالجة قضايا التعثر بسرعة وفاعلية، كون طبيعة النظام المصرفي الإسلامي لا يشرع العمل بالفائدة المركبة على الدين. وعليه فإن أي تعثر أو تأخر في سداد التمويلات يمثل خسارة على البنك بحجم الأرباح التي كان من الممكن للبنك أن يجنيها في حال تم إعادة تمويل تلك الأموال لعملاء جدد.
لذلك فإن إنشاء محكمة مصرفية متخصصة سيساعد بشكل كبير على سرعة البت في قضايا المدينين المتعثرين في البنوك وإيجاد حلول لها، سواءً باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم أو مصادرة الضمانات المقدمة مقابل تلك التمويلات، وهذا بدوره سيعزز الثقة لدى البنوك وسيشجعها على التوسع في عملية التمويل من خلال رفع سقوف التمويلات الممنوحة للعملاء أو الدخول في تمويل مشاريع وأنشطة اقتصادية جديدة سواءً على مستوى العميل وعلى مستوى الاقتصاد الوطني ككل.
ثانياً: الدخول في شراكة مع الحكومة من خلال تمويل المشاريع الاقتصادية التنموية
إن الانتقال إلى الصيرفة الإسلامية يمثل فرصة ثمينة لعقد شراكة حقيقية بين القطاع المصرفي والقطاع الحكومي عبر تمويل مشاريع اقتصادية تنموية من خلال طرحها للاكتتاب بالصكوك الإسلامية أو إعطاء حق الانتفاع لبعض هذه المشاريع، خصوصاً أن هذه التجربة لاقت نجاحاً كبيراً في العديد من الدول مثل: ماليزيا ، الإمارات ، تركيا ، والمملكة العربية السعودية.
وهذه الشراكة توفر فرصة للبنوك اليمنية لتوظيف نسبة كبيرة من أموال المودعين في هذه المشاريع والتي عادة ما تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، كما أن المخاطر الائتمانية المتعلقة بهذه المشاريع غالباً ما تكون منخفضة كونها أنشئت وفق دراسات جدوى وفق معايير متطورة وحديثة راعت كافة الجوانب المالية والإدارية للمشروع.
أما الحكومة فتتمثل استفادتها في تعزيز البنية التحتية للدولة بمشاريع تنموية كبيرة يتم تمويلها من مصادر خارجية (غير ذاتية)، كما توجد للدولة مصادر إيرادات جديدة خصوصاً إذا ما كانت هذه المشاريع في مجالات الزراعة والسياحة والصناعة والطاقة والنقل. أضف إلى ذلك إمكانية جذب رؤوس أموال أجنبية ودمجها في الاقتصاد الوطني من خلال اكتتابها في هذه المشاريع.
ثالثاً: منح تسهيلات استثمارية للمشاريع المملوكة للقطاع المصرفي اليمني:
ينص قانون المصارف الإسلامية اليمني على أنه ” يحق للمصارف الإسلامية الاستثمار المباشر في المشاريع التي تنفذها بنفسها بنسبة 25% من إجمالي راس مال المصرف واحتياطاته”، لذلك فإن وجود هذا القانون يعد فرصة لاستخدام رؤوس أموال البنوك التقليدية وتوظيفها في استثمارات ومشاريع اقتصادية حقيقية جديدة ترفد الاقتصاد الوطني وتعمل على خلق فرص عمل جديدة، وهذا يتطلب سن قوانين تمنح تسهيلات خاصة باستثمارات البنوك اليمنية لتشجيعها على الدخول في استثمارات مباشرة، وتتمثل هذه التسهيلات في الإعفاءات الجمركية والضريبية ومنح الأراضي والمساحات لإنشاء المشاريع. ويمكن للحكومة منح هذه التسهيلات للاستثمارات في مجالات محددة أو وفق شروط معينة مستمدة من رؤيتها الاقتصادية وأولوياتها في تطوير الاقتصاد الوطني.
رابعاً: إنشاء مؤسسة مالية وطنية لضمان التمويلات:
حيث أن معظم الدول لديها مؤسسات مالية غالباً ما تكون حكومية أو تابعة للبنك المركزي مهمتها الأساسية ضمان القروض والتمويلات الممنوحة للعملاء بما فيهم الشركات المتوسطة والكبيرة التي يكون حجم تمويلاتهم كبير جداً. والهدف من هذه المؤسسة هو تعزيز ثقة البنوك المانحة للتمويلات وتشجيعها على زيادة حجم محفظتها التمويلية و تنويع القطاعات المستهدفة من خلال مشاركتها في تحمل مخاطر التعثر، كما أن هذه المؤسسات تعزز فرص نجاح المشاريع والأنشطة المطلوب تمويلها، كونها تشترط دراسات جدوى بمعايير حديثة للمشاريع المراد ضمان تمويلاتها.
خامساً: تعزيز ثقافة الشمول المالي في القطاعين (الحكومي والخاص)
يقصد بالشمول المالي” إمكانية الأفراد والشركات من جميع الخلفيات الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم، ويمكن أن تشمل هذه المنتجات والخدمات الحسابات المصرفية والقروض والتأمين وخدمات الدفع”. والوصول إلى الشمول المالي الكامل يساعد البنوك اليمنية على تعزيزسيولتها من خلال حجم التعاملات المالية للمؤسسات والأفراد الداخلة في القطاع المصرفي، إضافةً إلى الخدمات المصرفية والتمويلية التي يمكن للبنوك تقديمها لهذه المؤسسات والعاملين فيها المرتبطة حساباتهم بالبنوك. كما أن دخول هذه الشريحة الكبيرة في التعامل مع القطاع المصرفي يعمل على تطوير الخدمات والمنتجات المصرفية التي يقدمها القطاع المصرفي نتيجة التنافس الشديد الذي سينشأ بين البنوك لاستقطاب أكبر قدر من المؤسسات والشركات والأفراد.
ختاماً، فإن الانتقال إلى الصيرفة الإسلامية يقتضي إعادة هيكلة استخدامات الأموال في البنوك اليمنية خصوصاً التقليدية منها، من خلال أمرين:
الأمر الأول: تشجيع البنوك على التوسع في عملية التمويل وتخفيف مخاطر التعثر من خلال إنشاء محكمة مصرفية للبت في قضايا المدينين المتعثرين ، وتأسيس مؤسسة لضمان التمويلات وتعزيز فكرة الشمول المالي لتشمل جميع الأفراد والمؤسسات والشركات العاملة في الجمهورية اليمنية.
الأمر الثاني: تشجيع البنوك على الدخول في استثمارات حقيقية بشكل مباشر من خلال منح تسهيلات استثمارية لها، أو بالدخول في شراكة مع الحكومة في تمويل المشاريع الاقتصادية التنموية.
رئيس قسم التمويل والاستثمار- البنك التجاري اليمني*