مطهر تقي
كان من أهداف الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط التي أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ( كونزا ليزا رايس) عام ٢٠٠٦ هو أحداث اضطرابات سياسيه في عدد من الدول العربية التي بدأت تعاني من أزمات سياسية واقتصادية تمثل ذلك بما سمى بالربيع العربي الذي صرف شعوب تلك الدول عن القضية الفلسطينية والانشغال بمشاكلها ومهد في نفس الوقت لبعض الدول العربية الأخرى وبإشراف وحث أمريكي بالتطبيع السياسي و الاقتصادي مع إسرائيل لخلق أمر سياسي واقع يسير جنبا مع بناء مستوطنات إسرائيلية تفكك الضفة الغربية وتحيط في نفس الوقت بقطاع غزه من الشمال والشرق والجنوب لتفصل ثلث سكان الشعب الفلسطيني عن بقية إخوانهم في الضفة الغربية على طريق الترحيل القسري إلي سيناء لاستكمال آخر حلقه لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى الذي رفع خارطتها رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو الماضي وكأنه يعلن للعالم انتهاء القضية الفلسطينية ولم يبق أمام إسرائيل إلا استكمال التطبيع مع السعودية المشرفة على مكة والمدينة أهم المقدسات الإسلامية وقد بدأ بالفعل بعض اليهود زياره خيبر والمدينة المنورة وقاموا بغرس عدد من أشجار النخيل لتذكرهم بأجدادهم اليهود.
وأمام تلك الخطة التي لم يبق من زمن تنفيذها إلا القليل قام الشعب الفلسطيني وبقياده حماس و بخطة محكمة بالغة السرية يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ بأحداث زلزال عظيم فاقت قوته تحمل جهاز ريختر تحديد قوته فأحدث نتائج عظيمة أهمها القضاء على هيبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وتغيير المعادلة السياسية و العسكرية التي حكمت الصراع العربي الإسرائيلي طيلة خمسة وسبعين عاما وجعلت اليد الطولى بيد إسرائيل فتمكن الفلسطينيون ولأول مرة نقل الحرب إلى المستوطنات الإسرائيلية والسيطرة عليها وتحقيق نصر خاطف على القوة العسكرية الإسرائيلية وقطعانها من المستوطنين في زمن قياسي أفقد القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية لأول مره في تاريخها تماسكها فانهارت قواها وشل تفكيرها فهب الرئيس الأمريكي وأركان قيادته السياسية والعسكرية ومن ورائها حكومات الغرب بحاملات الطائرات و البوارج البحرية والآلاف من الجنود حاملين المساعدات العسكرية لنجدة دولة إسرائيل من الزلزال الفلسطيني الذي كان من نتائجه أيضا تغيير خارطة الشرق الأوسط وهز كراسي حكامه فأسرعت الأردن ومصر بأغلاق حدودها البرية أمام التهجير القهري للفلسطينيين وأعلنت مصر حالة التأهب القصوى في قواتها العسكرية وقامت السعودية بدورها بتجميد خطوات التطبيع مع إسرائيل وجندت سياستها للمطالبة بحل دولتي إسرائيل وفلسطين وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وأعلن بدوره محور المقاومة بقيادة إيران حالة الطوارئ السياسية والعسكرية وأصبحت جبهة إسرائيل مع لبنان بقيادة حزب الله كصفيح ساخن يوشك على الانفجار الشامل وأعلن الرئيس التركي في نفس الوقت أمام البرلمان التركي موقفه الصريح و المؤيد لمنظمة حماس ونضالها ضد إسرائيل ودعا لدعم الشعب الفلسطيني سياسيا وعسكريا ….
ولأن الزلزال كان عظيما كما ذكرت فقد وصلت آثاره إلي اليمن فخرج الشعب اليمني عن بكرة أبيه في مظاهرات عارمه بدأت ولم تتوقف بعد وتصدت قيادته للدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة كما هو عهدها منذ نكبة عام ١٩٤٨ وكان تصريح قائد أنصار الله وكذلك المجلس السياسي الأعلى قد تجاوز مفردات الخطاب السياسي إلي التهديد العسكري فتفردت صنعاء عن كل العواصم العربية بأطلاق الدفعة الأولى من الصواريخ و الطائرات المسيرة نحو إسرائيل كما أكدت ذلك المصادر الأمريكية و الإسرائيلية فأسرع المبعوث الأمريكي إلي اليمن ليعلن يوم امس عن تخوفه من تأثير أحداث فلسطين على مسار السلام في اليمن وابدى خشيته الشديدة من عودة اليمن الي مربع الصراع العسكري وقام أيضا مبعوث الأمم المتحدة إلي اليمن بإبداء نفس المخاوف وعلى إثر كل ذلك تقدم عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي بمشروع لإقراره اعتبار حركة الحوثيين حركة إرهابية كرد فعل من صقور الكونجرس على موقف أنصار الله من الكيان الصهيوني.
والواضح أن التطورات السياسية والعسكرية لزلزال السابع من أكتوبر وبعد عشرين يوما لا زالت في أشد تطوراتها وتفاعلاتها العالمية التي تنذر بصراع سياسي وعسكري في الشرق الأوسط من الصعب التنبؤ حتى ببعض ملامحه خصوصا وإسرائيل وأمريكا ومن ورائهما الغرب لا زالتا تبيدان الشعب الفلسطيني في غزه بعنف لم يشهد له العالم مثيل في زمن تغيرت فيه معايير العدالة الدولية … وليس أمام القيادة السياسية في صنعاء إلا التعامل مع المستجدات برؤية سياسية مستقلة تتوافق مع الظروف السياسية والعسكرية و الاقتصادية التي يعيش اليمن في أتونها منذ ما يقرب من عشر سنوات واتخاذ الموقف الذي يراعي مصلحة اليمن و شعبه وتتوافق في نفس الوقت ايضا مع واجباته القومية العربية باعتبار اليمن جزء من العالم العربي والإسلامي من يجب عليهم بعد احداث السابع من أكتوبر نبذ خلافاتهم التي كانت سببا في نكساتهم وهزائمهم واستبدال ذلك بالتكامل والتنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي واتخاذ القرار الجمعي لا الفردي لمواجهة أعدائهم بعد أن فتح لهم أبطال غزه الطريق نحو تحرير القدس.
“ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون “
2023/10/27 الجمعة