( الموارد البشرية مُكون أساسي في إنجاح برنامج التحول الشامل نحو الاقتصاد الحقيقي )

إعداد الدكتور يحيى احمد علي القرودع

المقدمة :

سعت  البنوك منذ نشأتها إلى تحقيق أهدافها والمتمثلة في المساهمة في تحقيق التنمية بمختلف المجالات، إلا أن ذلك يتوقف على توفر الموارد البشرية الملائمة والمؤهلة لممارسة تلك  البنوك لعملها، لهذا تحتاج إلى موارد بشرية قادرة على جذب المودعين، وفهم طبيعة العلاقة التي تربط المودع بالمصرف، بالإضافة إلى القدرة على تفهم كيف يتم توجيه الأموال للاستثمار وفق الصيغ المتوافقة مع التوجهات الشرعية بأنواعها المتعددة ولتحقيق الفعالية في أداء  البنوك، وهذا بدوره يتطلب نوعية معينة من الموارد البشرية لديها  القدرة على البحث عن الفرص الاستثمارية الملائمة، ودراسة جدواها وتقويمها وتنفيذها، ومتابعتها في إطار الامتثال للضوابط السارية سواء المحلية أو الدولية.

 وكل هذا يتطلب عقلية تتصف بالمهارة والخبرة والابتكار لدى العاملين القائمين على التطبيق العملي  للاقتصاد الحقيقي، حتى يتسنى لهم الربط بين الواقع ومتغيراته من ناحية، وبين الضوابط  وفقا للشريعة الإسلامية من ناحية أخرى.

حيث تعتبر الموارد البشرية العنصر الأساسي لنجاح أي مؤسسة على الإطلاق، إذا ما تم وضع العنصر البشري المناسب في مكانه الصحيح، من خلال التنسيق بين قدرات الأفراد وخصائص الوظائف، وحتى يكون الشخص مناسبا للوظيفة ينبغي أن يتوفر فيه شرطان  ويكاد يجزم المرء بأن هذين الشرطين هما الأساس الذي يقوم عليه علم إدارة الموارد البشرية، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الشرطين كأساس للمورد البشري الناجح، في قوله تعالى: “يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين” (سورة القصص: 26).

لذلك فإن  العنصر البشري هو المطالَب بالنهوض بالمؤسسة، وتطوير أعمالها، لذلك يجب الاهتمام بتدريب العاملين في هذه المؤسسات، والارتقاء بهم وصقل قدراتهم المهنية والشرعية؛ بهدف دعم الصناعة المصرفية الإسلامية، والسير بها قدماً نحو الانتشار والنجاح، وبالتالي الإسهام الفعال في تطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي.

ويستلزم ذلك  وجود الكفاءات من الموارد البشرية القادرة على تسيير النشاط المصرفي الإسلامي توفر رؤية استراتيجية من جانب مجالس إدارة هذه المصارف والسلطات الرقابية الإشرافية لتطوير القدرات البشرية بهذه المصارف لتحقيق أهدافها المنشودة، ولا تتوفر هذه الرؤية إلا من خلال التدريب وتبادل الرؤيا مع المصارف والجهات الإشرافية النظيرة في إطار يحقق الاستفادة للجميع .

كذلك إن وجود  هذه الكفاءات البشرية القادرة على تسيير دفة النشاط المصرفي الإسلامي يستلزم وجود فئة خاصة من العاملين مدربة على العمل المصرفي من جهة، ومزودة بما يلزم من القواعد الشرعية اللازمة للمعاملات، وناضجة بالنسبة للأهداف الاقتصادية للمجتمع الإسلامي، وملتزمة ببذل أقصى جهد في سبيل تنفيذ هذه الأهداف من جهة أخرى، بالإضافة إلى الجدارة والأهلية الفنية والمهنية التي تتطلبها وظائفهم، وكذلك أن  تتوفر فيهم النزاهة والاستقامة والحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية،، ووجود هذه الفئة من العاملين ضرورة لنجاح النشاط المصرفي الإسلامي ونجاح التحول نحو  الاقتصاد الحقيقي .

المشكلة:

تشير معظم الدراسات النظرية والميدانية إلى أن غالبية البنوك وحتى الإسلامية منها مازالت تواجه مشكلة توفر الموارد البشرية التي تجمع بين المعرفة الشرعية والخبرة المصرفية، حيث أن معظم الخلفيات مالية لهم هي خلفيات تقليدية مما كان له تأثير كبير على سلامة التطبيق الصحيح للنموذج المصرفي الإسلامي المثالي، حيث ستكون هناك صعوبة بالاستجابة  للتحول نحو الاقتصاد بسبب أن  خلفياتهم وخبرتهم المالية تقليدية، فإذا كانت  أغلب المصارف الإسلامية الحالية تعاني من مشكلة العاملين بها، وذلك بأن معظمهم من أصحاب التكوين الاقتصادي والقانوني الحديث، ولا علم لهم بقواعد الاقتصاد الإسلامي التي تعمل بها المصارف الإسلامية، ولا فقه المعاملات المالية في الإسلام فكيف سيكون الأمر للعاملين بالبنوك التقليدية.

كذلك قد يكون هناك  ضعف عام في مستوى المهارات اللازمة والمطلوبة للعمل وفقا للاقتصاد الحقيقي بسبب وجود ضعف  في البرامج الأكاديمية المهنية وافتقارها لربط الجانب النظري بالجانب العملي، أو تفرد الجانب العملي دون المعرفة العلمية اللازمة مما سيخلق فجوة كبيرة بين الطلب على الموارد البشرية المؤهلة والموجود حاليا.

ومما يزيد من المشكلة هو خلو مناهج التعليم من تدريس نظم المعاملات الإسلامية والمصرفية بشكل خاص في جميع  المراحل الدراسية خاصة الجامعية، حيثُ تعتبر المؤسسات التعليمية والتدريبية هي الحجر الأساس في توفير العنصر البشري الملائم والمؤهل شرعياً، وفنياً، لتنفيذ وتطبيق الأساليب، والصيغ والمعاملات الجديدة والمتميزة لنظام الصيرفة الإسلامية، بالإضافة الى أن المؤسسات التقليدية والإسلامية تفتقر حاليا إلى الإمكانات لتدريب موظفيها داخل المؤسسة أو القيام بالأبحاث اللازمة لتطوير تقنيات التمويل الإسلامي على حد سواء.

التوصيات :

  • الاقتناع بأن حجر الأساس لتأسيس نظام اقتصادي حقيقي قائم على المبادئ الإسلامية هو العنصر البشري المؤهل والمتخصص في المجال الاستثماري والمصرفي معا ووفقا لأحكام الشريعة .
  • إنشاء هيئة مشتركة بين المصارف  تجمع بين المتخصصين بالمعاملات الإسلامية والمتخصصين بالمعاملات المصرفية، أو تضم الهيئات الشرعية  للمصارف تكون مسئولة  عن عمل برامج تدريبية متخصصة واعتماد شهادات مهنية في مجال الصيرفة بشكل عام والصيرفة الإسلامية بشكل خاص، كذلك التشجيع على  الابتكار والتطوير لعمل  منتجات مالية جديدة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ودراستها واعتمادها.
  • يتوجب على العاملين بالقطاع المصرفي أن يرفعوا من مستوى معارفهم وخبراتهم ومهاراتهم لكي يبقوا في طليعة المنافسة، كما أنه لا بد من زيادة التوعية والتعليم بشكل أكثر كثافة على المنتجات والخدمات الإسلامية ، من أجل بناء فهم أفضل لصناعة التمويل الإسلامي من خلال تدريب الكوادر من أسفل الهرم إلى أعلاه في جميع الأقسام والإدارات على الصيرفة الاسلامية، وعلى السياسات والإجراءات التي ستتبع عند إجراء عملية التحول وكيفية معالجة المشاكل التي ستظهر جراء ذلك، ولا يخفى أن الحاجة للتدريب لا تقتصر على فترة التحول ؛ بل يجب أن يكون التدريب عمليةً مستمرةً للارتقاء بمهارات الموظفين ونقل الخبرات من التطبيقات المماثلة والبناء عليها، وتجنب إعادة اختراع العجلة التي تُهدَر معها الكثير من الأوقات والطاقات والأموال.
  • ضرورة إنشاء أقسام خاصة لتدريس الاقتصاد الإسلامي بفروعه المختلفة في الجامعات؛ وذلك لتخريج أجيال مؤهلة أكاديمياً تتولى حمل رسالة التطوير والاستمرارية في هذه المؤسسات. كذلك الاهتمام بالبرامج التعليمية والتدريبية المتخصصة في صناعة التمويل الإسلامي من خلال تصميـم برامج تعليمية رسميـة متخصصة وتدريسهـا فـي المؤسسـات التعليميـة.
  • المشاركة في المؤتمرات والملتقيات العلمية التي تقام في العديد من الدول العربية والإسلامية، ، لما له من أهمية كبيرة وأثر واضح على نجاح المؤسسات المالية وتطوير العمل المصرفي الإسلامي بصفة عامة.
  • الاهتمام بأنظمة تقييم الأداء لترك المجال متاحا للحراك الوظيفي أمام العناصر ذات الكفاءة المصرفية والشرعية، بما ينمي من التجربة المصرفية الإسلامية، وهذا يتطلب تقييم العاملين وفقا لكفاءتهم، وتشجيع العاملين في المصرف على الاجتهاد الذاتي، وعلى الإبداع والابتكار لعمل حلول مصرفية وفقا للشريعة الإسلامية.

اخبار ذات صلة