الأقاليم : إصلاح النظام لا تقسيم الوطن .

كتب/ أحمد سلطان السامعي

أستغرب إستنفار البعض من الحديث عن نظام الأقاليم ( الفيدرالية) و إمكانية تطبيقه في اليمن ، والأغرب أن نرى مهاجمة أي شخص يتحدث عن هذا الموضوع حتى وصل الأمر الى إتهام من يتحدث عن تغيير شكل نظام الحكم بالعمالة و خيانة دماء الشهداء والتضحيات التى قدموها .

متأكد تماما جهل بعض هولاء أو عدم معرفتهم بنظام الأقاليم ، أما البعض الآخر – وهو الأخطر – يراها ضد مصالحه الشخصية لذلك لا يتوانى عن القتال والدفاع عن شكل النظام الحالي حتى لا يفقد مركزه ويفقد بذلك مصالحه الضيقة ، هذا النوع من الأشخاص يدرك تمام أن الأقلمة تؤسس لنظام قوي و متماسك يقلل من المركزية والشمولية و يصبح الجميع سواسية أمام النظام والقانون وشركاء في السلطة والثروة وتكون السلطة ملك للشعب لا الشعب ملك للسلطة ، ومن هنا نستنتج أهم ميزة من مميزات نظام الأقاليم (الفيدرالية) وهي توزيع السلطات بين الأقاليم والحكومة الإتحادية بحيث يصبح كل إقليم مسؤولاً عن شؤونه داخل نطاق الأقاليم و تؤول الشوون الخارجية للحكومة الإتحادية .

الجميل في الفيدرالية أنها الحل الوحيد والأنسب للخروج من الأزمة الراهنة وستجنب اليمن شبح التقسيم والتشظي وستختفي كل الدعوات التشطيرية و الإنفصالية والجميع سيتشاركون في الحكم ولن يكون هناك طرف معين مستفرداً بالحكم ، والأجمل أن كل إقليم له برلمان منتخب ديمقراطياً من أبناء الإقليم لا سواه والذي بدوره سيشكل حكومة الإقليم أيضاً من أبناء الإقليم وستكون هذه الحكومة المسؤولة أمام شعب الإقليم داخلية والمسؤولة عن التواصل مع الحكومة الإتحادية فيما يخص قضايا الدولة ككل . وسيكون هناك قضاء مستقل لا سلطة عليه .

من يروج لعدم إمكانية تطبيق الفيدرالية في الوقت الحالي فهو يجهل تماماً أن هذا النوع من الأنظمة جاء نتيجة عدم الإستقرار والصراع المستمر على السلطة في الكثير من الدول وبه تجنبت هذه الدول الإقتتال الداخلي وحل الإستقرار وانطلقت فيها عجلة التنمية و أستطاع الجميع المشاركة في الحكم وقطعت الطريق على الجهات والأشخاص الذين أرادوا الإستفراد بالسلطة وهذا ما نحتاج إليه في اليمن بحكم التعدد المذهبي والقبلي والثقافي .

أما بالنسبة لشكل النظام الحالي فالجميع يعرف أنه نظام مركزي شمولي من يسيطر على الحكم يفرض سلطته وأفكاره على المجتمع أجمع ويعمل على السيطرة على كافة الجوانب الحياتية الشخصية والعامة وهذا ما كنا نشكي منه في السابق ونراه اليوم بشكل أكبر -ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك – وهذا لا يناسب المجتمع اليمني المتنوع مذهبياً وقبلياً وثقافياً.

للأسف في ظل شكل النظام الحالي نرى الأشخاص الذين توكل إليهم القرارت المصيرية والحساسة في الدولة ينتمون إلى محافظة معينة أو جهة معينة أو مذهب معين أو حزب معين – كالنظام السابق- والإستمرار على ذات النهج سيودي إلى شرخ مجتمعي كبير لا يمكن تفاديه والنتيجة معروفة التقسيم والتشتت و حرب أهلية لا تنتهي وهذا ما لا نريده ولا نتمنى حدوثه.

الأقاليم الستة التى إنبثقت عن مؤتمر الحوار الوطني عام ٢٠١٤م وافق عليها العدد الأكبر من أعضاء المؤتمر لكن هناك من أعتبرها بداية لتقسيم اليمن مناطقياً ومذهبياً و رأى آخرون أنها إستهداف و تهميش لفئة أو جهة أو حزب ومنهم من تحدث عن حرمان بعض الأقاليم من شريان أساسي وحيوي كحرمان إقليميّ سبأ و أزال من منفذ بحري ، كل ما سبق منطقي و وجهة نظر يجب إحترامها والأخذ بها ، لكن يمكن تجاوز كل تلك المخاوف بإعادة تشكيل الأقاليم بما يحفظ للجميع العدالة والمساواة ، على سبيل المثال تشكيل ثلاثة أقاليم وهي : إقليم الوسط (الجند ) ويضم محافظتي تعز وإب و إقليم الشمال بقية المناطق الشمالية وإقليم الجنوب على جغرافية دولة الجنوب السابقة ، ويحدد كل إقليم سياسات الإقليم بمعزل عن الحكومة الإتحادية .

كل من يعارض فكرة الأقاليم ويعتبرها بداية التقسيم له وجهة نظره قد تكون محقة و قد لا تكون ، لكن لا يجب أن تُصادر وجهة النظر الأخرى التى ترى العكس . و من وجهة نظري الشخصية أن تكون كل محافظة إقليم و يكون بذلك لليمن ٢٢ اقليم وهذا برأيي قد يطمئن من يتخوف من فكرة تقسيم البلد لأنه لا يمكن لإقليم وأحد أن يواجه بقية الأقاليم و يذهب بعيداً عن الدولة الإتحادية لأن القرارات المصيرية تتخذ بموافقة جميع الأقاليم وبذلك سيقطع الطريق أمام التقسيم وهذا أيضاً يعطي ميزة أكبر للدولة الإتحادية حيث لا يمكن لأي إقليم أن يكون له التاثير الأكبر في سياسات الدولة الإتحادية دون سواه .

اليوم هناك الكثير من الدول التى تتخذ من الفيدرالية نظاماً لها مثل ماليزيا وكندا واستراليا وأمريكا والمانيا والأرجنتين والبرازيل والإمارات عربياً وإثيوبيا وحتى الإتحاد الأوروبي يعتبر نظاماً فيدرالياً ولو جزئياً عند بعض المختصين والأكاديميين ، ولو نظرنا إلى هذه الدول لاكتشفنا أن النظام الفيدرالي سبباً رئيسياً في تقدّمها وتماسكها وإستقرارها ولنا في إثيوبيا أقرب مثال .

ما نريده اليوم أن يكون الجميع شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً شركاء في المسؤلية ومتساوون بالمواطنة بحكم القانون المتفق عليه بين جميع الأقاليم ، وأن يتشارك كل الأقاليم في رسم سياسات الدولة وتطبيقها ، وما لا نريده ولا نقبل به هو أن يفرض طرف معين سياساته وأفكاره على جميع اليمنيين ، ولأن اليمن للجميع لا يمكن حكمها إلا بالجميع

اخبار ذات صلة