أصدرت بعض كبرى شركات إدارة الأصول في العالم مثل “بلاك روك” و”فيدليتي إنفستمنتس” و”كارمينياك”(Carmignac) تحذيرات بأن الأسواق تستهين بكل من التضخم والمعدل النهائي لسعر الفائدة في الولايات المتحدة تماما مثلما حدث في 2022.
تقول شركات إدارة الأصول إن المخاطر هائلة بعد أن استخفت “وول ستريت” بالإجماع تقريباً بمسار التضخم.
شهدت أسواق الأسهم العالمية محو ما قيمته 18 تريليون دولار، في حين عانت سوق الخزانة بالولايات المتحدة من أسوأ عام لها في التاريخ.
مع ذلك، من خلال مقايضات التضخم، فإن التوقعات تشير مرة أخرى إلى أن التضخم سيكون ضعيفاً نسبياً وينخفض نحو المعدل المستهدف لدى الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% في غضون عام، في حين تراهن أسواق المال على أن البنك المركزي الأميركي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة.
أدى ما يحدث إلى تهيئة الأسواق لخوض جولة قاسية أخرى، وفقاً لـفريدريك ليرو، عضو لجنة الاستثمار ورئيس فريق الأصول المتعددة البالغة 44 مليار يورو (47 مليار دولار) لدى “كارمينياك” الفرنسية لإدارة الأصول، إذ من المرجح أن يؤدي نقص العمال إلى تغذية معدل التضخم ليتجاوز التوقعات.
دورة اقتصادية كلية مماثلة
قال “ليرو” في مقابلة عبر الهاتف: “التضخم موجود ليستمر.. بعد وقوع الأزمة، اعتقد محافظو البنوك المركزية أن بإمكانهم تحديد مستوى أسعار الفائدة. في العامين الماضيين أدركوا أنه ليس بمقدورهم تحديد أسعار الفائدة، لكن التضخم يتواصل”.
أضاف “ليرو” أن أحد أكبر حالات سوء التسعير في السوق اليوم هو توقع انخفاض التضخم إلى 2.5% خلال العام الجديد، قبل أن يوضح أن العالم يدخل دورة اقتصادية كلية مماثلة لما بين 1966 و1980.
شهدت تلك الفترة حدوث صدمات في قطاع الطاقة دفعت التضخم في الولايات المتحدة إلى معدل مكون من رقمين (أعلى من 10%).
قال “ليرو”: “يتعين علينا أن نعيش في بيئة مختلفة تماما عن ذي قبل”. بحسب وجهة نظره، سيعود كل من الذهب والأسهم اليابانية والشركات التي تتمتع بالاستقرار والمصداقية للتألق مع استمرار العوائد الحقيقية السلبية، ولن تكون البنوك المركزية على استعداد لإلحاق الكثير من المتاعب.
يوم الخميس الماضي، أكد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الموقف المتشدد عبر إصدار تعليقات حاولت تبديد الآمال بحدوث انعكاس في مسار السياسة النقدية قريباً.
في يوم الجمعة، أعاد كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي فيليب لين تلك التعليقات، قائلاً إن ضغوط الأسعار ستظل مرتفعة حتى لو تراجعت تكاليف الطاقة الباهظة.
استمرار التضخم المرتفع
يتوقع المحللون لدى “إنفستمنت إنستتيوت” التابع لشركة “بلاك روك” استمرار التضخم المرتفع، مع وجود أمل ضئيل في أن الركود سيحفز بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة.
بدلاً من ذلك، يتوقع المحللون أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقليص مقدار رفع أسعار الفائدة بوتيرة أكبر إلى وتيرة أقل، حيث يتضح تأثير التباطؤ الاقتصادي، حتى لو ظل التضخم فوق مستهدف المركزي البالغ 2%.
“من غير المرجح أن تُقدم البنوك المركزية على الإنقاذ، من خلال الخفض السريع لأسعار الفائدة خلال فترات الركود التي صمموها لخفض التضخم إلى المعدلات المستهدفة”. على عكس ما يعتقد الكثيرون، فقد تظل أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول مما تتوقعه السوق، حسبما كتب فريق من المحللين بما في ذلك جان بويفين، رئيس المعهد في الأسبوع الماضي.
تعمل “بلاك روك” على تقليل حيازة أسهم السوق المتقدمة وتفضل الائتمان من الدرجة الاستثمارية على السندات الحكومية طويلة الأجل.
رفع أسعار الفائدة أمر ضروري
قال جورين تيمر مدير قسم الاقتصاد الكلي العالمي لدى “فيدليتي إنفستمنتس” لـ”بلومبرغ” إن التضخم لا يزال يمثل خطراً رئيسياً بالنسبة للأسواق، حيث أوضح بنك الاحتياطي الفيدرالي مراراً وتكراراً أنه يريد خفض التضخم باستمرار إلى المعدل المستهدف 2%، وليس مجرد تباطؤ في نمو الأسعار.
لا تتبنى كل شركات إدارة الأصول نفس وجهة النظر. وتتوقع شركة “روبيكو” الهولندية لإدارة الأصول التي تدير 246 مليار يورو، أن عام 2023 سيشهد ذروة معدلات الفائدة والدولار والتضخم أيضاً.
يرجع ذلك أساساً إلى توقعات “روبيكو” بحدوث ركود وعدم قدرة مسؤولي السياسة الاقتصادية على تنفيذ هبوط سلس، الأمر الذي يدفعها للاعتقاد بأن حدوث الركود سيؤدي إلى خفض أسعار الفائدة.
لكن فريدريك ليرو، رئيس فريق الأصول المتعددة لدى “كارمينياك” قال إن تركيز السوق على التوجه المحتمل لبنك الاحتياطي الفيدرالي هو “عرض جانبي أو سلبي”، حيث ستكون هناك مرحلة يدرك وقتها المستثمرون أن التضخم أكثر ثباتاً مما كانوا يعتقدون.
أضاف: “في مرحلة ما، ستدرك السوق أن الأمر يتطلب المزيد من رفع أسعار الفائدة”.
اقتصاد الشرق