لماذا رفع المركزي الكويتي الفائدة للمرة الثانية؟!!

الفجوة بين الدينار والدولار تدفع البنك للزيادة لمنع المضاربة على العملة الوطنية والهروب نحو العملة الأميركية

بشكل مفاجئ وللمرة الثانية قرر بنك الكويت المركزي رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5 في المئة، لتصبح 3.5 في المئة، حيث يخالف “المركزي الكويتي”عادة البنوك المركزية الخليجية في رفع الفائدة وتوقيتها، فبينما ترفع الأخيرة الفائدة مباشرة عقب زيادتها من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بسبب الربط بين عملاتها والدولار، يستفيد “المركزي الكويتي” من وجود مرونة في ارتباط الدينار بسلة عملات، مما يسمح له بتأجيل القرار أو إجراءات رفع أقل من نسبة الرفع الأميركية.

فعلى سبيل المثال رفع “الاحتياطي الفيدرالي” الفائدة 0.75 في المئة في اجتماعه الأخير في بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، ولحقته البنوك المركزية الخليجية بالنسبة نفسها، بينما يأتي قرار البنك المركزي الكويتي مخالفاً بزيادة بنصف النقطة المئوية، ومتأخراً بعد نحو شهر من قرار الفيدرالي.

التكرار يظهر مشكلة

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها “المركزي الكويتي” بهذا الأمر، ففي أغسطس (آب) الماضي وبعد نحو شهر من قرار الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.75 في المئة خلال يوليو (تموز) الماضي، اتخذ “المركزي الكويتي” قراراً مفاجئاً للأسواق بزيادة برفع الفائدة 0.25 في المئة منفرداً.

وتكرار الحادثة مرة أخرى يظهر أن “المركزي الكويتي” يرضخ في كل مرة لآليات السوق، إذ ترجح الأسواق السبب في اتخاذ “المركزي الكويتي” لقراره أمس، هو الفارق الذي يتسع بين أسعار الفائدة على الدينار الكويتي والدولار الأميركي، فبينما ترتفع الفائدة على الدولار مع كل قرار من “الاحتياطي الفيدرالي”، تتسع الفجوة مع فائدة الدينار الكويتي، فمثلاً، كانت الفائدة على الدينار 3 في المئة قبل قرار “المركزي” أمس، بينما وصلت إلى 4 في المئة على الدولار.

يعني ذلك أن المستثمرين والمودعين سيفضلون الدولار على الدينار، وستبدأ عمليات تحويل الودائع من الدينار إلى الدولار في البنوك للحصول على فائدة أعلى، كما من شأن ذلك أن يدفع المستثمرين للمضاربة على العملة الكويتية، عبر بيع الدينار وشراء الدولار، وهو ما يفتح باباً على “المركزي الكويتي” هو في غنى عنه.

تصريح المركزي

ولمح “المركزي الكويتي” في بيان صحافي أمس إلى أن خطوته هي للدفاع عن العملة الوطنية، إذ قال محافظ البنك باسل الهارون أن “القرار جاء للتأثير في مستويات أسعار الفائدة على الدينار”، وفي موضع آخر، قال “المركزي” أن القرار “يهدف إلى تكريس تنافسية العملة الوطنية وجاذبيتها كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية”.

ومع أن الكويت لا تربط عملتها بالدولار مثل الدول الخليجية الأخرى، ولديها سلة من العملات، لكن الخبراء يرجحون أن الدولار يشكل نسبة كبيرة من السلة، وهو ما يجعل “المركزي الكويتي” يضطر إلى العودة لزيادة الفائدة، على رغم أنه يتخذ قرارات أقل وطأة من دول الخليج الأخرى.

مسار مخالف

فمنذ بدء سيناريو رفع الفوائد الأميركية في مارس (آذار) الماضي، كان رفع الفائدة في الكويت يأتي أقل بربع أو نصف نقطة مئوية. فمثلاً رفع “الاحتياطي الفيدرالي” الفائدة بـ0.5 في المئة في مايو (أيار) الماضي، بينما زادها “المركزي الكويتي” بـ0.25 في المئة. ثم لاحقاً بدأ “الاحتياطي الفيدرالي” سلسلة من رفع الفوائد بنسبة 0.75 في المئة لأربع مرات متتالية منذ شهر يونيو (حزيران) وحتى نوفمبر الماضي، وفي كل من هذه المرات كان “المركزي الكويتي” يزيد الفائدة بنسبة 0.25 في المئة فقط. وفي الحالة الجديدة، اضطر إلى رفع نسبة 0.5 في المئة، على رغم أنه سبق أن قال “المركزي” إن بياناته لا تظهر حاجة إلى الزيادة.

اطمئنان مركزي

ففي بيان نشره “المركزي” بعد رفع الفائدة الأميركية في نوفمبر الماضي ليبرر عدم تحريكه للفائدة، قال إن “البيانات والمعلومات الاقتصادية والمالية المحلية المتوافرة لديه لا تزال تعكس استمرار سلامة ومتانة أوضاع الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في دولة الكويت”.

في الواقع يحاول “المركزي الكويتي” أن يتمايز بين الوضع الاقتصادي في الكويت ونظيره الأميركي، ففي الوقت الذي تحارب فيه الولايات المتحدة التضخم الذي تجاوز ثمانية في المئة، يبدو الواقع مختلفاً بحسب “المركزي الكويتي”، اذ يقول إن معدل التضخم تباطأ من أعلى معدل له في أبريل 2022 والبالغ نحو 4.71 في المئة حتى وصل إلى نحو 3.19 في المئة خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2022.

نمو الودائع

وهناك أمر آخر يرتكز عليه “المركزي الكويتي” في شعوره بالاطمئنان نسبياً لعدم مجاراة رفع الفائدة الأميركية سريعاً، هو توزيع الودائع لدى البنوك الكويتية. فقد شكلت ودائع القطاع الخاص بالدينار الكويتي ما نسبته 95.4 في المئة من إجمالي ودائع القطاع الخاص في نهاية سبتمبر 2022.

أما من ناحية النمو ما بين الودائع والقروض، فقد كانت متقاربة بحسب بيانات “المركزي”، فلا يجعله متخوفاً من سيناريو نقص السيولة في البنوك، وحاجته إلى التدخل وضخ السيولة في سوق الأنتربنك، فقد سجلت أرصدة ودائع المقيمين لدى الجهاز المصرفي نمواً بنحو 5.2 في المئة في نهاية شهر سبتمبر 2022 بالمقارنة مع نهاية عام 2021، فيما سجلت أرصدة التسهيلات الائتمانية (للمقيمين وغير المقيمين) نمواً بنحو 7.9 في المئة خلال الشهر المذكور مقارنة بنهاية العام السابق.

هيكل الودائع

ولدى النظام المصرفي الكويتي ودائع ضخمة تتجاوز 110 مليار دولار (34 مليار دينار)، بينما ودائع القطاع الخاص بالعملات الأجنبية تبلغ نحو ستة مليارات دولار، ولفهم أكثر طبيعة هذه الودائع، فإن ثلث هذه الودائع تقريباً من دون فائدة، تمثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير، وهو ما يعطي للبنوك المحلية هامشاً كبيراً للتحرك، ويترك “المركزي” مرتاحاً لوجود سيولة ضخمة لدى البنوك غير مستخدمة أو مطلوبة.

 

اندبندنت عربية

اخبار ذات صلة