مفاهيم إدارية (الدين المعاملة) الأخلاق الإدارية

عبد القوي حسان
الدين عبادات ومعاملات، وإذا كانت آيات القرآن تزيد عن ستة آلاف آية، منها (130) آية خاصة بالعبادات فإن آيات الأخلاق والمعاملات تزيد عن ألف وخمسمائة آية، أي ما يعادل ربع القرآن تقريبا، وحياة الإنسان أيضا ما بين عبادات ومعاملات، ففي اليوم خمس صلوات يمكن أداءها في ساعة واحدة، بينما (23) ساعة تقضى في المعاملات، وعلى مستوى الأسبوع صلاة واحدة (الجمعة) وبقية الأسبوع في المعاملات، وعلى مستوى السنة صوم شهر رمضان، بينما (11) شهرا في المعاملات، وعلى مستوى العمر فالحج مرة واحدة وبقية العمر في المعاملات.
ليس القصد من هذا التهوين من شأن العبادات بقدر ما هو إظهار أهمية وقيمة الأخلاق والمعاملات وأثرها في الحياة بشكل عام، وفي العمل الإداري والقيادي بشكل خاص.
الدين المعاملة، كلمتان اختصرت معنى الدين والهدف الأساسي منه، فالمعاملات والأخلاق قيمة عليا في حياة الإنسان والمجتمعات والشركات، وكانت حجر الزاوية من بعثته صلى الله عليه وسلم إتمام مكارم الأخلاق، فنجاح الأمم والحضارات مرهون بوجود الأخلاق، وبذهاب الأخلاق تذهب تلك الحضارات، كما يقول شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
في المجال الإداري، فإن الأخلاق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنجاح الفرد والشركة بشكل عام، لذلك كان حرص الشركات الناجحة على إيجاد ما يسمى بـ “مدونة السلوك والتصرفات المهنية”. كإطار عام لترشيد تصرفات وتعاملات الموظفين.
هذا المفهوم لم يكن غائبا في ذهنية رواد الأعمال الناجحين، فالأستاذ “شوقي أحمد هائل” يؤكد أن “الأخلاق هي الناظم الذي تقوم عليه المجتمعات الحية والمنتجة، وهي تلعب دوراً مهما نحو التغيير الإيجابي في حياة الشعوب”.
ويضيف: “نحن أمة حضارية تمتلك موروثاً عظيماً ورصيداً كبيراً من الأخلاق والنبل وعلو الهمة، مهما قست الظروف، فليس أمامنا سوى التمسك بالأخلاق النبيلة، لأنها عنواننا الكبير”. ويرى كينيث بلانكارد Ken Blanchard ومايكل كونور Michael Connor في كتابيهما “الأخلاق الحديثة للإدارة” أن “الأخلاق هي القوة الجاذبة والمؤثرة في جميع الناس وبعبارة أخرى أن الأخلاق بمثابة المغناطيس”.
فالأخلاق الإدارية هي معايير السلوك والمبادئ والقيم التي تسيطر على السلوك الإداري سواء من قبل الموظفين أو مالكي الشركات أو السياسات واللوائح والقوانين المنظمة لعمل الشركة.
ولنحاج المنظومة الأخلاقية في الشركات يجب أن تكون مدعومة من الإدارة العليا والمدراء ورؤساء الأقسام، بالقدوة العملية قبل وضع اللوائح والسياسات، فالأخلاق الإدارية لا يمكن ترسيخها في سلوك الموظفين بدون قيادة أخلاقية، فـ “القيادة الأخلاقية ترتبط إيجابياً وبدرجة كبيرة بأداء الموظفين” وفقا لتجربة أجرتها جامعة كورنيل (Cornell University).
كما أظهرت دراسة أخرى أن القيادة الأخلاقية قلّلت من احتمالية ترك الموظفين للعمل، ويُعد هذا فائدة كبيرة بالنظر إلى التكلفة المرتفعة لدوران الموظفين.
ومن جهة أخرى فإن السلوك الأخلاقي لا يعني الالتزام بالقانون واللوائح والسياسات فقط، فيمكن للموظف أن يجني الكثير من المال بطريقة غير أخلاقية رغم التزامه بالتعليمات واللوائح. فالواجب على القيادات الإدارية الأخلاقية تشجيع الموظفين على النظر إلى الأخلاقيات من منظور القيم وليس من باب الالتزام. فالإيمان بمبادئ الأخلاق الإدارية يجعل المسؤولية نابعة من الداخل لا مفروضة من الخارج، وقائمة على الضمير قبل قيامها على القانون.

اخبار ذات صلة