وصلني منذ عدة أيام استفسار من أحد الإعلاميين بالمغرب عن حقيقة ما أثير مؤخرا في مصر عن تصنيع الخبز من البطاطا وهل بالفعل ستساهم هذه الفكرة في القضاء على أزمة القمح في مصر؟
وكانت قضية “رغيف البطاطا” قد بدأت عندما أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي في مؤتمر صحفي، إن وزارة التموين تدرس إدخال البطاطا، ضمن مكونات إنتاج الخبز المدعم لتخفيف الضغط على استخدام القمح.
وبين ليلة وضحاها تحول الباحث “عبد المنعم الجندي” صاحب تجربة خلط البطاطا مع الدقيق لصناعة الخبز، إلى بطل قومي حيث استطاع الباحث عن طريق التهجين إنتاج نوع جديد من البطاطا تكون صالحة لإنتاج رغيف خبز بديل للقمح في محاولة لوقف استيراد القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كما أن البطاطا الجنداوي خالية من السكر وخالية من الجلوتين وبها نسبة جفاف عالية لتكون صالحة للتجفيف في صورة دقيق ومتوسط إنتاج فدان البطاطا الجنداوي من عشرين إلى ثلاثين طنا أي أن فدان البطاطا يماثل عشر فدادين قمح وإذا زرعت ربع المساحة المزروعة من القمح بطاطا جنداوي مع القمح سنتمكن من الاكتفاء الذاتي دون الحاجة لاستيراد القمح من الدول الأخرى.
حتى الأن تبدو الفكرة رائعة بل وتم تطبيقها في محافظة الوادي الجديد ولاقى رغيف الخبز المخلط استحسانا من المواطنين.
لم تنته قصة الرغيف الجنداوي عند هذا الحد بل ازدادت إثارة عندما قال مدير المكتب الإعلامي بوزارة التموين والتجارة الداخلية، رمضان الشحات، أن الملف “لا يزال يُدرس” من قبل مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، وعندما يوافق المركز عليه وستبدأ الوزارة في الإنتاج وستشرف على الكميات المنتجة من هذه الخلطة في المخابز.
هل يعني هذا أن البطاطا ستقضي على مشكلة القمح في مصر أم لا؟!
بحسب الاحصائيات فإن مصر تزرع نحو 31 ألف فدان سنويا من البطاطا الحلوة، وتنتج منها نحو 450 ألف طن سنويا، بحسب إحصاء لوزارة الزراعة عام 2019، فإذا تحقق مشروع “الجندي” بإدخال البطاطا في إنتاج الخبز مع القمح، بنسبة 40% بطاطا و60% قمح، فإن هذا سيقلل الاستهلاك المحلي من القمح، بل ستتوقف مصر عن استيراد القمح من الخارج خلال 3 أعوام على الأكثر، مع زيادة زراعة البطاطا لنصل إلى 360 ألف فدان من البطاطا.
تبدو الصورة وردية لكن على أرض الواقع هناك العديد من الثقوب في هذه الصورة تجعلها مهلهلة وغير قابلة للتطبيق منها أن البطاطا محصول صيفي، ما يعني أننا لا نستطيع الاعتماد عليه طوال العام في إنتاج الخبز كما أن خصائص البطاطا تحتاج إلى مجهود كبير لتلائم الخبز فهي تحتوي على نسبة عالية من السكر كما أنه لا بد من سلقها قبل وضعها مع الدقيق ما يزيد من فرص نمو الفطريات بها وقد يتسبب ذلك في مخاطر غذائية.
وبحسب أحد المتخصصين أن المساحات المخصصة لزراعة البطاطا قليلة، وإذا اعتمدت الدولة خطة استخدامها مع الدقيق ستضطر لتخصيص مساحات أخرى لزراعتها وغالبا ستكون بديلا للمساحات المستخدمة لزراعة الذرة وهو ما قد يؤثر على الأعلاف المخصصة للماشية والتي تعاني مصر من فجوة فيها بالفعل بسبب الأزمة الأوكرانية.
وفي حال تجفيف البطاطا فإن هذا يحتاج إلى استيراد مجففات خاصة وهذا يزيد من تكلفة المشروع.
إذن ستظل الحقيقة حول إمكانية استخدام مزيج البطاطا مع القمح على نطاق واسع وتعميمها على مستوى الجمهورية أمر قيد الدراسة العلمية، ونرجو ألا تكون فكرة خلط البطاطا بدقيق القمح تجربة فاشلة مماثلة لتجربة خلط دقيق الذرة مع القمح والتي طبقتها مصر في التسعينات ولمدة سبع سنوات حتى قام وزير التموين أحمد مصيلحي بإلغائها لرداءة الرغيف وذلك في فترة توليه حقيبة الوزارة في عهد الدكتور أحمد نظيف.