لماذا بلغ الروبل الروسي أقوى مستوى له في 7 سنوات؟

وصل الروبل الروسي إلى 52.3 مقابل الدولار، الأربعاء 22 يونيو (حزيران)، وهو أقوى مستوى له منذ مايو (أيار) 2015، وبعد ظهر الخميس في موسكو، تم تداول العملة عند 54.2 مقابل الدولار، وهو أضعف قليلاً ولكن لا يزال بالقرب من أعلى مستوياته في سبع سنوات، وهو بعيد من انخفاضه إلى 139 مقابل الدولار في أوائل مارس (آذار)، عندما بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو رداً على هجومها على أوكرانيا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال، الأسبوع الماضي، خلال منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي السنوي، “كانت الفكرة واضحة: وهي سحق الاقتصاد الروسي بعنف، لكنهم لم ينجحوا في ذلك (يقصد أميركا وأوروبا)، من الواضح أن هذا لم يحدث”.

وفي أواخر فبراير (شباط)، بعد الانهيار الأولي للروبل، ضاعفت روسيا سعر الفائدة الرئيس في البلاد بأكثر من الضعف إلى 20 في المئة من 9.5 في المئة سابقاً، ومنذ ذلك الحين، تحسنت قيمة العملة لدرجة أن “المركزي الروسي” خفض سعر الفائدة ثلاث مرات لتصل إلى 11 في المئة في أواخر مايو، ولقد أصبح الروبل في الواقع قوياً للغاية لدرجة أن البنك المركزي الروسي يتخذ بنشاط إجراءات لمحاولة إضعافه، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى جعل صادرات البلاد أقل قدرة على المنافسة، ويستشهد الكرملين بالارتفاع المذهل للروبل في الأشهر التالية باعتباره “دليلاً” على أن “العقوبات الغربية لا تعمل”.

عائدات قياسية من النفط والغاز

ولكن ما الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع العملة، وهل يمكن أن يستمر هذا الارتفاع؟ الأسباب، ببساطة، هي أسعار الطاقة المرتفعة بشكل لافت للنظر، وضوابط رأس المال، والعقوبات نفسها، فروسيا هي أكبر مصدر للغاز في العالم، وثاني أكبر مصدر للنفط، وعميلها الأساس هو الاتحاد الأوروبي، الذي كان يشتري ما قيمته مليارات الدولارات من الطاقة الروسية أسبوعياً بينما يحاول في الوقت نفسه معاقبة روسيا بالعقوبات، ما وضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج، فقد أرسل الآن أموالاً إلى روسيا في مشتريات النفط والغاز والفحم بشكل مضاعف أكثر مما أرسل إلى أوكرانيا كمساعدة، الأمر الذي ساعد في ملء صندوق حرب الكرملين، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار خام “برنت” بنسبة 60 في المئة عما كانت عليه هذا الوقت من العام الماضي، وعلى الرغم من أن العديد من الدول الغربية قد حدت من مشترياتها من النفط الروسي، فلا تزال موسكو تحقق أرباحاً قياسية.

ففي أول 100 يوم من الحرب الروسية – الأوكرانية، جنى الاتحاد الروسي 98 مليار دولار من عائدات صادرات الوقود الأحفوري، وفقاً لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وهو منظمة بحثية مقرها فنلندا، وجاء أكثر من نصف هذه المكاسب من الاتحاد الأوروبي، بنحو 60 مليار دولار.

وعلى الرغم من عزم العديد من دول الاتحاد الأوروبي على خفض اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، فقد تستغرق هذه العملية سنوات، وفي عام 2020، وبخاصة أن الاتحاد الأوروبي اعتمد على روسيا في 41 في المئة من واردات الغاز و36 في المئة من وارداته النفطية، وفقاً لـ”يوروستات”.

وأقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات تاريخية في مايو لحظر واردات النفط الروسي جزئياً بحلول نهاية هذا العام، لكن لديه إعفاءات كبيرة للنفط الذي يتم تسليمه عبر خط الأنابيب، نظراً إلى أن الدول غير الساحلية مثل المجر وسلوفينيا لم تتمكن من الوصول إلى مصادر النفط البديلة التي يتم شحنها عن طريق البحر. وقال ماكس هيس، الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، لشبكة “سي أن بي سي”، “سعر الصرف الذي تراه للروبل موجود لأن روسيا تحقق فوائض قياسية في الحساب الجاري من العملات الأجنبية. وتكون هذه الإيرادات في الغالب بالدولار واليورو من خلال آلية مبادلة الروبل المعقدة”. أضاف أنه، وعلى الرغم من أن روسيا قد تبيع كميات أقل قليلاً للغرب في الوقت الحالي، يتحرك الغرب لقطع [الاعتماد على روسيا]، إلا أنهم ما زالوا يبيعون بأسعار النفط والغاز المرتفعة على الإطلاق، لذا، فإن هذا يجلب فائضاً كبيراً في الحساب الجاري لروسيا.

وكان فائض الحساب الجاري لروسيا في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مايو من هذا العام يزيد قليلاً على 110 مليارات دولار، وفقاً للبنك المركزي الروسي، أي أكثر من 3.5 أضعاف تلك الفترة من العام الماضي.

ضوابط صارمة على رأس المال

ولعبت ضوابط رأس المال، أو تقييد الحكومة العملة الأجنبية التي تغادر بلدها، دوراً كبيراً هنا، إضافة إلى حقيقة أن روسيا لا تستطيع الاستيراد أكثر من ذلك بفضل العقوبات، ما يعني أنها تنفق القليل من أموالها على شراء أشياء من مكان آخر.

من جانبه قال نيك ستادميلر، مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في “ميدلي غلوبال أدفيزرز” في نيويورك، “نفذت السلطات ضوابط صارمة للغاية على رأس المال بمجرد ظهور العقوبات. والنتيجة هي تدفق الأموال من الصادرات في حين أن التدفقات الرأسمالية الخارجة قليلة نسبياً، بالتالي التأثير الصافي لكل هذا هو روبل أقوى”.

عملة “بوتيمكين”

واليوم، خففت روسيا بعض ضوابطها على رأس المال وخفضت سعر الفائدة في محاولة لإضعاف الروبل، لأن قوة العملة تضر في الواقع بحسابها المالي. وقال هيس، لأن روسيا معزولة الآن عن نظام “سويفت” المصرفي الدولي ومنعت من التجارة الدولية بالدولار واليورو، فقد تركت للتجارة مع نفسها بشكل أساسي، وهذا يعني أنه في حين أن روسيا راكمت حجماً هائلاً من الاحتياطيات الأجنبية التي تعزز عملتها في الداخل، فإنها لا تستطيع استخدام هذه الاحتياطيات لتلبية احتياجاتها من الواردات، وذلك بفضل العقوبات. أضاف هيس أن سعر صرف الروبل “هو حقاً سعر بوتيمكين، لأن إرسال الأموال من روسيا إلى الخارج في ظل العقوبات، سواء على الأفراد الروس أو البنوك الروسية، أمر صعب للغاية، ناهيك بضوابط رأس المال الروسية”.

وتابع هيس، “لذا، نعم، الروبل على الورق أقوى قليلاً، لكن هذا نتيجة لانهيار الواردات”، وتساءل، ما الفائدة من تكوين احتياطيات النقد الأجنبي، والذهاب وشراء الأشياء من الخارج التي تحتاج إليها لاقتصادك؟ واستطرد قائلاً، “روسيا لا تستطيع فعل ذلك”. أضاف، “يجب أن ننظر حقاً إلى القضايا الأساسية في الاقتصاد الروسي، بما في ذلك الواردات المتدفقة”. وقال، “حتى لو قال الروبل إن له قيمة عالية، فسيكون لذلك تأثير مدمر في الاقتصاد ونوعية الحياة”.

هل هذا يعكس الاقتصاد الروسي الفعلي؟

والسؤال هنا هل تعني قوة الروبل أن الأسس الاقتصادية لروسيا سليمة وبأنها نجت من ضربة العقوبات؟ ليس بهذه السرعة، كما يقول المحللون.

ويقول ثيموس فيوتاكيس، رئيس سوق أبحاث العملات الأجنبية في “باركليز”، “ترتبط قوة الروبل بفائض في ميزان المدفوعات الإجمالي، والذي تحركه عوامل خارجية مرتبطة بالعقوبات وأسعار السلع وتدابير السياسة العامة أكثر من اتجاهات وأساسات الاقتصاد الكلي الأساسية على المدى الطويل”.

وقالت وزارة الاقتصاد الروسية في منتصف مايو إنها تتوقع أن تصل البطالة إلى ما يقرب من سبعة في المئة هذا العام، وأن العودة إلى مستويات 2021 غير مرجحة حتى عام 2025 على أقرب تقدير، ومنذ أن بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا غادرت آلاف الشركات العالمية روسيا، تاركة وراءها أعداداً هائلة من العاطلين عن العمل من الروس، كما تلقى الاستثمار الأجنبي ضربة هائلة، وتضاعف الفقر تقريباً في الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب وحدها، وفقاً لوكالة الإحصاء الفيدرالية الروسية.

وقال هيس، “لم يعد الروبل الروسي مؤشراً على صحة الاقتصاد”، بينما ارتفع الروبل بفضل تدخل الكرملين، ولا يزال عدم اهتمامه برفاهية روسيا مستمراً، حتى وكالة الإحصاء الروسية، المشهورة بتجميع الأرقام لتحقيق أهداف الكرملين، أقرت بأن عدد الروس الذين يعيشون في فقر ارتفع من 12 مليوناً إلى 21 مليون شخص في الربع الأول من عام 2022، وفي ما يتعلق بإمكانية استمرار قوة الروبل، قال فيوتاكيس، “إنه غير مؤكد للغاية ويعتمد على كيفية تطور الجغرافيا السياسية وتكيف السياسة”.

اندبندنت عربية

اخبار ذات صلة