مفاهيم إدارية- أصلحوا النافذة المكسورة

عبد القوي حسان*

ظهرت في أوساط علم النفس والاجتماع نظرية “النوافذ المكسورة” (Broken Windows Theory)، للعالم الأمريكي فيليب زمباردو (Philip Zimbardo)، ومفادها أن زمباردو قام بكسر إحدى نوافذ سيارة مركونة في الشارع، فبدأ الناس بكسر المزيد من النوافذ، حتى تحولت السيارة إلى خردة في بضعة أيام.

تقول هذا النظرية إن الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتعمد للسيارة لم يكونوا بالضرورة مجرمين، بل من عامة الناس والمواطنين الملتزمين بالقانون، ومع ذلك فإن النافذة المكسورة أرسلت رسالة خفية مفادها أنه لا شيء مهم، ولا توجد عواقب لإتلاف ما تم كسره أصلاً.

فلو ترك أحدهم بعض القمامة في حديقة أو في مكان عام، ولم تتم إزالة تلك القمامة في وقت معقول، ولم تطبق أي عقوبات على من رماها، فإن ذلك سيؤدي إلى قيام أشخاص آخرين بنفس الفعل في الحديقة نفسها أو المكان نفسه، وستتحول الحدائق والأماكن إلى مكبات قمامة ينفر الزوار منها.

تقول النظرية إن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار من مستصغَر الشرر، فلو أن شخصا أصيب بمشكلة صحية صغيرة، أهملها ولم يتداركها، فأنها – لا سمح الله – تؤدي إلى مضاعفات كبيرة، ولو أن مدرسا سمح لأحد الطلاب بالعش في الامتحان في مادة ما، فإن هذا التصرف سيجعل من العش عادة طبيعية في امتحانات أخرى ومن طلاب أخرين في جميع مستويات التعليم، والحال نفسه في العلاقة الزوجية ربما تبدأ بمشكلة صغيرة لم تعالج وتنتهي الأمور بمشاكل كبيرة. وولدك الصغير إذا أهملت تصرفه الخاطئ ولم تبادر بمعالجته، فإن هذا التصرف غير المهم، سيكبر ويصبح مشكلة كبيرة وربما ينتقل إلى إخوانه، كذلك العلاقة مع الله تبدأ بذنب صغير ثم يكبر ويكبر إلى أن يتشرب القلب تلك الذنوب فيصبح أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، كما جاء في الحديث، فالكثير من المشاكل الكبيرة في مختلف مجالات الحياة بدأت من مشاكل صغيرة، كانت نتاج تراكمات لأفعال وسلوكيات خاطئة صغيرة تم تجاهلها وعدم معالجتها في الماضي.

في المجال الإداري تبدو أهمية هذه النظرية في أن الكثير من المخالفات الإدارية والسلوكيات الخاطئة بدأت بمخالفة صغيرة وتساهل في معالجتها، إلى أن تستفحل وتنتشر في مختلف قطاعات الشركة، فالمدير والمسؤول إذا تغاضى عن ضعف الأداء من الموظفين، فستكون اللامبالاة أمرا مقبولا في بيئة العمل في مختلف المستويات الوظيفية.

إن إهمال معالجة أي مشكلة مهما كان حجمها، سيؤثر سلباً في مواقف الناس وتصرفاتهم، ما يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة، وعلى العكس سيؤدي معالجة المشاكل الصغيرة إلى توفر بيئة أفضل واستجابة سلوكية إيجابية.

إذن نصلح نوافذنا المكسورة في مختلف مجالات حياتنا أكانت مع الله أو في البيت أو في العمل والشركة لننعم بمستقبل أفضل وسلوكيات صحيحة، ونتخلص من مشاكلنا اليومية والحياتية.

رئيس قسم التدريب والتطوير في بنك التضامن

اخبار ذات صلة