الحماية المالية الرقمية للمستهلك: الطموحات والمعوقات

كتب: #شوقي شاهر*

حماية المستهلك لا تكاد تتوقف عند خدمة أو سلعة بعينها، كما أن طموحات المستهلك في الحصول على خدمات ومنتجات تلبي رغباته واحتياجاته لا ترتبط بزمان أو مكانٍ محددين، فما يسُوق ذلك هو التطور الذي يلف جميع مناحي الحياة ويشمل ضمن ما يشمله تلك التحولات في جوهر وطبيعة تلك الخدمات والمنتجات التي تقدم للمستهلك، تارةً من زاوية التنافس بين المقدمين، وتارةً أخرى من باب صياغة نوع جديد من العلاقة  تكون أكثر تطوراً بين الطرفين – المنتج والمستهلك – وهو الشيء الذي  بدوره يعود بتقسيم  الفائدة بينهما وفق رؤىً جديدة، كما يضمن حقوق كل منهما وفق مفاهيم وأبعاد مشتركة  وهو ما تؤكد عليه الحملات التسويقية والاستراتيجيات التي تكاد أن تكون أشد حرصاً ومراعاةً للتقلبات والتحولات التي يشهدها هذا النوع من العلاقات، وتضع في حسبانها أن عدم مواكبتها لذلك يمثل تراجعا يتسبب في الخروج من السوق وتخلفاً لا يرتقي الى مستوى الطموحات والاحتياجات التي يتطلع إليها المستهلك لاسيما تلك التي فرضتها التقنيات الحديثة والتي اكتسحت معظم النواحي الإنتاجية والخدمية ومكنت المستهلك من الحصول عليها بسهولة ويسر ومنحته توفيرا للجهد والمال في سبيل الحصول عليها . ومع ذلك فإن الدخول إلى عالم رقمنة تلك الخدمات والمنتجات مازال يواجه صعوبات وتحديات جمة لاسيما ً في المجالين  التقني والتشريعي في بلادنا ، ويحتاج إلى بلورة أكبر نحو مخاطبة الوعي لدى المزودين و المستهلكين على حدٍ سواء، حيث  تكمن أهمية وضع هذه القواعد والتشريعات في كونها تحدد الواجبات والالتزامات  وتضمن الحقوق لكلا الطرفين وبما يخدم مصالحهما  وتؤكد على حماية المستخدمين باعتبارهم الحلقة الأضعف في هذه  العلاقة.

ولهذا الغرض وبهدف وضع اللبنات الرئيسية والمشتركة  لدى الجهات  الرسمية  وفي القطاع الخاص وبمشاركة منظمات المجتمع المدني المعنية ، وانطلاقا من مسؤوليتها تجاه المستهلك بالدرجة الأولى فقد بادرت  الجمعية اليمنية لحماية المستهلك الى تبني ورشة العمل بعنوان “الحماية المالية للمستهلك ودورها في تحقيق الشمول المالي الرقمي “وذلك خلال الفترة من  27- 28مارس الماضي بصنعاء والتي اكتسبت أهميتها من خلال ذلك الاكتساح الذي يوشك أن  يلف الخدمات المالية والمصرفية والتي يبدو بأنه لا مفر من استخدام التقنيات والتكنولوجيا الحديثة ضمن تعاملاتها اليومية شئنا أم أبينا  بين المؤسسات والقطاعات ذات الصلة من جهة وبين جمهور المستهلكين من جهة أخرى .

وقد أبرز التفاعل الكبير  وحجم ونوعية المشاركة في أعمال هذه الورشة أهمية مثل هكذا مبادرة، كما أبرزت النقاشات وأوراق العمل المقدمة خلال يومي انعقادها حجم الاهتمام الذي أولاه المشاركون من قيادات مالية ومصرفية مثلت القطاع المالي والمصرفي في القطاعين  العام والخاص إلى جانب منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بمثل هكذا موضوع يهم الجميع ولن يستثني أحد، وأكد حرصهم على مواكبة القفزات الكبيرة التي يشهدها قطاع تكنولوجيا المعلومات وأثر ذلك على حجم ونوعية ومستقبل علاقتهم بالمستهلك، إلى جانب حرصهم الشديد على الاستفادة من مثل هكذا تطور لتقديم خدماتهم ومنتجاتهم المالية والمصرفية لعملائهم وفق تعاملات تقنية وتكنولوجية ملائمة وعصرية.

لقد جسد الطرح الموضوعي والحماس الكبير لدى المشاركين والذي انطلق من أهمية شعورهم بأهمية مثل هكذا مبادرة،  جسد فرصة سانحة لتلتقي الأفكار وصولا نحو وضع اللبنة الأولى لاستراتيجية تضع الأطر الصحيحة للتعامل الرقمي على الصعيدين المالي والمصرفي، وكيفية حماية المستهلك في هذا الجانب كونها خطوة لا شك بأننا جميعا قادمون عليها عاجلا أم آجلا.

ولذلك فقد جاء الإعلان من قبل وزير الصناعة  والتجارة السابق عن اعتزام الجمعية اليمنية لحماية المستهلك تنظيم المؤتمر العلمي الأول للحماية الرقمية والشمول المالي خلال شهر أغسطس القادم، كأحد ابرز مخرجات هذه الورشة والتي اتفق المشاركون خلالها على جملة من التوصيات الكفيلة بتحقيق أهداف الورشة  وبما يلبي تطلعات القطاع المالي والمصرفي- العام والخاص- في بلادنا وبما يكفل حماية  المستهلك وحصوله على خدمةٍ آمنة وبكل يسر وسهولة, كما شملت مخرجات ورشة العمل التوصيات التالية :

– ضرورة إعداد استراتيجية وطنية للشمول المالي الرقمي، تتضمن تعزيز التوعية والثقافة المالية بمشاركة الجهات ذات العلاقة، وإدراج الثقافة المالية الرقمية في المناهج الدراسية ابتداء من التعليم المتوسط، وتنظيم ورش عمل وبرامج حول ما يستجد من خدمات مالية وواجبات وحقوق للمستهلك.

– إعداد القوانين المنظمة للبيئة المالية الرقمية، تتضمن الحماية لجميع الأطراف من مقدمي الخدمة للمستفيدين، وكذا تطوير مؤسسات الضبط والهيئات القضائية لتتمكن من مواجهة الجرائم المالية الرقمية.

– توفير متطلبات البنية التحتية اللازمة لتحقيق الشمول المالي الرقمي، وفقا للرؤية الوطنية، فيما يشجع على تقديم خدمات مالية بجودة عالية وأسعار تنافسية الى جانب توفير التقنيات الحديثة في هذا الجانب.

– إنشاء وحدات متخصصة ومستقلة للتوعية والتثقيف المالي تتبع البنك المركزي إداريا وترتبط مع الجهات والجمعيات ذات العلاقة، وتعزيز مبدأ التنافسية بين مقدمي الخدمات بما يخدم المستهلك، وتوفير الحماية السرية وخصوصية بيانات المستهلك من قبل جميع الجهات الحكومية والمؤسسات المالية ومقدمي الخدمات

– تفعيل آلية الشكاوى لدى مقدمي الخدمات المالية للبنك المركزي، في إطار القواعد المتعارف عليها المنسجمة مع الإرشادات والمعايير الدولية والإسراع في إصدار دليل حماية المستهلك المالي.

– تعزيز التعاون بين القطاع المصرفي ومنظمات المجتمع المدني وضرورة مساهمة القطاع المصرفي الخاص والحكومي وشركات الخدمات المالية في تمويل برامج التوعية المتمثلة في الآتي:

– برامج تدريبية لقطاع ريادة الأعمال حول المنتجات المالية الحديثة.

– حملات توعية تتضمن المعلومات المالية والإرشادات لاستخدام كافة وسائل التوعية.

– ندوات علمية تستهدف الجهات المعنية والخروج بحلول ومقترحات عملية في مختلف القضايا المالية.

– تنفيذ حملة توعية بمواقع التواصل الاجتماعي تتضمن سلسلة فيديوهات ومنشورات توعوية.

إنها خطوة أولى تأتي ضمن اطار رؤية متكاملة  سيتضمنها مؤتمرنا القادم إن شاء الله  وستدفع بكل تأكيد نحو تعزيز ثقافة التحول الرقمي والشمول المالي الذي يأخذ في حسبانه تقديم منتج مالي ومصرفي مبني على أسس تكنولوجية حديثة  وعصرية تأخذ في حسبانها أيضا مصلحة المستهلك وحمايته من أي أضرار واستخدامات سلبية تضر بحقوقه المالية والمصرفية وذلك حال استخدامه لمثل هكذا تقنية في تعاملاته اليومية.

* رئيس الدائرة الإعلامية في الجمعية اليمنية لحماية المستهلك

اخبار ذات صلة