تزامنت الارتفاعات الكبيرة في البورصة مؤخرا مع قفزة أسعار النفط العالمية، وهو ما يشير إلى أن معنويات المستثمرين ما زالت تحت تأثير التطورات في أسعار النفط أكثر من تلك المتعلقة ببيئة الاقتصاد العام
العديد من عوامل الدعم يمهد لآفاق إيجابية للاستثمار في البورصة التي كانت دائما من أفضل الأوعية التي تحقق عائدات جيدة وتتيح للشركات التوسع والحصول على احتياجاتها من التمويل
خلال العام الماضي تمت عمليتا دمج و52 إصدارا للأسهم من قبل الشركات المدرجة، بينما قامت 11 شركة مدرجة بخفض رأسمالها
خلال النصف الأول من شهر مارس الجاري حقق مؤشر بورصة مسقط مكاسب هي الأعلى منذ سنوات، وانتعشت كافة مؤشرات التداول، حيث زاد عدد الصفقات بشكل كبير وصعدت قيم التداول إلى مستويات جيدة للغاية، وتزامنت هذه الارتفاعات الكبيرة في البورصة مع القفزة التي سجلتها أسعار النفط العالمية، وهو ما يشير إلى أن معنويات وقرارات المستثمرين في بورصة مسقط ما زالت تحت تأثير التطورات في أسعار النفط أكثر من تلك المتعلقة ببيئة الاقتصاد العام الذي شهد أداء جيدا منذ العام الماضي سواء فيما يتعلق بمعدل النمو وتعافي الاقتصاد من تداعيات الجائحة ومعاودته للارتفاع بعد تراجع خلال عام 2020، أو طرح الحكومة العمانية العديد من حزم وخطط التحفيز لدعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الجديدة، ورغم الأداء الجيد للاقتصاد خلال العام الماضي والتحسن الكبير في أوضاع المالية العامة، لم يبد المستثمرون في بورصة مسقط تجاوبا ملموسا وظل المؤشر العام عند مستويات منخفضة للغاية كما ظلت قيم التداولات دون مستوياتها المعتادة وهي سمات سادت في البورصة منذ بدء أزمة تراجع أسعار النفط في عام 2015 وما تبعها من تفشي للجائحة في 2020.
ومن المؤمل أن يكون الارتفاع الأخير في البورصة مسارا دائما يحفل بالنشاط في حركة التداول ويساهم في ارتفاع ملموس للمؤشر العام وزيادة معدلات السيولة، خاصة مع وجود العديد من عوامل الدعم التي تمهد لآفاق إيجابية للاستثمار في سوق الأوراق المالية والتي كانت دائما من أفضل الأوعية الاستثمارية التي تحقق عائدات جيدة للمستثمرين وتتيح للشركات التوسع والحصول على احتياجاتها من التمويل.
وحتى نهاية عام 2021 بلغ إجمالي الإصدارات والشركات المدرجة في بورصة مسقط 471، منها 123 شركة مساهمة عامة و296 مقفلة و52 من إصدارات السندات والصكوك من الحكومة والقطاع الخاص، وبلغ إجمالي التوزيعات 653 مليون ريال عماني وفق الإحصائيات الصادرة عن شركة مسقط للمقاصة والإيداع. وخلال العام الماضي تمت في بورصة مسقط عمليتا دمج و52 إصدارا للأسهم من قبل الشركات المدرجة، بينما قامت 11 شركة مدرجة بخفض رأسمالها، واتسمت السنوات الأخيرة بقلة عدد الاكتتابات العامة ولجأت العديد من الشركات إلى زيادة رؤوس أموالها عبر حقوق الأفضلية أو عن طريق الاكتتاب الخاص.
وضمن التحولات الواسعة التي تتم في بيئة الاقتصاد العام في سلطنة عمان لتعزيز التنويع الاقتصادي يلقى سوق رأس المال اهتماما كبيرا لتوسعة دوره في دعم الاقتصاد وتوفير مصادر التمويل، وشهد العام الماضي تحول بورصة مسقط إلى شركة مساهمة عمانية مقفلة باسم «بورصة مسقط ش م ع م» تتبع جهاز الاستثمار العماني؛ بناءً على المرسوم السلطاني رقم 5 / 2021م، الذي قضى بإنشاء الشركة وأيلولة كافة المخصصات والأصول والحقوق والالتزامات والموجودات والسجلات الخاصة بسوق مسقط للأوراق المالية إليها، واستهدفت هذه الخطوة تعزيز مسيرة التنمية الاستثمارية للبورصة، سواء من خلال توفير منصة فعّالة وحافلة بالفرص لإدراج الأوراق المالية وتداولها، أو المساندة في خطط التطوير والتنمية الاقتصادية، وضمان استدامتها بمجموعة واسعة من الأدوات، والوصول إلى الريادة في قطاع أسواق رأس المال إقليميًا وعالميًا عبر مجموعة متنوعة من المبادرات المبتكرة، والارتقاء بأداء الشركات وزيادة الفاعلية التشغيلية، ودعم جهود التنمية، وتوفير فرص استثمارية متنوعة لقاعدة البورصة الكبيرة من المستثمرين المحليين والعالميين، والإسهام في استقطاب الاستثمارات المحلية والعالمية، ويمهد تحول سوق الأوراق المالية إلى شركة لطرحها للاكتتاب العام مستقبلا وإدراجها في البورصة، تماشيًا مع الممارسات الدولية القائمة حاليا، وللتكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية، والعمل على التطوير والابتكار في توفير المنتجات التمويلية وتسويقها والخدمات التي تجذب المستثمرين بما يدعم التنمية الاقتصادية، كما أن أداء البورصة سيخضع لمعايير الإدارة الرشيدة والأنظمة والتشريعات التي تكفل حسن أدائها ويعزز من قدرتها في مواجهة المنافسة الإقليمية والعالمية، حيث إن الفصل يعزز دور الجهة الرقابية والتنظيمية بما يؤدي إلى حماية المستثمرين ورفع كفاءة البورصة وعمليات التداول، كما أنه يحقق المزيد من الشفافية.
ومؤخرا أعلنت بورصة مسقط عن استراتيجيتها الجديدة التي تتضمن العديد من الأهداف المهمة، وتمهد هذه الاستراتيجية الطموحة للتعامل مع تحديات رئيسية تواجه بورصة مسقط منذ سنوات منها وجود العديد من القطاعات الرئيسية والشركات الكبيرة خارج نطاق الإدراج في سوق الأوراق المالية ومنها شركات حكومية وأخرى خاصة إذ يظل وجود الشركات العائلية قاصرا على عدد محدود من الشركات على الرغم من التعديلات الجديدة التي تمت في قانون الشركات التجارية وقدمت تسهيلات لتشجيع هذه الشركات على الإدراج والتحول إلى مساهمة عامة ومنها تسهيلات تخص الاحتفاظ بالاسم التجاري للشركة وخفضا لنسبة الأسهم المطروحة للاكتتاب العام، وجاءت هذه التسهيلات في قانون الشركات ضمن حزمة القوانين الاقتصادية التي مهدت لبدء تنفيذ الرؤية المُستقبلية «عمان 2040»، والتي تتضمن تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره في قيادة الاقتصاد والمساهمة بشكل فاعل في التنمية وتوفير فرص عمل للمواطنين.
وفي إطار تطوير المنظومة التشريعية الخاصة ببيئة الأعمال والاستثمار، أتاح قانون الاستثمار الأجنبي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 50 / 2021 للمستثمر الأجنبي تأسيس وتملك 100 بالمائة من الشركات بشكل عام، وبالتالي فإن الشركات المساهمة العامة غير مرتبطة بأي قيود خاصة بالاستثمار الأجنبي، إلا إذا تم تحديده في الأنظمة الأساسية أو عقود تأسيس الشركات، وقد أشارت إدارة بورصة مسقط إلى أنه وفق هذا التعديل من المتوقع ارتفاع نسبة الأوراق المالية المتاحة للتداول وبالتالي فإن أغلب الشركات المدرجة تخضع تباعا إلى إلغاء سقف التملك الأجنبي ويعد ذلك خطوة مهمة للبورصة وداعمة نحو ترقية البورصة لتكون ضمن البورصات الناشئة وفق معايير مؤسسات التقييم العالمية، حيث إن إلغاء حدود تملك المستثمرين الأجانب سيمهد للبورصة اجتياز المعايير المتعلقة بسهولة الاستثمار والانفتاح على المستثمر الأجنبي، مما يساعد على أن تسهم بشكل فاعل في جاذبية البورصة للمستثمرين الدوليين وتوجيه استثماراتهم نحو بيئة ذات سلاسة ومرونة وبها كافة المقومات لتنمية استثماراتهم.
ووفق الاستراتيجية، يعد تعزيز أحجام السيولة أحد المستهدفات الأساسية لإدارة البورصة، وتم خلال الفترة الماضية العمل على رفع القيمة السوقية للشركات المدرجة من خلال تشجيع زيادات رأس المال للشركات المدرجة وإدراج العديد من الشركات المقفلة من ضمنها شركات حكومية كبيرة الأمر الذي ساهم بالفعل في زيادة القيمة السوقية للبورصة إلى مستويات مرتفعة، وتشمل الشركات التي تم إدراجها أو زيادة رأسمالها خلال العامين الأخيرين شركة تنمية معادن عمان والطيران العماني والعمانية للنطاق العريض والزبير القابضة والعمانية للاستثمار الغذائي والعمانية لتنمية الثروة السمكية وبنك التنمية العماني ومجموعة عمران.
وحسب ما أعلنته بورصة مسقط، تنطلق الاستراتيجية من ركائز أساسية هي تنمية الاقتصاد الوطني وجاذبية البورصة والتكنولوجيا المالية والأداء التجاري للبورصة وتطوير البنية الأساسية والداخلية للبورصة، وتشمل الاستراتيجية مجموعة من الأهداف والمبادرات للمضي في تحقيقها خلال السنوات الخمس القادمة وفق خطة عمل وجدول زمني مع مؤشرات أداء واضحة لتقييم مدى نجاحها، ومن أهم الأهداف التي من المؤمل تحقيقها قريبا ترقية البورصة إلى ناشئة حسب معايير وكالات التصنيف المعتمدة، ولتحقيق ذلك سيتم العمل على رفع سيولة الأسهم المدرجة ورفع القيمة السوقية والتركيز على تسهيل دخول الاستثمارات الأجنبية وتفعيل بعض خصائص التداول مثل البيع على المكشوف وإقراض واقتراض الأوراق المالية وغيرها من المبادرات التي تمكن البورصة من ترقيتها في المؤشرات العالمية.
وبالتنسيق مع جهاز الاستثمار العماني من المنتظر إدراج عدد من الشركات الحكومية خلال هذا العام وهذا ما سيدعم مستويات السيولة مع توجه لمزيد من الإدراجات خلال السنوات المقبلة لزيادة عمق البورصة وجاذبيتها الاستثمارية، لتساهم البورصة في بناء منظومة اقتصادية متنوعة متكاملة الأدوار مستفيدة من الميزات التنافسية لسلطنة عمان.
وبينما بدأت بورصة مسقط تطبيق خطتها الاستراتيجية بعد التحول إلى شركة، فقد أكدت على أنها تضع في أعلى أولوياتها ترقية البورصة إلى بورصة ناشئة حسب تصنيف وكالات ومؤسسات التقييم العالمية التي تحدد معايير معينة لتصنيف البورصات، وقد أكملت جميع المتطلبات الفنية للوصول إلى الأسواق الناشئة، واستوفت المعايير التسعة المحددة لترقية البورصة حسب متطلبات تلك المؤسسات المعنية بترقية البورصات.
وتعد سوق رأس المال من أهم محركات النمو الاقتصادي، حيث تملك إمكانيات واسعة لتوظيف واستثمار المدخرات وتقديم التمويل اللازم للمشروعات ودعم المبادرات الاستثمارية التي يقدمها القطاع الخاص وتوفير السيولة التي يحتاجها المستثمرون أو تغطية الاحتياجات التمويلية للحكومة لتنفيذ مشروعات التنمية وبرامجها الاستثمارية.
عمان اليوم